بوش يصف الجمرة الخبيثة بأنها «الموجة الثانية» للإرهاب وكاسترو تسلم 25 رسالة تحتوي على مسحوق ومواد غريبة

المباحث الأميركية: ألف دليل بينها أكثر من 100 عبر البحار وأكثر من ألفي جلسة تحقيق للعثور على الجناة

TT

وصف الرئيس الاميركي جورج بوش حالات الاصابة بالجمرة الخبيثة التي انتشرت في مناطق البلاد في الآونة الاخيرة بـ«الموجة الثانية للهجمات الارهابية» على الولايات المتحدة. واشاد بوش امس بالاميركيين لالتزامهم الهدوء وتعهد بابلاغهم بالمعلومات الموثوق بها. ومع تعرض ادارته لانتقادات بسبب التصريحات المتضاربة للمسؤولين، والبطء في حماية عمال البريد بعد اكتشاف رسائل ملوثة ببكتيريا الجمرة الخبيثة، كرس بوش كلمته الاذاعية الاسبوعية للتحدث عن الحقائق المتوفرة حتى الآن. وقال بوش «في الوقت الذي نعلم فيه بالمزيد عن هجمات الجمرة الخبيثة، ستتقاسم الحكومة المعلومات المؤكدة والموثوق بها معكم.. انا فخور بهدوء مواطنينا وردهم المتعقل على هذا الهجوم الارهابي المستمر». وقال بوش ان مسؤولي الامن لا يعلمون حتى الآن من ارسل البكتيريا «وما ان كانوا نفس الارهابيين الذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر (ايلول) ام انهم ارهابيون دوليون او محليون اخرون». واضاف «سنحل هذه الجرائم وسنعاقب المسؤولين». وقال بوش ان مثل هذا الهجوم البيولوجي لم يسبق له مثيل، واشاد بتصرف السلطات الصحية السريع لتوزيع المضادات الحيوية لمن تعرضوا على الارجح للبكتيريا، واجرائها لاختبارات سريعة للعاملين بمكاتب البريد والاماكن الاخرى التي ظهرت فيها آثار البكتيريا. واضاف «اننا نعمل لحماية الناس على اساس افضل المعلومات المتاحة لدينا». وكان روبرت مولر مدير مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف.بي.آي) قد قال اول من امس ان المحققين يتحركون بقوة لمعرفة من وراء حالات الاصابة بالجمرة الخبيثة خلال الشهر المنصرم. واضاف «اننا نتابع اكثر من الف دليل بينها اكثر من 100 عبر البحار.. اجرينا اكثر من الفي جلسة تحقيق حتى الآن». وتتركز التحقيقات على ترينتون في نيوجيرسي حيث ارسلت ثلاث رسائل ملوثة بالبكتيريا. ومضى مولر يقول «بالرغم من التكهنات حول مصدر الجمرة الخبيثة المحتمل والدافع وراء الهجمات، الا انه لم يتم استبعاد اي شيء بعد ونحن مستمرون في متابعة الادلة». وتأكدت حتى الآن 17 اصابة بالجمرة الخبيثة، وتوفي اربعة اشخاص منذ مطلع اكتوبر (تشرين الاول) بينهم عاملان بالبريد وصحفي في فلوريدا وعاملة بمستشفى في نيويورك. الا ان الانتقادات ازدادت ازاء تعامل الادارة الاميركية مع مخاوف الجمرة الخبيثة بعد اكتشاف البكتيريا القاتلة في رسالة وجهت للسناتور الديمقراطي داشل، فبينما اجريت اختبارات على مستشارين في الكونغرس وبعض المشرعين، الذين عولجوا لاحتمال تعرضهم للجمرة الخبيثة على الفور، انتظرت السلطات نحو اسبوع حتى تبدأ في اجراء اختبارات على موظفي البريد في مكتب البريد في برنتوود الذي يفرز البريد الخاص بمبنى الكابيتول الاميركي ومناطق اخرى في واشنطن. وقال خبراء انهم يعتقدون ان بكتيريا الجمرة الخبيثة لا يمكن ان تتسرب من الخطابات المغلقة، الا ان بوش صرح امس «علمنا امرا مختلفا الآن... من الممكن ان تنتقل البكتيريا من رسالة لاخرى، او من رسالة الى معدات فرز الخطابات». وفي الوقت الذي سعى يه اري فلايشر المتحدث باسم البيت الابيض لطمأنة الاميركيين بان البريد آمن، فان جون بوتر مدير عام هيئة البريد قال للمواطنين انه «لا توجد اي ضمانات»، وحث الاميركيين على غسل ايديهم بعد التعامل مع الرسائل. وكانت هيئة البريد و«اف.بي.آي» عرضا مكافأة بمليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على المسؤولين. وكان المحققون الاميركيون قد اعلنوا بانهم لم يعثروا على اي دليل بان البريد هو السبب في وفاة مهاجرة فيتنامية بمرض الجمرة الخبيثة في نيويورك هذا الاسبوع. وقالوا ان الاختبارات الاولية لم تظهر وجود البكتيريا على ملابس المهاجرة او في بيتها او في المستشفى التي كانت تعمل فيه. وكانت السيدة هي رابع ضحية لهذا المرض خلال الاسابيع الاخيرة. وافادت انباء باكتشاف بكتيريا مرض الجمرة الخبيثة في مراكز للبريد واربع مباني حكومية اخرى بواشنطن الجمعة.

