تصاعد الضغوط الداخلية على إدارة بوش لشن حرب برية على طالبان .. رغم مخاطرها

تمثل الفرقة 101 المحمولة جوا، والتي يمكن ان تكون من طلائع القوات التي ستنشر هناك، صورة مصغرة للصعوبات التي يواجهها مخططو النتاغون

TT

بعد شهر واحد من الحرب في افغانستان، توصل الخبراء العسكريون الي النتيجة نفسها وهي ان القصف الجوي وفرق الكوماندوز لن تكفي وحدها لاستئصال طالبان، ومنظمة القاعدة التابعة لاسامة بن لادن. ويقولون ان القوات البرية الاميركية ستكون ضرورية لاكمال المهمة.

ومع اتفاق الخبراء العسكريين على هذه النتيجة الا انهم يختلفون حول عدد القوات الضرورية من جنود الجيش والبحرية التي ينبغى ارسالها الى افغانستان. وتقول اكثر التقديرات اعتدالا انه يلزم نشر 100 الف جندي بحلول الربيع او الصيف تقوم باحتلال المدن الرئيسية وتنشئ القواعد وتبدأ في مطاردة العدو.

ومن المعروف ان البنتاغون، الذي اعتمد حتى الان على الغارات الجوية وبضع مئات من فرق الكوماندوز، لم يستبعد نشر القوات البرية. وقال الجنرال تومي فرانكس، قائد القيادة الاميركية الوسطى الذي يقود الحرب الافغانية: «نحن لن نتخلى عن احتمال استخدام قوات برية، ونريد ان نحتفظ بكل خياراتنا مفتوحة». واكد ان الحرب تسير وفق الخطة الموضوعة. وطالب الجمهور والصحافة بالتحلي ببعض الصبر.

ويعترف بعض كبار الاستراتيجيين الاميركيين بانهم لا يتحمسون كثيرا لارسال اعداد ضخمة من القوات البرية، ويرجع هذا جزئيا على الاقل الى ان ارسال اعداد كبيرة من الجنود والمؤن الى بلاد جبلية، لا منفذ لها على البحر، سيكون معضلة لوجستية مرعبة. ويقدر هؤلاء ان نشر 100 الف جندي ربما يستغرق ستة اشهر على الاقل. ولكن القادة العسكريين يقولون ان الغارات الجوية المكثفة، وهجمات الكوماندوز، والضغوط المتواصلة من تحالف الشمال، ستكون كافية لاسقاط طالبان وتدمير منظمة القاعدة.

ولكن هذه الاستراتيجية وضعت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش في موقف حرج في الخارج، وفجرت الحملة الجوية الاحتجاجات والدعوات لوقف اطلاق النار، خاصة في البلدان المسلمة. وفي الداخل ارتفعت اصوات المعارضين، من محللين عسكريين وخبراء السياسة الخارجية، وبعض اعضاء الكونغرس وخاصة من المحافظين، قائلة ان خطط الادارة ليست مجدية ولا تؤدي الى النتائج المرجوة. واتضح ان حركة طالبان اقوى مما كان متصورا. اذ لم تتخل عنها حتى الان سوى اعداد قليلة، اما الباقون من جنودها فهم يختبئون في المساجد والمنازل والمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق المدنية. وهذه الاماكن يتردد العسكريون الاميركيون الف مرة قبل ان يقدموا على قصفها.

من الزاوية الاخرى يقول مقاتلو تحالف الشمال انهم يزحفون نحو مدينة مزار الشريف التي تعد مركزا قويا من مراكز طالبان في شمال البلاد. ولم يتمكن تحالف الشمال حتى الان من احتلال اية مدينة استراتيجية رغم الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة لعدة اسابيع من خلال غاراتها الجوية وهجمات فرق الكوماندوز التابعة له، مع العلم بان قوات الرينجرز والدلتا لم تقم حتى الان باكثر من غارتين. ولا يوجد ما يدل على ان البنتاغون قد شرع في الخطة «ب» المتمثلة في الغزو البري الكبير.

ويقول ايفو دالدر، الذي عمل في مجلس الامن القومي الاميركي ايام الرئيس السابق بيل كلينتون، وهو يعرب عن بعض التبرم: «اذا كانت التوقعات هي شن حرب طويلة المدى فانهم لم يعدوا لها عدتها.. ان درس فيتنام هو الاتي: اذا لم تكن تعرف بالضبط ما انت مقدم على فعله، فلا تفعله.. ولا يبدو عليهم انهم وعوا هذا الدرس».

