أميركا تستخدم «وحدات الحرب النفسية» في المعركة ضد بن لادن وطالبان

TT

من بين قوات العمليات الخاصة الأميركية، التي تتجمع على الحدود الأفغانية استعداداً لتسديد الضربات ضد اسامة بن لادن وطالبان، هناك مجموعة صغيرة من الجنود غير مكلفة بالاستيلاء على الأجساد، بل بالاستيلاء على القلوب والعقول. وسيقوم هؤلاء المتخصصون في العمليات النفسية، باستخدام اساليب قديمة للتأثير على سلوك وعواطف جنود الطرف الآخر وعلى الأفغانيين المدنيين.

هذه القوة المزودة بالمحطات الاذاعية المتحركة، وبالمنشورات ومكبرات الصوت، ستقوم بزرع الخوف في قلوب طالبان، بينما تشجع اللاجئين الأفغان وترفع معنوياتهم، وتؤكد لهم ان بن لادن، وليس الولايات المتحدة، هو عدوهم الحقيقي.

للاضطلاع بهذه الرسالة تم نشر الكتيبة 193 للعمليات الخاصة بهاريسبورغ (بنسلفانيا). وتستخدم وحدة الحرس الوطني الجوية 6 من طائرات اي سي 130 اي «كوماندو سولو»، كمحطات اذاعية متحركة، تستطيع في نفس الوقت مراقبة الارسال الالكتروني والتشويش عليه. ومع ان ناطقاً رسمياً امتنع عن تحديد اماكنها، الا ان المرجح ان تكون هذه الوحدات متمركزة حالياً بقواعد جوية بأوزبكستان وتاجيكستان، الدولتين الجارتين لأفغانستان.

ويؤكد المحللون ان جنوداً من مجموعة العمليات النفسية الخاصة في «فورت براغ» (كاليفورنيا الشمالية) والتي تدير المعدات التلفزيونية والاذاعية لطائرات «كوماندو سولو»، قد ارسلوا بالفعل الى المنطقة. وأعضاء هذه المجموعة الـ1200 يعتبرون من بين 5000 من جنود العمليات النفسية في الجيش الاميركي. ويقول المسؤولون العسكريون ان الـ76% الآخرين هم من جنود الاحتياط الذين لم يتم استدعاؤهم.

ويذكر وليام ناش، الجنرال المتقاعد وعضو مجلس العلاقات الخارجية الاميركي «ان الحملة الاعلامية مهمة جداً، سواء من الناحية الاستراتيجية او فيما يتعلق بأفغانستان تحديداً. فنحن نحتاج ان نتحدث مباشرة الى الشعب الأفغاني».

من الناحية الاستراتيجية، فان صمت وزارة الدفاع (البنتاغون) المطبق حول خطتها، يعتبر جزءا من حرب نفسية عالمية لحرمان بن لادن ومضيفيه من اية دلائل او اشارات حول موعد وموقع وكيفية الضربات التي ستوجهها القوات الاميركية. ولكن من الناحية التكتيكية، فان العسكريين يتطلعون الى ابلاغ المقاتلين والمدنيين الأفغان تصوراتهم عن كيفية خوض الحرب.

ويقول ادوارد راوس، عضو مجموعة الحرب النفسية السابق «خبراء الحرب النفسية مهمون جداً، لأن هذه حرب معلومات. انها حرب تتعلق بالعقول اكثر مما تتعلق بالأجساد».

ويحتج انصار الحرب النفسية على ما يسمونه السمعة السيئة لنشر المواد الدعائية. ويقول ناش «ان جوهر كل عملية نفسية ليس سوى قول الحقيقة». ومثلها مثل كل العمليات الخاصة، فان قوات الحرب النفسية محاطة بالسرية. ويقول الاعضاء القدامى بهذه القوات إن تجارب الحروب الماضية تشير الى نوع الوسائل والرسائل التي سيستخدمها الجيش في آسيا الوسطى. وستنطوي على توجه ذي شعبتين، مستهدفة مقاتلي طالبان من جانب، والمدنيين من الجانب الآخر.

ويقول هيرب فريدمان، ضابط الجيش المتقاعد الذي عمل بقوات الحرب النفسية: «سنوزع منشورات وفق مبدأ «فرِّق تسُد، لمحاولة فصل الشعب عن طالبان».