* بريد دبلوماسي ملوث

* في اثينا قالت السلطات اليونانية ان موظفا في السفارة الاميركية، عثر على مغلف مريب يعتقد انه يحتوي على بكتيريا الجمرة الخبيثة، داخل الحقيبة الدبلوماسية التي وصلت الى السفارة من واشنطن. ورصد المغلف المجهول بعد تسرب مسحوق ابيض منه، وتم ابلاغ سلطات الامن اليونانية والاميركية بالامر. وقد ارسل المغلف الى قاعدة اميركية في المانيا لاجراء الفحوص عليه والتعرف على المادة، واغلق موقع السفارة الذي عثر فيه على المغلف، كما اخضع الموظف الى فحص طبي وهو يتناول حاليا مضادات حيوية. وقال خرستوس برتوباباس المتحدث باسم الحكومة اليونانية، وزير الاعلام، ان عدد الطرود الحاوية لمساحيق بيضاء يعتقد انها ملوثة بالجمرة الخبيثة، التي وردت الى اليونان وصل الى 25 طردا، منها الطرد الاخير المرسل الى السفارة الاميركية، وطرد وصل بالبريد العسكري الى القاعدة البحرية الاميركية في صودا بالقرب من جزيرة كريت، يجري تحليل مادته في المانيا ايضا. كما عثر على الجمرة الخبيثة داخل البريد الدبلوماسي للاتحاد الاوروبي، اذ نقلت وكالة انباء «لوزا البرتغالية» عن مصدر في الاتحاد الاوروبي، انه عثر على مسحوق ابيض مرفقا بمجلة مرسلة بالحقيبة الدبلوماسية، الى موظف ايطالي كبير في وفد الاتحاد الاوروبي في لواندا، يحتوي على الارجح على عصيات الجمرة الخبيثة. واضاف المصدر الذي كان يتحدث في العاصمة الانغولية ان فحصا اوليا اجري في بروكسل اظهر انه «من المرجح جدا» ان يكون المسحوق حاويا لعصيات الجمرة، الا انه اضاف ان نتائج التحاليل النهائية لن تعرف إلا مطلع الاسبوع المقبل. وكان الموظف الكبير الايطالي الجنسية في وفد الاتحاد الاوروبي الذي ارسلت اليه المجلة، هو الشخص الوحيد الذي لمس المسحوق عندما فتح بريده الخاص في التاسع والعشرين من اكتوبر الماضي. وفي برلين، استدعي مجلس الامن الوطني الى مقر المستشارية الالمانية بعد ان اظهرت نتائج اختبارات اولية وجود بكتيريا الجمرة الخبيثة في طرود بريدية. واثارت النتائج الاولية قلق المستثمرين، مما تسبب في هبوط مؤشر داكس الالماني 1.1 في المائة اول من امس، وانخفضت اسعار اسهم مؤشر وكالة البريد في المانيا ستة في المائة. الا ان مركزا لمكافحة الامراض في المانيا قال امس انه تأكد خلو الطرود التي كان من المعتقد انها تحتوي على بكتيريا الجمرة الخبيثة في ولايتين المانيتين من الجرثومة. واكد معهد روبرت كوخ ان الطرود التي وصلت الى ولاية تورينجيا الشرقية وولاية شليسفيج هولشتاين الشمالية والتي اثارت المخاوف من انتشار الحرب الجرثومية خارج الولايات المتحدة الى غرب اوروبا كانت خدعة. واضاف المعهد في بيان «لم نعثر على اي اثار للجمرة الخبيثة في الرسالة المشتبه فيها من تورينجيا والطردين من شليسفيج هولشتاين». وفي شليسفيج هولشتاين سلم رجل نفسه للشرطة قائلا انه وزع 30 طردا من هذه الطرود على سبيل الاحتفال بعيد ميلاده الثلاثين. وقال الادعاء في الولاية ان الرجل قد يواجه عقوبة السجن مدة تصل الى ثلاثة اعوام. وقال مسؤولون في الولايتين للمواطنين امس الجمعة انهم يشتبهون في احتواء هذه الطرود على بكتيريا الجمرة الخبيثة وانها نقلت الى برلين لاختبارها في مركز مكافحة الامراض.

