تقرير للأمم المتحدة يكشف عن مذابح وحشية ارتكبها جنود طالبان ضد المدنيين

TT

كشفت وثائق خاصة بالامم المتحدة عن ان قادة ومقاتلي حركة طالبان الحاكمة في افغانستان ارتكبوا عددا من المذابح في السنوات الاخيرة، وهم يحاولون تعزيز سيطرتهم على المناطق الشمالية والغربية من افغانستان.

وقالت تقارير اعدها موظفو الامم المتحدة في افغانستان ان اعمال القتل الجماعي جرت بناء على اوامر من زعيم طالبان، الملا محمد عمر. وقال مسؤولون في الامم المتحدة يجرون تحقيقا حول سلسلة من المذابح التي ارتكبت بحق ما لا يقل عن 178 شخصا في يناير (كانون الثاني) الماضي في منطقة ياكاولانج شمال وسط افغانستان انهم وجدوا «شواهد على محادثات لاسلكية بين الملا عمر وفريق من قوات طالبان يقوم بتوجيه وتنفيذ اعمال القتل».

وقال مسؤول في الامم المتحدة طلب عدم ذكر اسمه: «ان هذه الجرائم شبيهة بجرائم الحرب التي ارتكبت في البوسنة»، ومعلوم انه يمكن مقاضاة مرتكبيها في محاكم دولية. وقال موظفو الامم المتحدة انهم وفروا هذه التقارير بسبب احساسهم بخيبة الامل من ان كبار المسؤولين في الامم المتحدة لم يفعلوا الكثير من اجل اعتبار هذه المذابح جرائم حرب.

ففي يناير (كانون الثاني) الماضي عندما وردت التقارير الاولى عن مذابح ياكاولانج من افغانستان نفتها طالبان نفيا شديدا. ولكن في ابريل (نيسان) الماضي ابلغ الامين العام للامم المتحدة كوفي انان مجلس الامن ان التقارير عن المذابح «جعلت عددا اكبر من موظفي الامم المتحدة في افغانستان يجمعون تقارير من شهود عيان على المذابح، ويزورون المقابر الجماعية للضحايا»، واعدوا في يوليو (تموز) الماضي تقريرا تفصيليا تضمن 55 صفحة ذكروا انه ارسل الى مكتب انان، ومكتب مفوضة حقوق الانسان في الامم المتحدة ماري روبنسون.

وقال متحدثان باسم انان وروبنسون يوم الخميس الماضي: «ان الامم المتحدة ما تزال تسعى الى تحقيق اشمل في مذابح ياكاولانج، ولكن طالبان احبطت هذه المساعي». وقال مكتب روبنسون في جنيف ان طالبان كانت قد رفضت مساعيها لارسال محققين مختصين الى افغانستان. وقد جمع موظفو الامم المتحدة في البلاد تقارير من شهود عيان عن كل مذبحة، بينها اسماء كثير ممن ارتكبوا المذابح ومن ضحاياها. وكشفت التقارير عن الادوار التي لعبتها «قوات اجنبية» من الباكستانيين ومقاتلين في منظمة القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن.

وذكر احد موظفي الامم المتحدة انه «ارتكبت 15 مذبحة بحق مدنيين خلال السنوات الاربع الماضية، وكان مخططا لها على مستوى عال، وتؤدي خيوطها الى وزارة الدفاع او الملا عمر نفسه. واذا ما كانت هناك مذبحة فلا بد ان يأتي تفويض اقترافها منه او من وزارة الدفاع. اما فرق القتل فيشرف عليها قادة كبار».

ويصف تقرير الامم المتحدة التحليلي الشامل المذابح التي اقترفت في منطقة ياكاولانج، التي تقع في مقاطعة باميان، وتشكل طريق وصول الامدادات الرئيسية الى شمال افغانستان. وباميان هي المقاطعة التي دمر فيها رجال طالبان اثنين من تماثيل بوذا في وقت سابق من العام الحالي.