ويضيف جيمس فيليب، خبير الارهاب وشؤون الشرق الأوسط: «إن القوات الاميركية ستحاول توضيح ان هذه الحرب ليست ضد الشعب الأفغاني، بل هي حرب ضد بن لادن. ونحن نستطيع استغلال الانقسامات الموجودة حالياً، وسنستهدف قادة طالبان الذين يرجع ولاؤهم للرشاوي التي يتلقونها وليس للاعتبارات الايديولوجية، وذلك باعطائهم وعوداً بالمكافآت او بأدوار في الحكومة الأفغانية القادمة».

وستراجع الرسائل الاذاعية والمنشورات والمواد الدعائية مع الافغان الاميركيين قبل اذاعتها ونشرها. يقول راوس «أسوأ ما يمكننا ان نفعله هو طرح مادة تجعلهم اكثر غضباً مما هم عليه الآن». وقال ان مقارنة الرئيس العراقي بهتلر في حرب الخليج 1991 كانت لها اثار عكسية.

ويقول فريدمان إن الحساسيات الثقافية ذات أثر حاسم. وهو يتوقع ان تستخدم الرسائل في محتواها بعض مبادئ الاسلام. ويقول انه «ستكون هناك آيات عديدة من القرآن تدعو للسلام وحرمة قتل الجار. وستكون هناك صور لجثث الموتى من النساء والأطفال وتحتها السؤال: هل هذا يرضي الله تعالى؟».

الجمهور الأكبر الذي ستركز عليه الدعاية غالباً ما سيكون اولئك اللاجئين الذين غادروا افغانستان هرباً من الضربات الاميركية المتوقعة. وسيتحدث خبراء الحرب النفسية عن ان الأغذية التي توزعها منظمات الاغاثة دفعت ثمنها الولايات المتحدة.

الى اي مدى يمكن لخبراء الحرب النفسية ان يحولوا الأعداء الى اصدقاء؟

يقول فريدمان «تتمثل الحيلة في اقناع شعب افغانستان او انصار طالبان بأنهم سيخسرون هذه الحرب».

ويحب خبراء الحرب النفسية ان يتفاخروا بنجاحاتهم. مثل اجبارهم ديكتاتور بنما السابق مانويل نورييغا على الاستسلام عام 1990 بعد ثلاثة ايام من الضوضاء التي تصم الآذان، الصادرة عن معادن ثقيلة كانوا يفرقعونها قرب سفارة الفاتيكان التي كان يختبئ داخلها. او اقناع الآلاف من الجنود العراقيين، من خلال المنشورات ومكبرات الصوت، بالاستسلام اثناء حرب الخليج. وفي واحدة من هذه المرات، خرج 500 جندي عراقي من فنادقهم ليستسلموا لثلاثة جنود فقط من القوات الخاصة بالحرب النفسية.

التحدي الأساسي هذه المرة هو توصيل الرسالة نفسها. فالجيش لديه قليل من الذين يتحدثون الباشتو او الداري، اللغتين السائدتين بأفغانستان. وربما يضطر في هذه الحالة الى توظيف اميركيين افغان للقيام بمهمة الترجمة او يوظف مواطنين محليين من الاقليم. ولكن حتى في هذه الحالة فان مخاطبة اغلب الأفغان تبقى مهمة صعبة. فالبلاد ليس لديها ثلاث محطات اذاعية، وليس لديها محطة ارسال تلفزيوني، وليس لدى المواطنين سوى قدر ضئيل من الطاقة الكهربائية. ويمكن لطائرات «كوماندو سولو» ان تشوش على الاذاعات الأفغانية وتذيع رسائلها الخاصة ورسائل مجموعات المعارضة. ويمكنها كذلك القاء أجهزة مذياع تعمل بالبطارية.

وتعتبر المنشورات محدودة النفع في بلد لا يعرف فيه اثنان من كل ثلاثة من مواطنيه القراءة. وربما تصحب المنشورات بعض الصور.

وتعبر فيونا هيل، محللة شؤون آسيا الوسطى بمعهد بروكنغز، عن شكوكها حول استخدام خبراء الحرب النفسية في افغانستان، لأن اغلب الناس سيذهبون الى معسكرات اللاجئين. «ستكون هناك مشكلة كبيرة في التواصل مع الناس. فهم ليسوا متعلمين بما فيه الكفاية. وهم مشتتون، ولا توجد كهرباء ولا يملك اغلبهم اجهزة الراديو».

ولكن بالرغم من كل هذه العقبات، من المهم محاولة كسب ولاء الأفغان عن طريق الكلمة وليس الأسلحة، حسب ما يقول راوس، الذي يضيف: «الحرب النفسية سلاح انساني، لأنه يمكن ان يمنع القتل على الجانبين».

* خدمة «يو. إس. إيه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»