اختفاء الطائرة التي ضربت البنتاغون 30 دقيقة عن أجهزة الرادار يكشف ثغرات خطيرة في نظام المراقبة الجوية في الولايات المتحدة

السلاح الجوي والجيش فاتتهما فرصة ثمينة لاتخاذ تدابير قبل دخول الرحلة 77 أجواء واشنطن

TT

أفادت مصادر رسمية وغير رسمية بأن الطائرة التي هاجمت مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت قد اختفت من شاشات المراقبة الجوية لفترة زمنية لا تقل عن 30 دقيقة، لعدة اسباب منها انها تعرضت للاختطاف في اجواء لا تشملها رقابة جوية شديدة. واضافت المصادر ان تلك الفترة الزمنية فوتت على مسؤولي السلاح الجوي والجيش وقتا ثمينا كان بالامكان الاستفادة منه واتخاذ التدابير اللازمة.

ورغم ان المحققين ما يزالون يجمعون الحقائق المتعلقة باختطاف رحلة الخطوط الجوية «أميركان آيرلاينز» رقم 77، إلا ان الأجواء التي تغطيها مراقبة جوية محدودة فوق منطقة انديانابوليس التي سلكتها الطائرة في رحلتها قد تساهم في الكشف عن أحد جوانب الغموض المتعلق بما حدث ، وخاصة الاجابة عن السؤال التالي: لماذا اختفت الطائرة من شاشات المراقبة لفترة زمنية تزيد عن نصف الساعة، ثم عادت إلى الوراء فوق اجواء جنوب أوهايو واتجهت نحو اجواء واشنطن العاصمة قبل ان يلاحظها أحد أو يدرك بأنها تعرضت للاختطاف؟

هذا السؤال مثير كما يبدو لأن مسؤولي المراقبة الجوية في نيويورك وبوسطن وكليفلاند اشتبهوا او ادركوا بشكل عاجل ان هناك ثلاث طائرات تعرضت للاختطاف، وقد تعقبوا اثنتين منها اعتمادا على نظام مراقبة احتياطي وارتطمت الأولى بمركز التجارة العالمي وتحطمت الأخرى في ولاية بنسلفانيا. وقد سعوا بلا جدوى للعثور على الثالثة التي ارتطمت هي الأخرى بمركز التجارة العالمي. أما في حالة الرحلة 77، فلم يتضح بعد ما إذا كان أي وقت اضافي سيغير في الأمر شيئا. فقد اقلعت الطائرات الحربية بعدما تنبه مسؤولو المراقبة لاختطاف الطائرة، لكن الطائرات المقاتلة لم تصل لأجواء العاصمة في الوقت المناسب. كان يمكن لفترة ثلاثين دقيقة اضافية ان تسمح للمقاتلات الجوية بالوصول الى اجواء واشنطن قبل الرحلة 77، لكن لم تتضح بعد نوعية الاجراء التي كانت مستعدة لاتخاذها. فالطائرة التي كانت متجهة من مطار دالاس الدولي إلى لوس إنجليس، تعرضت للاختطاف ما بين الساعة 8.50 و8.56 من صباح ذلك اليوم بعدما اجرى برج المراقبة آخر اتصال اعتيادي مع الطيار وبعدما قام الخاطفون باغلاق جهاز الاتصال الجوي الذي يبعث بالمعلومات الخاصة بهوية الطائرة وارتفاعها وسرعتها لشاشات المراقبة الأرضية . وقد ارتطمت الطائرة بمبنى البنتاغون عند الساعة 9.41 أي بعد حوالي 12 دقيقة من إطلاق المراقبين الجويين في مطار دالاس لانذار بأن هناك طائرة مجهولة تتجه نحو العاصمة بسرعة عالية. وقد اكد مسؤولون مختصون ان الاجابات عن الأسئلة المتعلقة بالغموض المحيط باختفاء الطائرة تبدأ بحقيقة ان عملية الاختطاف تمت فوق اجواء خاضعة لنوع واحد من اجهزة المراقبة الجوية. ورغم ان هذا الجهاز «ثانوي»، إلا انه من النوع المستخدم بشكل خاص اليوم لمراقبة حركة الطيران، فهو يلتقط المعلومات، المتعلقة بهوية الطائرة واتجاهها وسرعتها وارتفاعها، التي يبثها جهاز الاتصال داخل الطائرة ثم يعرضها على شاشات المراقبة. اما الجهاز الذي يطلق عليه «أساسي» فيعد نظاما قديما يلتقط المعلومات من أية رحلة وينقلها للمراقبين الجويين الذين يتعاملون مع الطائرة. ولا يستخدم الجهاز بعدما يتجاوز ارتفاع الطائرة 18 ألف قدم لأنه يشوش شاشات المراقبة، وأية طائرة تتجاوز هذا الارتفاع ينبغي أن تكون فيها أجهزة اتصال تعمل بكفاءة. واذا ما اختفت أية طائرة من شاشات المراقبة، يستطيع معظم المراقبين الجويين تشغيل جهاز المراقبة «الأساسي» عاجلا ، بحيث ينقل لهم اشارات تحدد لهم موقع الطائرة، حتى لو لم يكن جهاز الاتصال الموجود داخل الطائرة يعمل.

