الأمير تركي الفيصل: هذه حقيقة طالبان وأسامة بن لادن

رئيس الاستخبارات العامة السعودية السابق: قلت للملا عمر ستندم وسيدفع الشعب الأفغاني الثمن

TT

يعرف الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات العامة السعودية، أفغانستان ورجالها كما لا يعرفها غيره. فهو قريب من هذه البلاد وقضاياها منذ نحو ربع قرن، بل بدأ اهتمامه بها حتى قبل دخول القوات السوفياتية غازية ذلك البلد المسلم البعيد في شتاء بارد، في الايام الاخيرة من عام 1979.

اهتم بافغانستان، ورأيت التأثر على وجهه عندما تحدث لي عن المشاعر التي انتابته حين دخل كابل في ابريل (نيسان) 1992 مع رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، فكانا أول مسؤولين من غير الافغان يزوران العاصمة المحررة.

وفي حوار مطول مع محطة «تلفزيون الشرق الأوسط» من ست حلقات بُثت أولاها البارحة وتنشره صحيفتا «الشرق الأوسط» و«عرب نيوز»، تعرض الامير تركي الفيصل الى كل ما يهم افغانستان واهتمام السعودية بالقضية الافغانية ودور الاستخبارات السعودية فيها. كما تحدث بالتفصيل عن اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة والمتهم الرئيسي في احداث 11 سبتمبر (ايلول) الدامية.

وفي الحلقة الاولى، أعرب الامير تركي الفيصل عن امله في ان تتمخض الاحداث الراهنة عن نهاية المحنة التي يتعرض لها الشعب الافغاني ليس من اسابيع فقط وانما من 25 سنة. وقال ان الشعب الافغاني يستحق افضل مما هو فيه.

وأكد ان تحرك السعودية في افغانستان كان قد جاء تنفيذاً لتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بأن «اساعدهم على مساعدة أنفسهم بأي قدر كان ولذلك قدمنا الدعم المالي والعسكري والمعنوي طوال الحرب ضد السوفيات». وأضاف ان السعودية كانت «متوجسة» من نشوب حرب أهلية يقتتل فيها الاخوة الافغانيون بعد انسحاب الروس وللأسف حصل ذلك بالفعل. وأشار الى انه سعى بتكليف من خادم الحرمين الشريفين مرات عدة بالعمل لرأب الصدع بين المجاهدين، واثنى على «مجهودات شخصيات عامة من العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي ورابطة العالم الاسلامي والاخوة في باكستان» ممن قاموا بنفس المهمة.

وقال ان تلك الجهود ذهبت كلها سدى. بيد أنه أكد ضرورة «ان تستمر (الجهود) وأن نتطلع الى مستقبل زاهر لشعب يستحق ان يعوض ما فاته».

* نفضل الشعب الأفغاني

* وردا على سؤال حول دور السعودية المقبل في أفغانستان بعدما صارت الولايات المتحدة صاحبة الدور البارز هناك، قال إن «للسعودية دورا كبيرا ولها علاقات بالجميع، كما سعت الى ان تبقى جهودها لدعم مساعي السلام مستمرة»، رغم هذه التطورات الاخيرة. وأشار الى ان الولايات المتحدة لعبت دوراً في السابق بأفغانستان فهي مع السعودية وباكستان «كانوا الدول الثلاث التي قدمت العون للشعب الافغاني». وعند سؤاله عما اذا كانت السعودية تحبذ جهة معينة بين الفصائل الافغانية، قال «نعم نحن نفضل الشعب الافغاني».

وعقد الامير تركي مقارنة بين الاهداف التي ترجوها الولايات المتحدة من حملتها العسكرية وبين غايات الحملة السوفياتية، مؤكدا أن «هناك فرقاً كبيراً جدا، فروسيا سعت للاحتلال ثم الانطلاق الى باكستان ومنها الى المياه الدافئة»، في اشارة الى تطلعات السوفيات في ظل الحرب الباردة للوصول الى مياه بحر العرب او الخليج العربي. اما الولايات المتحدة فهي «لا تريد احتلال افغانستان وانما القيام بمهمة معينة نتجت عن احداث 11 سبتمبر».

