حنجور والحازمي استخدما اسمي هاني وأحمد صالح وسكنا شقة رخيصة في حي فقير لكي لا يثيرا الانتباه

TT

عاش في هذه المدينة الصناعية، طوال الجزء الاكبر من عام 2001، اثنان من المتهمين باختطاف طائرة البوينغ 757 التي اصطدمت بمبنى وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يوم 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وربما يكونان قد استضافا عددا من الانتحاري ين الاخرين. وقد اختار هؤلاء مركزا لعملياتهم حيا فقيرا يعج بالقادمين الجدد، من المهاجرين الباحثين عن الوظائف والوعود الاميركية بمستقبل مشرق. ولو كانوا اقاموا بمنطقة اخرى، لربما اثاروا الانتباه. ولكن الاهتمام الضئيل جدا الذي حظوا به، في جنوب باترسون ذات الغالبية اللاتينية والعربية، يتضح من حقيقة ان جيرانهم لم يكونوا يعرفون كم منهم كان يقيم في المنطقة: هل كانوا ثلاثة؟ ام ستة؟ ام سبعة؟ ام كانوا احد عشر من الخاطفين التسعة عشر؟! كان اثنان منهم يدفعان 650 دولارا في الشهر ايجارا لشقة من غرفة واحدة في مبنى قذر، ثم تحركا مباشرة وهما يحملان حقيبتين وكيسا للقمامة يمتلئ باغراضهما.

كانا يعيشان على الوجبات السريعة من الطعام الصيني، وعلى الفطائر والعصائر. ويقودان سيارة تويوتا قديمة مرخصة بكاليفورنيا. ولم تكن ملابسهما تختلف، عن ملابس الاخرين في الشارع: الجينز، القمصان والصنادل في بعض الاحيان.

وقال جارهما جيمي دياز (23 عاما) «في البداية شعرنا انهما فقيران، وذلك لانهما لم يكونا يحملان اية امتعة».

وداهمت المباحث الاميركية (اف بي آي) الشقة 486 في يونيون أفينيو، بعد ايام من هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، وفتشت ارجاءها وعرضت صور المتهمين على الجيران. وزارت السلطات كذلك وكالة سياحة كان محمد عطا قد اشترى منها تذكرة الى اسبانيا، وهو متهم بقيادة طائرة اميركان ايرلاينز، الرحلة 11، التي ارتطمت بمركز التجارة العالمي. ومثلهم مثل ضباط «اف بي اي»، بذل الجيران جهودا كبيرة للتعرف على هويات الخاطفين. وبعد ان نشرت وكالة «اف بي اي» مجموعة معدلة من صور الخاطفين، اصبح الجيران اقل تأكدا ممن رأوا ومن لم يروا منهم. وقال بعضهم انهم لم يتعرفوا على اي شخص. وكانت التقارير الاخبارية قد اشارت الى وجود 11 من الخاطفين بذلك الحي.

وقالت الناطقة باسم مكتب «اف بي اي» ساندرا كارول «لا ادري كم من هؤلاء اخطأنا هوياتهم؟». واضافت ان 6 على الاقل اقاموا بتلك الشقة، في فترة ما، ولكننا لا نعرف من الذي كان يسكنها بصورة رسمية؟

وقال الجيران ان اثنين من الخاطفين المتهمين، هما هاني حنجور وماجد مقعد، قد اقاما بتلك العمارة. ولكن صاحب المبنى، جيمي نوري، قال انه متأكد ان حنجور وسالم الحازمي هما اللذان استأجرا الشقة في فبراير (شباط) او مارس (اذار). وقد كان كلاهما بطائرة اميركان ايرلاينز، الرحلة 77 التي اصطدمت بالبنتاغون. واضاف نوري ان حوالي خمسة اخرين كانوا يقيمون معهما او يزورونهما.

كان الرجلان اللذان دخلا محل نوري للهدايا التذكارية بجنوب باترسون يتحدثان اللغة العربية، وقالا انهما يدعيان احمد صالح وهاني صالح. وذكر نوري ان هاني ـ الذي كشفت هويته فيما بعد باسم «حنجور» ـ هو الذي يتحدث اغلب الوقت، مدعيا انه طالب بكلية باسيك كاونتي. واضاف نوري انه لم يحاول التأكد من المعلومات او مراجعة الكلية.

كذلك قال نوري، وهو رجل اعمال سوري كان يدير مدرسة للكاراتيه: «عندما استأجرا الشقة، كانا لطيفين جدا. هذان الشابان كانا مثلك ومثلي».

والنبض الوحيد المتبقي في هذه المدينة المحاصرة اقتصاديا التي يقطنها 141 الف شخص تقريبا، يأتي من العدد الكبير من المهاجرين الذين استقروا فيها في السنوات الاخيرة، ولذا فإنهما كانا مثل اي قادم جديد.

وفي الحي اللاتيني المتاخم ليونيون افينيو حيث كانا يسكنان، ذكر الجيران انهما لم يحتكا بأحد. الا انهما كانا يستقبلان، احيانا عددا من الزوار يصل الى 6 اشخاص، كانوا يبقون حتى الساعة الثانية صباحا.

ولم تلفت الاشياء الغريبة الانتباه الا فيما بعد. فلم تصل شقة الانتحاريين اية رسائل بريدية. وطلبا من جار المساعدة في تغيير مصباح اضاءة كهربائي. ولم يكن يبدو انهما يعملان، ولكن كانت معهما اموال كافية لشراء وجبات الطعام من مطعم وو هوب الثالث في نهاية الشارع. كما قضى الرجلان ساعات في الهاتف العمومي امام محل بقالة في الطابق الارضي من العمارة السكنية المكونة من ثلاثة طوابق.

وذكر الفونسو ذينان ان الرجلين كان يشتريان العصير والخبز والفطائر. وفي بداية فصل الصيف اشتريا جهاز تكييف مستعمل بثلاثين دولارا. وفي وقت اخر طلبا توصيلة كهربائية، ولكن كانت لغتهما الانجليزية او الاسبانية ضعيفة.

وفي 30 اغسطس (اب) استرد الرجلان التأمين من نوري وتركا الشقة. وحملا معهما حقائب عادية وكيس قمامة محشوا بالملابس. وقالت جيزيل دياز «لقد تركا المكان بهدوء مثلما حضرا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»