تركيز الاستخبارات الأميركية على ملاحقة شبكة بن لادن يضعف عملها في جوانب أخرى

سي.آي.ايه ضاعفت عدد المتحدثين بالعربية 3 مرات في السنوات الـ3 الأخيرة

TT

يقول كبار ضباط الاستخبارات، ان وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي إيه) كلفت عددا ضخما من العاملين في الوكالة وغيرها من الاجهزة لمطاردة شبكة أسامة بن لادن الدولية، مما قد يجعل الوكالة غافلة عن الاخطار الاخرى المحدقة بالولايات المتحدة. وكانت هذه القضية بالذات موضوع اجتماع بين كبار المسؤولين في مقر الـ(سي آي إيه) في لانغلي(فيرجينيا). ومن المفترض ان يتولى رئيس الوكالة جورج تينيت اطلاع الرئيس جورج بوش على هذا الامر في اجتماعاتهما الصباحية أو ان يسدي النصح لاعضاء الكونغرس في هذا الشأن.

ويقول المسؤولون انه لا توجد حتى الآن دلائل على ان الدول التي تعد اهدافا اولى للمراقبة لدى الـ(سي آي إيه) مثل كوريا الشمالية والعراق، حاولت ان تستغل الأزمة الحالية. ومع ذلك فان ضباط الوكالة يعتريهم قلق شديد من هذا الاحتمال. ويقول أحد المسؤولين: «هذه مشكلة حقيقية، وقد أبلغنا القيادة (أي قيادة الوكالة) انه ستتم التضحية ببعض الاشياء واننا لا نستطيع مراقبة بعض الاهداف بالطريقة التي نراها ضرورية.

وقال مسؤول آخر: «مكافحة الارهاب هي همنا الاول، واولويتنا القصوى. هذه النقطة يجب التأكيد عليها لدى الكونغرس وفي البيت الابيض، هي انك في مثل هذه الظروف يجب ان تعيد توزيع الموارد وانك لا تستطيع ان تفعل كل شيء».

ويقول المسؤولون في الوكالة، انه ولتغطية احتياجات الفترة الراهنة، تم نقل مئات من موظفي الوكالة، من محللين وعملاء سريين، الى رئاسة الوكالة وتم اعفاؤهم من واجباتهم العادية للتفرغ لمكافحة الارهاب مما ضاعف عدد العاملين في هذا المجال منذ 11 سبتمبر (أيلول).

وهذا المركز الذي يشرف عليه قسم العمليات في الـ(سي آي إيه) يعمل فيه خبراء من مخابرات الدفاع: من القيادة المركزية بوزارة الدفاع (البنتاغون)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي)، والادارة الفدرالية للملاحة الجوية... وغيرها من الوكالات الحكومية.

ومع ان المقر العادي لمركز مكافحة الارهاب هو الطابق الاول من مبنى الـ(سي آي إيه)، الا انه امتد الان الى كل انحاء المبنى ذي الطوابق السبعة. وهو يمثل العصب الحي في جهود الوكالة لضرب وردع المجموعات الارهابية والدول الداعمة لها ،كما انه يعد تقارير يومية تقدم للرئيس بوش وغيره من كبار المسؤولين. بالاضافة الى ذلك فان عشرات الضباط الذين يشرفون على توظيف العملاء المحليين والاشراف عليهم، ومعهم المحللين وخبراء اللغات والفنيين، نقلوا على وجه السرعة الى باكستان واوزبكستان وتركمانستان وغيرها من المواقع للاضطلاع بالمهام الطارئة هناك.

كان الارهاب واحدا فقط من أوجه نشاط ال(سي آي إيه )الواسع قبل 11سبتمبر، فاغلب الموظفين يضطلعون بواجبات تتعلق بجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، حول قضايا مثل انتشار الاسلحة النووية، وتصدير الصواريخ، والحروب الاقليمية، وتجارة الاسلحة والمخدرات والتطورات السياسية في الاماكن الاستراتيجية مثل الصين والبلقان.