وعن العلاقة ما بين حركة طالبان التي تسيطر الان على معظم افغانستان واسامة بن لادن، قال «لقد وضعت طالبان نفسها في مأزق. فعندما احتلت جلال اباد، شرق افغانستان، عام 1996 كان يوجد فيها (بن لادن) لاجئا عند الشيخ يونس خالص ـ أحد زعماء المجاهدين الافغان في الحرب الاولى ـ وتعهدت الطالبان (وقتذاك) بعدم السماح له أن يمس مصالح السعودية بأي اذى بالقول او الفعل، وبالتالي تحملت مسؤوليته. ولكنها لم تستطع أو لم ترغب ان تمارس نفوذاً عليه لمنعه من القيام باعمال مخلة بالامن». وأضاف انه اذا كانت طالبان «حكومة ذات سيادة ولها سيطرة على الاماكن التي تحكمها، فلنر كيف هي سيادتها واذا لم تستطع فعليها ان تترك (هذا الامر) لمن يستطيع ان يحل المشكلة».

وفي معرض حديثه عن طموحات أسامة بن لادن، اعتبر الامير تركي الفيصل «ان ما صدر عنه من منشورات وفتاوى خلال السنوات السبع الماضية يوضح طريقة تفكيره». واختصر أهداف زعيم القاعدة بقوله انه يريد «محاربة العالم كله لانه يرى في العالم الكفر والفساد».

وتحدث الامير تركي باستفاضة عن رحلتين سريتين قام بها لقندهار، كانت أولاهما في يونيو (حزيران) 1998 حين «بعثني خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الامير عبد الله لمقابلة الملا عمر لبحث تسليم المذكور (بن لادن) للسعودية بسبب ما قام به من اعمال و(ما أطلقه من) اقوال، خصوصا ان طالبان تعهدوا من قبل ألا يسمحوا له بالمساس بمصالح السعودية وقد خالف هذا التعهد. طلبت من الملا عمر تسليمنا المذكور فوافق وقال انهم مستعدون لذلك، وقالوا ان مصالحنا معكم وليست مع شخص. وطلب مني ان انقل لخادم الحرمين وولي العهد انه يريد تشكيل لجنة مشتركة (من ممثلين عن البلدين) لترتيب اجراءات تسليم المذكور».

وروى الامير تركي الفيصل تفاصيل زيارة مستشار الملا عمر، عبد الوكيل، الذي اصبح في ما بعد وزيرا للخارجية، ليبلغ ولي العهد موافقتهم على طلب السعودية، وأنهم ساعون لتشكيل اللجنة المشتركة من جانبهم. وبعد اسابيع قليلة وقعت حادثتا التفجير في السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام، الامر الذي أدى إلى مقتل مئات الاشخاص. كما تحدث الامير تركي الفيصل عن اعترافات حصل عليها جهاز الاستخبارات، وكان قد أدلى بها أحد اعوان بن لادن ممن نفذوا العملية بعدما أُلقي القبض عليه واستجوب في باكستان. وقال «ذكر (المنفذ) صراحة ان المذكور هو من امره بالقيام بالعمل، وان الخطط وضعت بتأثيره وارشاداته».

وفي سبتمبر سافر الامير تركي الفيصل الى قندهار بعدما تأخر طالبان في الرد. وعلّق على تلك الزيارة بقوله «ليتني ما ذهبت، فبعد ما وافق الملا عمر في اللقاء السابق وجدته منقلبا على نفسه وتفوه بكلمات نابية ضد السعودية وشعبها مما جعلني اقطع المقابلة. وأذكر انني قلت له وأنا خارج بأنه سيندم على قراره هذا وسيجعل الشعب الافغاني يدفع ثمن هذا القرار».

وأشار الامير تركي الفيصل الى انه شعر في اللقاء الثاني بوجود «توافق فكري بين الاثنين ـ أي بين ملا عمر وبن لادن ـ إذ كرر الملا عمر نفس ما كان يقوله المذكور في نشراته». واضاف انه لاحظ «ان قرارات الملا عمر تتم «اعتباطا» ولا يعود عنها مثل قرار منع التعليم على النساء والرجال ايضا في بداية حكم طالبان بدعوى عدم توفر اماكن للتدريس. وقالوا انهم سيغيرون رأيهم عندما توجد الامكانيات، فقامت الامم المتحدة وغيرها بتوفير اموال بناء مدارس ولكنهم استمروا برفض تعليم البنات». ولفت الامير تركي الفيصل الى تعنت الملا عمر في مساعي المصالحة مع المعارضة، موضحاً ان طالبان «كانوا دائما اول من ينسحب من المفاوضات».

