أفغان أميركا: جالية كبيرة تؤيد إزاحة طالبان وتتذكر كيف صمت واشنطن آذانها أمام التحذيرات

TT

قبل سنوات لاحظوا تغييرات في اشياء صغيرة في محادثات هاتفية، عندما ارتعش صوت اخت وهي تشرح لماذا هي بالمنزل في ساعات العمل. وفي صور فوتوغرافية، عندما اصبح ابناء العم ملتحين بعد ان كانوا حليقي الذقون.. وبدأت مشاعر القلق تتزايد. قصص غريبة يسمعونها في المسجد المحلي او السوبر ماركت الافغاني.. قصص بخصوص اطفال في الوطن لا يحصلون على طعام تعهدت بهم طالبان، نساء يعدمن في اماكن عامة، اشخاص يسيرون على اقدامهم مئات الاميال للهرب الى باكستان.

وقبل اي شخص اخر، شاهدوا الاضطرابات وهي تتبلور في بلادهم الاصلية. وبالرغم من ان الجالية الافغانية، وهي واحدة من اكبر الجاليات الاجنبية في اميركا، لم تكن لتتصور ما حدث في 11 سبتمبر (ايلول)، فإن بعض افرادها حاولوا تحذير الاميركيين من الرعب في بلادهم.

وكان الافغان قد وصلوا الى اميركا على دفعات.. بعد الغزو السوفياتي في عام 1979، وخلال الحرب الاهلية التي اعقبتها، وبعد الحملات التي شنتها طالبان على بقية البلاد. وهم مميزون، ومتعلمون تعليما جيدا. ومن كابل: كانوا الاشخاص الوحيدين الذين امكنهم الفرار من البلاد، واحضروا معهم حضارة حية امتزجت بسهولة في المجتمع الاميركي متعدد العرقيات.. سجاجيد يدوية الصنع، ومطاعم تقدم سلاطة الخيار واللبن والكباب المتبل. وبعدما استقروا، كانوا يشعرون دائما بالاحباط من عدم الاهتمام بمأساة بلادهم.. وحاولوا بطريقتهم تغيير ذلك.

وبدأ يوسف مير من منزله المكون من ثماني حجرات، في الكتابة الى اعضاء البرلمان، وجمع محمد صديقي التاجر ومصور حفلات الافراح على شرائط فيديو لقطات حية وصنع افلاما عن انتهاكات حقوق الانسان في افغانستان.

وتحدثت مصممة الازياء سميرة اتاش مع الشباب بالاميركي عن بلدها، وهو مكان لا يمكن للكثير منهم معرفة مكانه على الخريطة. واجرت نظيرة كريمي وهي صحافية افغانية كانت مشهورة في بلادها، اتصالات مع رؤساء التحرير في مجلات الازياء ومجلات المراهقين للكتابة عن الانتهاكات ضد النساء في ظل حكم طالبان.

وتقول نظيرة: «بالرغم من كل ذلك فقد كانت اميركا شبه عمياء». ارادت ان تقول للجميع هنا، ويوميا: «توقفوا عما تفعلوه.. انظروا الى ما يحدث.. رجاء، استعطفكم، الا ان الامر لم يحظ بكثير من الاهتمام». ويوضح صديق «كنت اقول للناس: ان بلادي موجودة فقط في خيالي. كان الامر وكأن لا أحد يسمع بما يجري». وفجأة جاء 11 سبتمبر، وشاهدوا ما حدث، ثم علموا ان الذين يتحملون مسؤولية هذا العمل يعيشون في افغانستان. ومثلما لم يتمكنوا من القيام بشيء من قبل، لم يتمكنوا من القيام بشيء الان، والحرب تنتشر عبر بلادهم مرة اخرى. لقد تركت الولايات المتحدة افغانستان بعد الانسحاب السوفياتي منها عام 1989.. كيف سينتهي الامر هذه المرة؟

ويقول مير: «لقد كنت مقتنعا بأميركا، ولكنهم غادروا، وآمل واصلي لله، ان يبقوا هذه المرة.. اتمنى ان يكونوا قد عرفوا خطأهم».

وهناك اماكن في شمال ولاية فرجينيا،اسواق حية ومساجد ومحلات لبيع السجاد، تذكر الافغان بكابل قبل ان تقضي الحرب على الحياة العادية فيها.

ومن الصعب تحديد عدد الافغان هنا.. فالقيادات المحلية تقدم تقديرات تتراوح بين 30 الفاً و80 الفاً. غير ان الاحصاء الرسمي يشير الى عدد اقل يصل الى حوالي 3 الاف فقط. الا ان السؤال المتعلق بالاصل العرقي اختياري، وهو الامر الذي يقلل العدد الحقيقي.

والعديد منهم من المهنيين: محامون ومهندسون واطباء، اما هؤلاء الذين لم يتمكنوا من الاستفادة من مهاراتهم في المجتمع الاميركي فقد فتحوا محلات ومطاعم، وقادوا سيارات الاجرة او عملوا بالترجمة. ولان معظمهم وصلوا للولايات المتحدة ومعهم مدخرات اسرية، فإن العديد منهم يمتلكون منازل فاخرة واحدث السيارات ويرسلون اولادهم الى مدارس ذات كلفة عالية.

وقد جمع المهاجرون في ضواحي انانديل تبرعات لبناء مسجد. ويقول مخدون ضياء امام مسجد انانديل: «هناك تنوع حقيقي بالنسبة للافغان في اميركا، مثلما كان هناك قبل الحرب فالمهاجرون الافغان اميركيون ولكنهم يحافظون على جذورهم الافغانية».

ويدرس الاولاد اللغة الفارسية في عطلات نهاية الاسبوع، ويدعم السكان ناديا للشعر ورابطة ضخمة لكرة القدم، وثلاث صحف، وبرنامج تلفزيون كابلي ومحطة اذاعة.

كما ان النشاط السياسي للجالية معقد مثلما كان الامر في افغانستان.. فالبعض يؤيد منح طالبان دورا صغيرا في اية حكومة جديدة، والبعض الاخر يريد ابعادها تماما.

الا ان معظم الافغان، في انانديل يؤيدون عودة الملك المنفي ظاهر شاه البالغ من العمر 86 سنة. وبالرغم من ذلك فإن مثل هذه الامال تتخللها مخاوف بالنسبة للاقارب في الوطن، ودموع بخصوص القصف الاميركي، والرعب من الهجمات الارهابية وحملات بكتيريا الجمرة الخبيثة التي اصبحت جزءا من حياتهم اليومية هنا.

وقد اصدرت صحيفة «اوماد ويكلي»، اشهر الصحف الافغانية في الولايات المتحدة، عددا خاصا بعد عملية 11 سبتمبر. وقالت الصحيفة في صفحتها الاولى: «ندين الهجمات الارهابية». وحثت الصحيفة الولايات المتحدة على التخلص من طالبان بدون الاضرار بالشعب الافغاني.

والمشكلة الاخرى التي بدأت تتبلور هي «كلما زاد عدد الضحايا الابرياء بسبب القصف الاميركي زادت فرص طالبان في الحصول على دعم كرد فعل عكسي». ويقول جمعة محمدي، وهو مهندس متقاعد كان يشغل منصبا كبيرا في البنك الدولي: «نحن ممزقون.. نريد دعم العمل العسكري، ولكننا نفكر في كل الاشخاص العاديين الذين يمكن ان يقتلوا او يصابوا، انهم شعبنا».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»