مصدر إيراني مطلع يكشف لـ«الشرق الأوسط» ظروف دعوة وفد من طالبان إلى زيارة طهران وإلغائها في اللحظة الأخيرة

TT

أكد عضو اصلاحي في البرلمان الايراني انه كان من المقرر بالفعل ان يبدأ وفد من حركة طالبان الحاكمة في افغانستان زيارة الى العاصمة الايرانية، (طهران)، الا ان تدخل الرئيس محمد خاتمي في اللحظة الاخيرة ورفض مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي قد احبطا الخطة التي قال هذا العضو انها اعدت بالاتفاق مع متشددين في النظام الايراني يعرفون محلياً باسم «طالبان ايران».

وكان خبر قد اعلن فجر الثلاثاء في مدينة قندهار الافغانية التي يوجد فيها المقر الرئيسي لزعيم طالبان الملا محمد عمر ونشرته احدى الصحف الباكستانية وافاد بان الملا ظاهر، مساعد وزير الدفاع في حكومة طالبان، والملا رقيب، وزير شؤون اللاجئين في طريقهما الى طهران على رأس وفد كبير من رجال الدين في افغانستان ومسؤولي حركة طالبان تلبية لدعوة من المرشد خامنئي.

وحسب النائب الاصلاحي الايراني فانه فور انتشار الخبر اتصل الرئيس خاتمي بالمرشد وعلم منه انه ليس هناك أي قرار بدعوة وفد طالبان، وان خامنئي لا يعرف بتوجيه مثل هذه الدعوة من مكتبه. وقبل ان يثير نشر الخبر أية شبهة لدى الولايات المتحدة والدول الاوروبية المتحالفة معها حول موقف طهران الحقيقي حيال طالبان، والهجوم المرتقب ضدها، أمر خاتمي وزارة الخارجية في حكومته بنفي الخبر جملة وتفصيلاً. وبعد ساعة استدعى حميد رضا آصفى مساعد وزير الخارجية والمتحدث الرسمي باسم الوزارة مراسلي الصحف والوكالات الايرانية والاجنبية الى مكتبه لينفي خبر توجيه المرشد الايراني دعوة لوفد طالبان واصفاً ذلك بانه خبر ملفق.

والقصة كما رواها النائب الايراني لـ«الشرق الأوسط» بدأت بنشر مقابلة اجراها محسن ماندكاري في صحيفة «انتخاب» مع زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر ونشرتها الصحيفة في مستهل الاسبوع. وليس سراً ان صحيفة «انتخاب» هي صحيفة تعكس وجهات نظر ومواقف خامنئي، اذ ان مديرها الدكتور طه هاشمي (رجل دين شاب درس الطب) من اكثر المقربين الى المرشد فضلاً عن كون الصحيفة ممولة من مكتب المرشد، اذ انها انشئت بقرض من آية الله خامنئي. وعلى الدوام كان ينظر الى ما تنشره الصحيفة ـ لا سيما في امور ذات بعد استراتيجي كعلاقات ايران مع الغرب وسياستها تجاه الارهاب وطالبان والائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ـ باعتباره انعكاساً صادقاً لرغبات وتوجهات آية الله خامنئي.

وعندما نشرت الصحيفة مقابلة مع الملا محمد عمر فإن اللوبي الايراني المؤيد لطالبان ـ والذي يضم رجال دين محافظين كباراً بالتنسيق مع مجموعة من قيادات الحرس ممنّ يعارضون بشدة سياسة الرئيس خاتمي المؤيدة لدعم التحالف الدولي ضد الارهاب بسبب مخاوفهم من أن أبعاد الحملة لاستئصال جذور الارهاب قد تتوسع وتشمل جميع الاجهزة وربما الانظمة التي لها دور في الاعمال الارهابية سواء ضد الافراد أو المصالح ـ تحرك من اجل استغلال المقابلة مع الملا محمد عمر لفتح قناة بين مكتب المرشد الايراني وقيادة طالبان. وما يجدر ذكره ان بعض رجال الدين الايرانيين المحافظين، مثل قربانعلي درّي نجف آبادي، وزير الاستخبارات السابق، واحمد جنتي، عضو مجلس صيانة الدستور، ومحمد تقي مصباح يزدي، عضو مجلس الخبراء، لا يخفون اعجابهم بعقيدة طالبان واسلوبها. فقد دافع دري نجف آبادي، علنا عن سياسات طالبان لا سيما في فرض العقوبات الجسيمة على الناس مدعياً بان هذه السياسات نجحت في بسط الامن والاستقرار في افغانستان.

وندد الرئيس خاتمي بتصريحات درّي نجف ابادي بصورة غير مباشرة حينما هاجم طالبان وممارساتها.

ورغم ذلك فإن «طالبان ايران» على حد قول النائب الاصلاحي الايراني واصلوا تحركهم لا سيما بعد نشر مقابلة الملا محمد عمر في صحيفة «انتخاب» بهدف تشجيع قيادة طالبان الافغانية على اتخاذ خطوات «تصالحية» مع ايران. وقد اقترح هؤلاء على شخصية افغانية قريبة من قيادة طالبان كي تتصل بهذه القيادة وتدعوها لايفاد وفد رفيع الى ايران.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان الملا محمد عمر الذي سبق ان اصدر عدة فتاوى باباحة دم الشيعة وارتكب رجاله مجازر بشعة في مزار الشريف وباميان بحق الشيعة والطاجيك، لم يتردد في تلبية اقتراح الشخصية الافغانية البشتونية المقيمة في طهران بل انه اختار اعضاء الوفد بنفسه من بين اقرب مستشاريه ورجاله. ووجود الملا ظاهر والملا رقيب ضمن اعضاء الوفد خير دليل على ان زعيم طالبان كان يعوّل كثيرا على مهمة الوفد.

وقد توجه الوفد فعلاً من قندهار نحو الحدود الايرانية الاّ انّ رد السلطات الايرانية بشكل سريع على خبر زيارة الوفد تسبب في ان يعود الوفد الى قندهار قبل عبوره الحدود الايرانية. وعلمت «الشرق الأوسط» بان القيادة الايرانية، رغم بعض المؤشرات التي تأتي من طهران بين الحين والاخر بوجود تناقض في مواقف اركان النظام، لم تغير موقفها حيال الحملة المرتقبة ضد طالبان. وسوء التفاهم الذي أثاره لدى بعض المسؤولين الايرانيين ظهور الملك الافغاني السابق محمد ظاهر شاه في الساحة، زال بعد اطلاع القيادة الايرانية على تفاصيل مشروع اقامة حكومة ائتلافية مؤقتة بعد اطاحة حكومة طالبان، وهو المشروع الذي يدعمه التحالف الدولي.