* باكستان

* وفي إطار مناقشته خطر الاحداث على الباكستان، أعرب الامير تركي الفيصل عن تأييده للاجراءات التي اتخذتها حكومة الرئيس برويز مشرف، مؤكداً انها «اجراءات كافيه لضمان الامن والاستقرار في باكستان». وتحدث عن الشارع الباكستاني الذي تحركه في العادة احزاب شعبية «تمتطي الاسلام»، مبيناً ان الوضع الحالي تشوبه «عاطفة، وفي مثل هذه الحالات تسود العاطفة وقد تتجاوز حماستها الحدود المعقولة ولكن ما تلبث ان تستكين الامور». وأضاف ان هذه الاحزاب لا تمثل ـ من خلال خبرته في الباكستان ـ إلا نحو 10 في المائة من قوة الشارع.

وسألت الامير تركي عن سبب غضبه الشديد على اسامة بن لادن، الذي تجلى في المقالات التي كتبها في صحيفة «الشرق الأوسط»، فقال بحدة «ولماذا لا اغضب عليه، ان من لا يغضب عليه بعدما سمع ما قاله بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن، عديم الاحساس». وزاد ان اكثر ما اغضبه ان «يتباهى ويتبجح بقتل مزيد من الابرياء في أماكن عملهم ورزقهم ويتوعد بالمزيد».

وعن اصرار البعض على ضرورة تقديم أدلة تدين أسامة بن لادن، اعتبر «ان الدليل في ما نشره من فتاوى قال فيها بضرب الاميركيين من عسكريين ومدنيين، وقوله على تلفزيون أميركي ان كل دافع ضرائب اميركي مستهدف، وأشار ايضا الى اعترافات منفذي حادثة السفارتين، ووصف مرتكبي عمليات 11 سبتمبر بأنهم «عصابة اجرامية قاموا بعمل اجرامي محض، وليسوا كوكبة من ابناء الاسلام كما سماهم اسامة بن لادن». وأوضح ان من يطالب بدليل بعد ذلك «يطمس عينيه عن الحقائق ويبحث عن مبرر لافعال المذكور». وكشف الامير تركي الفيصل ان في حوزته معلومات تشير إلى ان لدى أسامة من يقدم له الفتاوى «عندما يقول انك لم تقم بهذا العمل فمعك حق لانك لم تقم به بنفسك (فأنت) لم تصدم العمارة بالطائرة ولم تضع السيارة المفخخة في الموقع، يعتقد (أسامة) ان عنده مخرج ولكن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه ويجازيه على أعماله».

* السعودية والأزمة

* ولدى سؤاله عن مدى تأثير الازمة الحالية على السعودية، أكد الامير تركي الفيصل «كل ما يؤدي الى ارباك اوضاع المسلمين والمساس بمصالحهم، يمس السعودية». وزاد «ان المملكة مرت بأزمات من قبل وسوف تأتينا ازمات في المستقبل وقد عالجنا الازمات بعنصرين; الاول الايمان بالله بأنه المخلص، والثاني تراص المواطنين حول القيادة». وأضاف «بما ان هناك ارهابا دوليا يمس كل فرد في العالم، وأن منظمة كالقاعدة تهدد العالم بأكمله، لا شك هذا يستدعي من المملكة التجاوب وتقديم كل ما لديها من امكانيات ومعلومات لمكافحة هذا السرطان الذي اذا لم نكافحه سنصبح تحت سيطرته».

ووصف استجابة الشعب السعودي لحملة جمع التبرعات لصالح الشعب الافغاني قبل اسابيع، بأنها دليل على ثقة المواطنين بأن مصالحهم لن تتأثر «فغير المطمئن لا يتبرع للآخرين»، موضحا ان الشعب السعودي تبرع بـ13 مليون ريال سعودي في 11 ساعة فقط.

ورد الامير تركي الفيصل بغضب على زعم محللين أميركيين بأن في السعودية اجواء تساعد على تفريخ الارهاب بقوله «هذه مقولة مردودة إليهم، فلينظروا ما عندهم من مؤسسات ارهابية، في أميركا توجد 200 منظمة ارهابية ليست ضد مصالح محلية بل بعضها ضد العالم كله، والبيئة السعودية اذا خرج منها أفراد قلائل سيئون فلينظر العالم الى آلاف آخرين خرجوا لخدمة العالم تطوعا».