ويقول منتقدو البنتاغون ومعارضو خططه انه لم يتعلم الدرس من نزاع اقرب من فيتنام وهو حرب الخليج التي حشدت فيها قوات برية هائلة لطرد العراق من الكويت عام 1991. ويقول الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية روبرت جونستون، الذي قاد القوات الاميركية في الصومال عام 1993، وكان رئيس هيئة اركان الجنرال شوارتزكوف اثناء حرب الخليج: «لتحقيق اية درجة من النجاح في افغانستان فانك تحتاج الى القوات البرية التي تتمكن من احتلال الارض».

ويكرر السناتور جون ماكين نفس الكلام قائلا: «ان النصر لن يتحقق الا باستخدام قوات ضخمة جدا تقوم بجهود جبارة على الارض». ومن الجانب الاخر يتهم المحافظون الادارة بانها تشن حربا مترددة وضعيفة. وبالطبع فان ارسال القوات البرية يعني حدوث اصابات ووفيات. ولكن استطلاعات الرأي توضح ان الاميركيين يتقبلون حدوث اصابات كبيرة من اجل معاقبة اولئك الذين ارتكبوا هجمات 11سبتمبر ( ايلول ).

وقال فرانكس «هذه حرب وفي الحرب يسقط الضحايا». ويقدر المحللون ان الحرب تحتاج الى اعداد تتراوح بين 8 الاف و300 الف. وتتراوح المهام المطروحة من اقامة قاعدة او قاعدتين داخل افغانستان، الى احتلال مدن كبيرة الى أو اقاليم بكاملها. ويقول جونستون: «من الواضح اننا سنحتل بعض القواعد ونقيم قواعد جديدة.. ولكن هذه مهام صعبة للغاية».

واول ما يتبادر الى الاذهان ان افغانستان بانغلاقها الجغرافي وطبيعتها الجبلية تجعل من الصعب ارسال جنود واسلحة امدادات. ومع ان باكستان، من الناحية المنطقية القاعدة التي يمكن ان تنطلق منها هذه الحملة، الا ان الحكومة الباكستانية، التي تثير قلقها احتمالات الاضطربات التي يمكن ان تثيرها الجماعات الاصولية المتطرفة، يمكن ان ترفض أي حشود عسكرية ضخمة على اراضيها. ووافقت تاجيكستان، جارة افغانستان الى الشمال، على استخدام اميركا لثلاث قواعد ضخمة كان قد شيدها الاتحاد السوفياتي السابق. ولكن هذه القواعد في حالة سيئة من الجاهزية حاليا. كما ان نقل الجنود جوا سيستغرق وقتا طويلا، حتى اذا كانت الظروف التى يتم فيها هذا النقل مثالية.

واذا تقرر البدء في الغزو البري في الربيع القادم فان ادارة بوش مطالبة بالموافقة على ذلك منذ الان حتى يتم حشد القوات في الوقت المناسب. ويرجع كل ذلك الى ان الاحوال في افغانستان لا يمكن ان تكون اسوأ مما هي عليه في الواقع. وحتى في الخليج الذي يتميز بالجو الملائم والطرق الجيدة والموانئ البحرية الحديثة والقواعد الجوية الممتازة، فان حشد 500 الف من القوات استغرق ستة اشهر.

اما افغانستان فانها تفتقر الى القواعد الجوية. واقرب الموانئ اليها يقع على بعد 700 ميل في باكستان. وما دامت السفن هي التي ستنقل اغلب الامدادات والعتاد، فان موافقة باكستان تعتبر حاسمة. ومع ان القواعد التي سمحت تاجيكستان باستخدامها قريبة من الحدود الافغانية، الا انها ربما لا تكون مناسبة لانطلاق الهجمات البرية. فهذه القواعد اقيمت على رؤوس الجبال، أي انها تبعد مئات الاميال عن مناطق طالبان القوية بجنوب البلاد. وينبغي على القوات الاميركية ان تستخدم طرقا خطرة وممرات مرتفعة حتى تصل الى ميادين المعارك شمال كابل. وكثير من هذه الطرق ستكون مغلقة في الشتاء، وغير صالحة للاستعمال، بل ستكون عرضة لنصب الكمائن عندما يتحسن الجو. وهذا كله يشير الى ان باكستان التي تقرب من مركز قوة طالبان في قندهار، وتتمتع بطرق وقواعد جوية جيدة، ومنفذ الى البحر، ستكون هي الانسب لشن الهجوم الارضي الكبير.