لكن مصادر مطلعة قالت ان وحدة المراقبة الجوية بالقرب من مدينة باركربورغ بولاية ويست فرجينيا، تضم فقط نظام مراقبة ثانويا يدعى جهاز «بيكون ـ أونلي» (أي التقاط ما يبث فقط) وهذا ما جعل المراقبين الجويين الذين كانوا يتتبعون الرحلة 77 من مركز مراقبة إنديانابوليس لا يلاحظون قيام خاطفي الطائرة باغلاق جهاز الاتصال بداخلها. يذكر ان المجال الجوي، الخاضع للمراقبة من قبل مراكز هيئة الطيران الفيدرالي الـ20 المنتشرة في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، مقسم ايضا إلى عدد من القطاعات، حيث يتعامل مراقبون جويون لا علاقة لهم ببعضهم بعضا. وكانت الرحلة 77 تطير في اجواء قطاع تابع للجزء الشرقي من المجال الجوي لولاية إنديانابوليس عندما تعرضت للاختطاف. وهناك عدد من المواقع المنتشرة في أنحاء الولايات المتحدة تعمل فقط بنظام أجهزة المراقبة الثانوية. وحتى 11 سبتمبر، كانت هيئة المراقبة الجوية تخطط للبدء بإغلاق بعض أجهزة المراقبة الأساسية القديمة متى تعطلت أو حان وقت صيانتها بمبالغ طائلة. فقد اعتبرت أجهزة المراقبة الثانوية الأكثر حداثة قادرة على ملاحة جوية ذات ارتفاعات عالية مع اتجاه هيئة المراقبة الجوية للاعتماد على انظمة تعتمد على الأقمار الاصطناعية خلال العقود المقبلة.

ويعترف مسؤولون بأن هناك عددا آخر من العوامل ساهمت في الافتقار الى لمعلومات المتعلقة بالرحلة77 التي ادى ارتطامها بالبنتاغون الى مقتل 189 شخصا. فبخلاف ما لا يقل عن اثنتين من الطائرات المختطفة الأخرى، التي تمكن طياروها كما يبدو من الإحتفاظ بأجهزة الاتصال الصوتي التي تعمل بحيث يتسنى للمراقبين الجويين الاستماع للخاطفين، فإن صمتا مطبقا احاط بالرحلة 77. فبالنسبة للطائرتين اللتين ارتطمتا بمركز التجارة العالمي، فان مركز المراقبة في بوسطن راقبهما قبل ان يحيلهما الى مركز المراقبة في نيويورك. وما ان تبين ان الطائرتين بدأتا في الاختفاء من شاشات المراقبة، حتى قام المراقبون الجويون في قطاعي «خط سير» بوسطن ونيويورك بتشغيل اجهزتهم الأساسية مما جعل المنطقة الشمالية الشرقية خاضعة للمراقبة الجوية بواسطة نظامي المراقبة (الأساسي والثانوي). اما بالنسبة للرحلة 77 فان تحديد موقعها تأخر بدقائق وكانت قد اختفت بعد تسع دقائق فقط من ابلاغ هيئة الطيران الفيدرالية بأن طائرة ما ارتطمت بمبنى التجارة العالمي، وقبل 12 دقيقة من هجوم الطائرة الثانية، وهي فترة زمنية احدثت اضطرابا عاما.

لم يتلق مسؤولو المراقبة الجوية تنبيها بأن يدققوا في اختفاء الطائرات من شاشات المراقبة او تحولها عن مسارها بشكل غير مصرح به ، إلا بعد مضي 22 دقيقة من اختفاء الرحلة 77، أي عندما كانت قد قطعت على الأقل نصف طريقها عائدة إلى واشنطن . وقال مسؤولون في هيئة الطيران الفيدرالية ان المحققين عندما قاموا باعادة رسم خط سير الرحلة 77، خلصوا الى ان أجهزة مراقبة بعيدة رصدتها ، لكن أيا من هذه الاجهزة لم يكن تحت تصرف المراقبين الجويين في إنديانابوليس. وأضافت المصادر انه مع اتجاه الطائرة شرقا، لم يتسن للمراقبين الجويين المسؤولين عن قطاعات أخرى تشرف على مجال جوي شاهق الارتفاع في مركزي المراقبة في إنديانابوليس وليسبورغ (فرجينيا) المشرفين على واشنطن العاصمة، ملاحظتها . كما انهم وكالمعتاد لم يكونوا يستخدمون اجهزة المراقبة الأساسية، مع العلم ان المركزين يشرفان على مناطق شاسعة من وادي أوهايو والمناطق المشرفة على وسط الأطلسي.

ولما لم يلاحظ المراقبون الجويون أية إشارات في شاشاتهم، فإنهم لم يدركوا ان الرحلة 77 قد غيرت اتجاهها. وقالت المصادر انه عندما لم يتمكن المراقبون الجويون في إنديانابوليس من الاتصال بالطائرة عند الساعة 9.09 من صباح ذلك اليوم، قاموا بالإبلاغ عن حادث سقوط محتمل. واضاف مصدر ملاحي ان اللحظة الأولى التي ادرك فيها شخص ما ان طائرة كانت متجهة بسرعة قصوى نحو واشنطن العاصمة، كانت عندما بدأت الطائرة المختطفة في التحليق على ارتفاع منخفض ودخلت المجال الجوي الخاضع لمراقبة مركز مطار دالاس الدولي. كانت الساعة تشير إلى 9.25 صباحا عندما لاحظ مراقب جوي بمطار دالاس ان هناك طائرة مسرعة. وبعد لحظات اطلق المراقبون الجويون إنذارا بأن هناك طائرة تبدو متجهة مباشرة نحو البيت الأبيض قبل ان تغير مسارها صوب مبنى البنتاغون.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»