وكانت طالبان قد فقدت سيطرتها على ياكاولانج في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، عندما استولت قوات الهزارة، المنظمة في «حزب الوحدة» على المنطقة. وقد ظهرت هذه المذابح عندما عادت قوات طالبان.

وكتب التقرير، الذي اعتمد على اجراء مقابلات مع مئات الاشخاص الذين شهدوا المذابح او نجوا منها، وكذلك التحقيق الشرعي الاولي على مواقع المقابر الجماعية، ليوفر أساسا لادانة قادة وزعماء طالبان بارتكابهم جرائم ضد الانسانية. ويصف التقرير الضحايا الذين صفوا وربطت ايديهم الى الخلف، واطلق الرصاص عليهم، والقي بجثثهم في المقابر الجماعية، وذلك الصبي الذي سلخ جلده وهو حي، والمدنيين الذين ضربوا حتى الموت، وكل ذلك حدث خلال فترة من الارهاب استمرت اسبوعين على يد بعض من كبار قادة طالبان والمقاتلين العرب.

وقال التقرير ان «مذبحة ياكاولانج لم تكن، على الاطلاق، مذبحة منعزلة او حدثا نظم محليا وانما هي عملية نظمت مركزيا». واضاف: «يبدو من الواضح ان قيادة طالبان المركزية في وزارة الدفاع بالعاصمة كابل، ومكتب «امير المؤمنين»، اي الملا عمر، كانوا يواكبون تطورات العملية».

واكد موظفو الامم المتحدة ان شهودا في ياكاولانج وفي قاعدة الملا عمر في مدينة قندهار الواقعة جنوب البلاد سمعوا محادثات لاسلكية بين الملا عمر ومرتكبي المذبحة. واضافوا ان مسؤولين كبارا آخرين في طالبان اشرفوا على العملية عبر الاتصالات اللاسلكية، وحددوا اسماء هؤلاء المسؤولين وهم قائد الاركان الملا فضل، ووزير الاستخبارات قاري احمد الله، ووزير الدفاع عبيد الله اخوند.

وفي عام 1998، وعندما استولت طالبان على مدينة مزار الشريف الواقعة شمال البلاد، «ارتكبت مذابح بحق المئات من السكان وربما اكثر، وكانوا في الغالب يطلقون الرصاص على افراد الهزارة في الشوارع او في بيوتهم»، وفقا لتقرير اعدته منظمة «مراقبة حقوق الانسان» التي تتخذ من نيويورك مقرا لها في اعقاب المذابح مباشرة. وقد اعتبرت تلك المذبحة انتقاما من مذبحة ارتكبتها قوات الهزارة عام 1997 بحق ما يقرب من الفين من مقاتلي طالبان الذين استسلموا في معركة جرت في مزار الشريف.

وحدثت احدى المذابح في ناياك، وهي قرية تقع في وادي دارا علي. وقال تقرير موظفي الامم المتحدة: «ان اهالي ياكاولانج اعتبروا دارا علي ملاذا آمنا، حيث يمكن للمدنيين الاختفاء اثناء الاضطرابات السياسية او العسكرية».

وذكر التقرير: «في الساعة العاشرة من صباح يوم السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي اقتحم مقاتلو طالبان القرية بثماني سيارات من طراز تويوتا. وفي الساعات الخمس التالية جمع فريق تفتيش طالبان كل من وجدوا من الرجال، وتكشف الطريقة التي جرت بها عملية التفتيش عن زيف أية فكرة بشأن الغرض العسكري للعملية. فقد جمع الرجال من دون تمييز، وكانوا من المدنيين على وجه التحديد».

واضاف التقرير: «بعد اكمال عملية التفتيش ساقت قوات طالبان الاسرى باتجاه مركز ناياك. وكان خيالة طالبان يضربون الرجال بالسياط والعصي واعقاب البنادق. وفي المساء انزل الاسرى من السيارات وقسموا الى مجموعتين، وبعد ذلك حصدتهم فرق طالبان بنيران اسلحتها».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»