وقد كانت الوكالة هدفا لانتقادات عنيفة لفشلها في كشف أحداث الشهر الماضي، وذلك رغم التعقيد الذي انطوت عليه مؤامرة بدأت في افغانستان، وطورت في المانيا وانجلترا، واشترك فيها على الاقل 19 من الخاطفين الذين درسوا في الولايات المتحدة وتجولوا في انحائها. ونظرا لخوف الوكالة من ان تفلت منها فرصة أخرى في ضبط جريمة إرهابية جديدة، ابلغت مكتب التحقيقات الفدرالي باحتمالات وجود عملية إرهابية وشيكة الحدوث، مما نتج عنه صدور تحذير للجمهور يشير الى ذلك ويحض على اليقظة والتبليغ عن أي مظهر مثير للشكوك.

يأتي تجييش الوكالة للافراد والموارد لمحاربة الارهاب، في وقت تتجه فيه ادارة بوش والكونغرس الى اجازة زيادات ضخمة في ميزانيات العمليات الاستخبارية بعد سنوات عديدة لم تشهد مثل هذه الزيادات. وقد قضى قانون ،اجيز مؤخرا، برفع ميزانية الوكالات الاستخبارية ال13ـ في كل البلاد بمقدار 9 في المائة، علما بان الارقام الدقيقة سرية. ولكن الزيادة ستضاف الى الموازنة السنوية التي تبلغ 30 مليار دولار والمقررة أصلا. ومن المتوقع ان يصوت الكونغرس على المشروع الاسبوع المقبل.

والجزء الاكبر من ميزانيات هذه الوكالات ينفق على نظم استطلاعية باهظة التكلفة وعالية التقنية. والحصص الكبرى تذهب الى الوكالات الاستخبارية لوزارة الدفاع، وخاصة مكتب الاستطلاعات القومي، الذي يتولى صناعة اقمار التجسس، ووكالة الامن القومية، التي تقوم بالاستطلاعات الالكترونية على مستوى العالم.

وعلى سبيل المثال، اطلق هذا الشهر صاروخ تايتان IVB، من قاعدة فاندينبورغ الجوية (كلفورنيا) وعلى متنه قمر للتصوير البالغ الدقة الذي يمكن استخدامه ضد الارهاب، ولكنه يكلف مليار دولار. ويقول خبراء هذا الصاروخ انه يمكن ان يلتقط صور أشياء في حجم كرة القدم، وان اجهزته الحرارية يمكن ان تسجل نارا صغيرة في مخيم في الخلاء.

على العكس من ذلك تتلقى الـ(سي أي إيه) 3 مليارات دولار لكل مصروفاتها ولا يذهب الا جزء ضئيل من المبلغ على ما تعتبره الوكالة ونقادها، مهمتها الاساسية: أي المهام المتعلقة بالتجسس البشري; حيث يقوم موظفو الوكالة او العملاء الذين يجندونهم بسرقة الوثائق بانفسهم. ومنذ تعيينه مديرا للوكالة عام 1997عمد تينيت الى تعيين العديد من الاكفاء لتحسين آداء الوكالة. وكان عدد المتخرجين من «المزرعة»، أي المعسكر السري بفرجينيا الذي يتلقى فيه مجندو الوكالة تدريباتهم، في الصيف الماضي، يوازي خمس مرات عدد الذين تخرجوا عام 1996. وقال احد المسؤولين ان المتخرجين يتحدثون 22 لغة. وقال المسؤول كذلك ان الوكالة ضاعفت عدد الذين يتحدثون اللغة العربية ثلاث مرات في السنوات الثلاث الماضية. ولكنه لم يذكر الاعداد على وجه التحديد.

في تقرير صدر مؤخرا، أوضحت لجنة الاستخبارات بالكونغرس ان أعداد المحللين الموهوبين والضباط العاملين وراء البحار ما تزال قليلة بصورة خطيرة. وقال التقرير انه لدى الـ(سي آي إيه) والوكالة القومية، آلاف الوثائق التي لم يتم تحليلها، أو حللت بعد فوات الاوان، لان اعداد المحللين قليلة جدا. ودعا التقرير الى ما اسماه: «التجنيد على نطاق واسع للمشرفين على الافراد، وخاصة اولئك الذين ينحدرون من الاقليات القومية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»