أميركا تختبر تقنيات الحرب الجديدة: طائرات تصور الأهداف المتحركة وتضربها في دقائق وصواريخ أسرع من الصوت 5 مرات وبنادق ليزر تؤلم ولا تقتل

TT

حتى قبل الهجمات الارهابية الاخيرة على نيويورك وواشنطن، كانت وزارة الدفاع الاميركية «البنتاغون» والصناعات الدفاعية تهيئ نفسها لحروب جديدة من النوع الذي تجري له الاستعدادات في ما يتعلق بافغانستان وتعكف على تصميم معدات تجسس واسلحة تمكنها من تحديد الاهداف المتحركة بدقة وضربها في دقائق. وكانت اجهزة استشعار جديدة ورادارات محمولة على طائرات بلا طيار توجه لاسلكيا، بعضها قادر على كشف ما يدور خلف الجدران وبعضها الآخر قادر على التعرف على اشخاص بعينهم، الى جانب صواريخ اسرع من الطلقة قيد التصميم او تحت الاختبار، حسبما قال محللون.

هذه التقنيات الجديدة التي بات بعضها قيد الاستخدام وبعضها الآخر لا يزال رهن التطوير مصممة لخدمة هدف واحد، حسب المحللين العسكريين : تحديد هدف ما والتعرف على هويته والهجوم عليه خلال 10 دقائق او اقل. ويعتبر هذا نقلة كبيرة قياسا بالساعات والايام التي غالبا ما يحتاجها الجيش لشن اي هجوم. وستساعد الاسلحة الجديدة الولايات المتحدة في تجنب تكرار الهجوم المحرج على اسامة بن لادن في عام 1998 عندما ضربت معسكراته بصواريخ كروز لتكتشف فيما بعد انه غادرها قبل الهجوم.

ويشير المحللون الى ان هذه الاسلحة تأتي كرد فعل على الواقع الجديد، اذ ان الخطر لن يصدر عن قوة عظمى ومن خلال نفاثات مقاتلة من آخر طراز وغواصات نووية ولكن من ارهابيين دوليين ودول مارقة لا يتوفر لها سوى مصادر عسكرية محدودة ولهذا فالاغلب انها ستنخرط في حروب صغيرة اقرب ما تكون الى حروب العصابات. وعلق في هذا السياق ايد دنفورد الرئيس السابق لشركة «تي آر دبليو» لصناعة الاسلحة قائلا «لقد كنا نعمل في ظل الخوف العظيم من اندلاع حرب نووية لكن الآن حل خطر الهجمات الارهابية الكبير محله».

واجريت تجارب على التقنيات الحربية الجديدة قبل ايام من هجوم 11 سبتمبر (ايلول) في صحراء كاليفورنيا وكان من بينها طائرة بلا قائد، توجه عن بعد بواسطة اشارات لاسلكية وتحوم على ارتفاع 10 الاف قدم فوق الصحراء ولا يمكن للعين البشرية اقتفاء اثرها، التقطت صورا بكاميرا الفيديو لقوات ارضية كانت تتحرك على بعد اميال منها.وكشفت هذه المركبة عن قدراتها التجسسية المدهشة من خلال تسجيل كاميرا الفيديو التي تحملها كل حركة اقدمت عليها تلك القوات الارضية وحتى التفاصيل الدقيقة مثل قمصان «بولو» وظل افراد القوات، قبل ان تبثها مباشرة الى شاشة تلفزيونية. ووفرت هذه التجارب نظرة خاطفة فريدة على التكنولوجيا التي سيكون لها دور مهم في افغانستان وفي العمليات العسكرية المستقبلية. واوضح لورين تومبسون مدير معهد لكسنجتون الاميركي انه بفضل هذه الطائرات «باتت مقدرتنا في العثور واقتفاء اثر اشخاص مثل اسامة بن لادن افضل مما كانت عليه من قبل. اعتقد ان احتمال عثورنا عليه كبير جدا بسبب التقنيات التي عملنا على تطويرها خلال العقد الماضي». غير ان بعض المحللين العسكريين يثيرون تساؤلات حول ان كانت هذه الاسلحة الجديدة ستساعد حقا في هزيمة مجموعة ارهابية مراوغة مثل منظمة القاعدة. وكانت شكوك مشابهة حيال التكنولوجيا والانظمة المتقدمة قد اثيرت خلال حرب الخليج، ورغم ان بعض تلك الاسلحة ساعد في تحقيق الاهداف المنشودة منها ومنع وقوع سوى عدد محدود من الجنود الاميركيين في تلك الحرب، فشل قسم آخر منها في تحقيق النتائج المتوخاة منها خاصة انظمة الدفاع الجوي التي اعتمدت على صواريخ باتريوت.