ولكن مشاعر العداء لاميركا تسبب مشاكل اخرى بالنسبة للبنتاغون، الذي حصل على صورة اولية للصعوبات التي يمكن ان يلاقيها هناك في حالة نشره للقوات البرية. فطائرات البحرية التي حاولت انقاذ احدى مروحيات بلاك هوك التي سقطت، تعرضت هي الاخرى لاطلاق نار مجهول المصدر اثناء وقوفها للتزود بالوقود في باكستان. ويقول البنتاغون ان الجنود لم يصابوا باذى ولكن المهمة نفسها الغيت. وقد تمكن مشاة البحرية مؤخرا من انقاذ الطائرة المروحية.

وتمثل الفرقة 101 المحمولة جوا، والتي يمكن ان تكون من طلائع القوات التي ستنشر هناك، صورة مصغرة للصعوبات التي يواجهها مخططو البنتاغون. فهذه الفرقة بها حوالي 20 الف جندي، و280 طائرة مروحية، و60 قطعة مدفعية ثقيلة، واكثر من 500 من الشاحنات والاليات. وستحتاج الى الاف الاطنان من الاغذية والوقود والذخائر والمياه والامدادات الطبية، والخيام والأسرة وملابس الشتاء، وغير ذلك من احتياجات الحروب. وسينقل معظم الجنود بطائرات مدنية مستأجرة لا تسع الواحدة منها اكثر من 225 راكبا.

هذا يعني القيام بحوالي 89 سفرية على اقل تقدير. ولكن اغلب الاسلحة ستنقل بطائرات النقل العسكرية. ولا يملك سلاح الطيران اكثر من 250 طائرة للطيران بعيد المدى، في الاسطول التابع له. ولا تستطيع الواحدة منها ان تنقل اكثر من مروحية واحدة او قطعتين من المعدات الثقيلة في الرحلة الواحدة، وبالتالي فان نقل معدات الفرقة 101 عن طريق الجو سيحتاج الى مئات الرحلات التي تستغرق عدة اشهر.. هذا بالنسبة لفرقة واحدة فقط.

التحدي الكبير الاخر هو امداد الجنود بالاغذية بعد وصولهم الى افغانستان... اثناء حرب الخليج، قام خبراء الامدادات بنقل 5 اطنان من المعدات والامدادات لكل جندي هناك. 80% منها جاءت عن طريق البحر. وقد استؤجرت حوالي 4 الاف شاحنة خاصة، بسائقيها لنقل المعدات من الموانئ السعودية الشرقية الى القواعد الصحراوية.

حاليا لا يبدو ان هناك انتشارا حقيقيا للقوات البرية، ويقول خبراء البنتاغون انهم سيمدون قوات التحالف الشمالي بالمؤن والاغذية وملابس الشتاء. ويقول الجنرال مايرز، رئيس هيئة الاركان المشتركة، ان القوات ستظل تحارب اثناء الشتاء. ولكن اغلب المحللين لا يتوقعون تقدما ذا بال اثناء الشتاء، ويقولون ان الهجوم الكبير يجب ان يؤجل حتى الربيع. وفى هذا الاطار فان الكثيرين يؤكدون ان الغزو التقليدي سيحتاج الى حوالى 300 الف جندي، ولكن الجنرال ويسلي كلارك، القائد السابق بحلف الناتو، والذي قاد قواته في كوسوفو يقول: «يجب الا تتعدى القوات الاميركية 40 الفا، على رأسها فرقة مزودة بالاسلحة الثقيلة، ومعززة بوحدة مشاة خفيفة مثل الفرقة العاشرة الجبليه. ان جيشا بهذا الحجم يمكنه ان يسقط طالبان، بمساعدة القوات البريطانية والتركية وغيرها». ويقول ماكوبين اوينز، الضابط السابق بمشاة البحرية والذي يدرّس الان بكلية الحرب التابعة للاسطول، ان فرقتين من الجنود يبلغ عددهما 40 الفا يجب ارسالها لدعم التحالف الشمالي، على الا يحاربوا داخل المدن الافغانية. ويقول ان الفرقة العاشرة الجبلية والفرقة 25 للمشاة يجب تكليفهما بهذه المهمة.

* خدمة «يو اس ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأظوسط».