أكاديميون أميركيون يخشون أن تقوض تفجيرات سبتمبر مكانة جامعاتهم كمنابر لحرية الرأي والتعبير

TT

كانت الطائرات المختطفة قد اصطدمت منذ لحظات بمبنى مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عندما حاول الاستاذ في جامعة نيومكسيكو البروفيسور ريتشارد بيرتولد ان يمزح مع فصل الطلاب الجدد الذي يدرسه التاريخ، وهي محاولة قال عنها الأستاذ في ما بعد انها كانت مؤسفة. قال بيرتولد (55 عاما) للفصل: «ان من يدمر البنتاغون يستحق ان اصوت له في الانتخابات». وبعد ثلاث ساعات كان مركز التجارة العالمي قد تحول الى حطام، وكانت فرق الاطفاء تبذل كل ما في وسعها لمقاومة الحرائق في البنتاغون، ومع ذلك فان بيرتولد كرر مزحته المؤسفة.

وبدلا من ان تثير ملاحظات بيرتولد الضحكات فانها فجرت موجة من الغضب لم تهدأ حتى الآن رغم اعتذاراته المتكررة. وقد تقدم الاف من الطلاب القدامى والجدد، بعضهم على معرفة شخصية بأناس ماتوا في الهجمات، بالشكاوى للاداريين بالجامعة. وتوحد الطلاب حول مطلب ابعاد بيرتولد من الجامعة وتظاهروا من اجل تحقيق هذا المطلب. وطالب بفصله كذلك العديدون من المشرعين ورجال الأعمال. وتلقى بيرتولد تهديدات بالقتل جعلته يبتعد عن حرم الجامعة لمدة اسبوع كامل.

في هذه الاثناء كانت الجامعة قد كونت لجنة تحقيق غالبا ما توصي باجراءات تأديبية ضد الاستاذ. وقال بريان فوستر، مدير الجامعة: «هناك كثير من الاشياء لا يمكنك ان تقولها وتنجو من العقاب حتى في الحرم الجامعي».

ويعد بيرتولد واحدا من عدد متزايد من الاساتذة الجامعيين الذين يواجهون العقاب لتلفظهم بعبارات مثيرة للجدل او اتخاذهم مواقف ذات محتويات رمزية معينة في الاسابيع التي اعقبت الهجمات الارهابية. وقد تعرض للتوبيخ اشخاص يؤيدون سياسات الحكومة الأميركية وآخرون يعارضونها في جو الحساسية الشديدة الذي ساد بعد الهجمات. ويقول المسؤولون بالجامعات ان هذه التوبيخات العنيفة مبررة في سياق المزاج السائد في كل انحاء اميركا والمسؤولية الخاصة التي يتحملها الاساتذه في هذه الجامعات. ولكن حماة حرية التعبير يقولون ان الادانات الصادرة عن الجمهور نشرت سحابة من الخوف على حوارات عرفت بانها حامية وجريئة في الاوساط الجامعية.

وفي كلية هولي كروس بوريستر، بولاية ماساتشوسيتس، طلب رئيس أحد الاقسام من سكرتيرة ان تنزل علما كانت قد وضعته في مكتبها تذكارا لصديقة ماتت في احدى الطائرات المخطوفة، باعتبار ان ذلك ليس لائقا. وبعد اثارة المسألة من قبل احدى الصحف المحلية كان هناك رد فعل غاضب من الجمهور واستطاعت السكرتيرة ان تعلق علما اخر تذكارا لصديقتها.

وفي جامعة سيتي في نيويورك ادين اعضاء قسم اشتركوا في منبر للحوار في أكتوبر (تشرين الأول) ترددت فيه اقوال بأن سياسات الولايات المتحدة مسؤولة عن الهجمات الارهابية. وقال مديرالجامعة ان مثل هذه الاقوال ليست سوى «تبريرات واهية» لأعمال الارهابيين. كما ادين البروفيسور روبرت جينسن، استاذ الصحافة بجامعة تكساس، من قبل مدير الجامعة لاري فوكنر، بسبب مقال نشره يقول فيه ان هجمات 11 سبتمبر (أيلول) ليست ابشع من «أعمال الارهاب الجماعية» التي ترتكبها الولايات المتحدة في العراق وغيره من الدول. وقال فوكنر، انه بينما يعترف بحق جينسن في حرية التعبير، الا انه يعتقد ان هذا الأستاذ تحول الى «نافورة من البلاهة المكثفة حول قضايا السياسة العامة». لكن جينسن قال ان هذه الادانات لن تؤثر عليه «لكن المسألة هي كيف يتعامل الطلاب مع هذه الاهانات المعلنة؟».

وقالت روث فلوار، مديرة السياسة العامة لرابطة الأساتذه الجامعيين: «اذا كان القلق الذي سببته الهجمات الارهابية يعني انه لن يكون هناك حوار حر في الحرم الجامعي، فان هذه مسألة ليست صحية مطلقا. هناك بعض الاشياء التي ظهرت الآن تعيد الى الاذهان تجربة المكارثية. وهناك مع ذلك بعض الاختلاف، فالحكومة هنا لا تقول للناس ما ينبغي عليهم ان يفعلوا او يتركوا. بل يتعلق الامر هنا بمزاج شعبي يريد ان يفرض قواعد السلوك العام».

ان هجمات 11 سبتمبر الارهابية عبأت الرأي العام الأميركي كما لم تفعل ايه احداث اخرى في التاريخ المعاصر. فاستطلاعات الرأي تكشف تأييدا غير عادي للغارات على افغانستان، ويقول دعاة حرية التعبيير ان المزاج الشعبي يخنق أي مظهر من مظاهر الرؤية المخالفة. وقد تعرض الكثيرون من كتاب الرأي الذين وجهوا انتقادات لاسلوب الرئيس جورج بوش في القيادة او للسياسة الخارجية الاميركية الى انتقادات قاسية او حتى فقدوا وظائفهم. وقد رفض بعض المعلنين وبعض محطات التلفزيون اذاعة برنامج لمحطة «ايه. بي. سي» عن «عدم اللياقة السياسية» بعد ان وصف المعلق بيل ماهر بعض العمليات العسكرية الأميركية السابقة بأنها كانت «أفعالا جبانة».

ويبدي أساتذة الجامعات قلقهم من ان المزاج العام السائد حاليا يمكن ان يقضي على المكانة التاريخية للجامعات كمنابر للحوار والاختلاف كما كانت اثناء حرب فيتنام. ويقول الكثيرون من أنصار حرية التعبير ان الجامعات اصبحت اكثر ضيقا بالرأي الآخر مما كانت عليه في السابق. ويقول هاري سيلفرجيت، مؤلف كتاب «جامعة الظل» الذي يعالج قضايا التدخل في حرية الجامعات: «من الواضح ان الوضع الحالي أثار الناس إثارة شديدة. ولكن المدهش ان المكان الذي تسود فيه اقسى صيغ الرقابة هو الجامعات، أي الاماكن التي تتوقع لها ان تكون الاقل ميلا للرقابة».

ولتشجيع التعددية وسط الجامعات والكليات، اجاز ثلثا الجامعات والكليات في أميركا ضوايط تحكم حرية التعبير، وتتعلق عموما بتحريم استخدام اللغة التي تجرح الناس وتسيء اليهم على اسس عرقية او اثنية او على اساس الجنس. ولكن هذه اللوائح اتضح ان من الصعب تطبيقها، لمخالفتها للتعديل الاول للدستور. ومع ذلك فان كثيرين من الاداريين والطلاب يقولون ان بعض القيود على التعبير ضرورية لضمان بقاء الجامعات مواقع تتسع للجميع وتشجعهم. ويقولون ان مسؤولية الاداريين هي تشجيع الحوار في نفس الوقت الذي يقومون فيه بمسؤولياتهم تجاه رعاية حقوق الجميع.

* (خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)