* أمصال بريطانية وروسية

* من جهة اخرى، قال تومي طومسون وزير الصحة والخدمات الانسانية الاميركي ان مسؤولين اميركيين يسعون للحصول على جرعات من الامصال الخاصة بالوقاية من بكتيريا الجمرة الخبيثة من بريطانيا او روسيا للمساعدة على الحماية من الحرب الجرثومية. ومضى طومسون يقول ان شركة «بيوبورت» الاميركية الوحيدة لتصنيع هذه الامصال في انتظار تصريح من ادارة الاغذية والعقاقير لشحن امصالها. واضاف ان لدى الشركة، ومقرها في لانسينغ في ميشيغان، 5.4 مليون جرعة جاهزة للشحن اذا حصلت على التصريح. واجاب طومسون بالايجاب عن سؤال حول ما اذا كان يحاول الحصول على امدادات اضافية من بريطانيا او روسيا. واضاف ان المصنعين لم يجروا اختبارات لمعرفة ما اذا كانت الامصال الاجنبية الصنع، آمنة مثل الامصال الاميركية «وهذه واحدة من المشاكل» التي يواجهونها. ويقول عدد من العلماء ان المصل البريطاني له بعض الآثار الجانبية. اما المصل الروسي فانه مصنع من بكتيريا حية للجمرة الخبيثة وتعتبره الحكومة الاميركية غير آمن للاستخدام البشري، الا ان سكوت ليليبريدج احد كبار مستشاري طومسون في ميدان محاربة الارهاب الجرثومي، قال ان المسؤولين يشجعون المصنعين خارج البلاد على تقديم معلومات لادارة الاغذية والعقاقير عن الامصال بأسرع وقت ممكن، وان الترتيبات اعدت حتى يتمكن الافراد من تقديم مثل هذه المعلومات.

* مخاوف حول العالم

* في اسلام آباد بدا التضارب واضحا بين المسؤولين الباكستانيين امس بسبب انباء عن هجوم بالجمرة الخبيثة، بعد ان اكد الرئيس الباكستاني برويز مشرف ظهور حالتين، والعثور على آثار عصيات الجمرة الخبيثة في مبنيين في باكستان. ويبدو ان الرئيس لم يكن على علم بأن بيانا رسميا اشار بالفعل الى التشكك في صحة ذلك. وقال مشرف للصحافيين ردا على سؤال وجه له «قيل لي ان هناك تعرضا (للجمرة الخبيثة) الا انه لم تقع اصابة.. هناك حالتا تعرض مؤكدتان». وقلل مشرف من خطورة الوضع بالمقارنة مع الولايات المتحدة. واوضح ناطق باسم الحكومة الباكستانية ان المبنيين اللذين عثر فيهما على العصيات، هما مبنى صحيفة باكستانية ومكاتب شركة «ديل» الاميركية للمعلوماتية، لكن بيانا حكوميا ذكر ان الانباء السابقة عن وقوع هجوم بالجمرة الخبيثة، بما في ذلك خطابات تلقتها سفارتا بريطانيا والولايات المتحدة ثبت انها من قبيل الخدعة. وفي هافانا، اعلن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو انه تسلم 25 رسالة تحتوي على «مسحوق ومواد غريبة». واضاف ان مائة وست عشرة رسالة تحتوي على «مسحوق ومواد غريبة» اكتشفت في كوبا، لكن نتائج الاختبارات التي اجريت للكشف عن الجمرة الخبيثة في 92 رسالة منها، جاءت سلبية. واضاف الرئيس الكوبي في كلمة متلفزة ان «تحاليل تجري في الوقت الراهن على الرسائل الاربع والعشرين الباقية»، موضحا ان الاجهزة السرية اكتشفت الرسائل، التي ورد 72 منها من الخارج. وطلب كاسترو من الكوبيين الا يستسلموا للرعب لأن الاستسلام «سيكون انتصارا للارهاب» كما قال، ووجه نداء من اجل التعاون الدولي «لاجتثاث الارهاب والحروب والازمة الاقتصادية العالمية». وقال مسؤول طبي كبير في بومباي امس انه عثر على آثار لبكتيريا الجمرة الخبيثة في رسائل احتوت على مسحوق ابيض، وجهت الى مسؤولين كبار بولاية هندية، وان كانت الادلة حتى الآن غير حاسمة. وقال سوباش سالونكي مدير عام ادارة الصحة العامة في ولاية مهاراشترا ان «واحدة من اربع عينات ارسلت الى مركز التشخيص والابحاث الجزيئية اظهرت ادلة دامغة على وجود بكتيريا الجمرة الخبيثة فيها». وقد وجد احد المختبرات «الادلة الدامغة»، لكن مختبرا آخر لم يجد أي دليل، وارسلت العينات الى مختبرات اخرى لاجراء مزيد من الفحوص عليها. وكانت الرسائل التي تحتوي على مسحوق ابيض قد ارسلت الى مكاتب فيلاساراو ديشموك رئيس وزراء ولاية مهاراشترا في بومباي ونائبه شاجان بوجبال يوم 24 اكتوبر الماضي.