كما جدد هجوم 11 سبتمبر (ايلول) الحوار حول ما اذا اصبحت الولايات المتحدة معتمدة كثيرا على التكنولوجيا بسبب فشلها في تجنيد عملاء لها داخل الحكومات الاجنبية والمنظمات الارهابية. وحتى الرئيس السابق جورج بوش الاب اثار تساؤلات حول كيفية فشل الوكالات الاستخباراتية الاميركية التي يصل عددها الى 13 وكالة وجهود مكافحة الارهاب التي تصل ميزانيتها الى 10 مليارات دولار في تعقب الارهابيين المتآمرين وهم يخططون لتدمير مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الاميركية وكشف خططهم.

وتعد الحرب ضد الارهاب شكلا جديدا غير معهود من الحروب بالنسبة للعديد من القادة العسكريين الاميركيين الذين ارتبط تدريبهم وتجاربهم بشكل رئيسي بالحرب الباردة او بعمليات حفظ السلام في السنوات الاخيرة. ويقول جون بايك، المحلل السياسي الاميركي، انه «حتى لو توفرت احسن المعلومات الاستخباراتية سيظل من الصعب تحديد الاهداف، وسنواجه وقتا صعبا في العثور على تجمع معقول من المقاتلين للقضاء عليهم او اعتقالهم لانهم سيتخفون بين الناس العاديين».

وتلقى القنابل الذكية دقيقة التصويب والموجهة عبر اقمار صناعية اهتماما خاصا. وسيصار الى تزويد انظمة المراقبة بصواريخ ذات محركات متفوقة تنطلق بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمس مرات او اكثر وقادرة على قطع الاف الاميال في الساعة. وكانت صناعات الاسلحة الجوية عكفت على تطوير تكنولوجيات اسرع من سرعة الصوت بخمس مرات او اكثر لازيد من عقد، بينها اختبارات لمحركات تعمل بهذه السرعة اجريت اخيرا ورعتها ادارة علوم الطيران والفضاء القومية.

وحتى الاسلحة التي ظهرت في مسلسلات تلفزيونية مثل «باك روجرز» وبدت طموحة جدا اصبحت متوفرة قبل عام. فمطلع العام الحالي اجرت قوات سلاح الجو اختبارات على سلاح يطلق اشعاعات تتسبب في شعور الناس وكأنهم يجلسون في فرن «مايكروويف». وبينما يتسبب هذا السلاح في الالم لمن يتعرض له فانه غير مهلك، ويشير المسؤولون العسكريون الى امكانية استخدامه في تفريق الحشود في المناطق العدائية، خاصة عند اختباء الارهابيين المشتبه بهم بين المدنيين. وزودت قوات العمليات الخاصة اخيرا بمعدات تنصت يمكنها تتبع المحادثات الارضية وتحديد مواقعها. كما جرى امدادهم باجهزة ليزر محمولة باليد يوجه منها شعاع باتجاه هدف ما لمساعدة الطيارين في تحديد مكان سقوط القنابل الموجهة بالاشعة.

وفي اختبارات عسكرية اجريت الخريف الماضي في موقع فورت ايروين اختبر الجيش نظام كومبيوتر يحدد للجنود مواقعهم بدقة ومواقع اعدائهم من خلال جهاز محمول باليد. ويعكف الباحثون في الجيش على تطوير بنادق موجهة بالليزر وخوذ تسمح للجنود برؤية النقاط المخفية عند الزوايا. وللمساعدة في تحديد والتأكد من مواقع الاهداف المطلوبة مثل بن لادن، فان طائرات بلا طيار تحلق فوق مواقع نائية ستتمكن من ابقاء معسكرات محددة تحت المراقبة لساعات طويلة. وستوفر كاميرات الفيديو من آخر طراز محمولة على تلك الطائرات صور حية وتفصيلية لما يجري داخل تلك المعسكرات بما في ذلك لباس الموجودين فيها. كما يعكف خبراء الدفاع على تطوير برنامج كمبيوتري سيتيح للعسكريين التعرف على هويات الاشخاص الذين تصورهم تلك الكاميرات.

*خدمة: «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»