وزارة العدل الأميركية تعيد تنظيم أجهزتها الأمنية في مواجهة متطلبات «حالة الحرب» ضد الإرهاب

TT

اعلن وزير العدل الاميركي جون آشكروفت اول من امس خطة شاملة لاعادة ترتيب وتنظيم شؤون وزارته والاجهزة الامنية والقانونية والاستخباراتية التابعة لها لتتمكن من تلبية المتطلبات والاستجابة لما تقتضيه «حالة الحرب» الراهنة التي اوجدها التهديد الارهابي في الداخل بعد موجة الهجمات الارهابية الاولى التي ضربت نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي، وموجة الارهاب الثانية بعدها وهي التي تمثلت في نشر جرثومة «الجمرة الخبيثة» عبر الرسائل البريدية.

وبموجب الخطة التي كشف عنها اشكروفت في كلمة له امام حوالي 300 من مدريري الاجهزة والاقسام في وزارته، يكرس معظم طاقات واجهزة وزارته لمحاربة الارهاب والارهابيين المشبته فيهم والمحتملين داخل الولايات المتحدة، سواء كانوا ارهابيين اجانب، ام اهاربيين اميركيين من الداخل.

وتهدف الخطة التي سيتم تنفيذها على مدى السنوات الخمس المقبلة الى تعزيز قدرات وامكانيات مكتب المباحث الفيدرالية (إف. بي. آي) لمواجهة خطر الارهاب والتصدي له. وفي هذا الاطار سيتم نقل عشرة في المائة من اجمال عدد موظفي المقر الرئيسي لمكتب التحقيقات في واشنطن، الى «الخطوط الامامية» وفروعه في المدن الاميركية، كما سيتم تحويل حوالي 10 في المائة من مجمل ميزانية وزارة العدل (الميزانية السنوية 25 مليار دولار) لعمليات مكافحة الارهاب، اي حوالي 2.5 مليار دولار، مقارنة بحوالي مليار دولار مخصصة حاليا من ميزانيتها لهذا الغرض.

وفي اطار هذه الخطة التي اعلن اشكروفت خطوطها العريضة، بدون المزيد من التفاصيل، سيتم ايضا تقليص عدد موظفين «اف. بي. آي» الذين يشاركون عادة في التحقيقات في الجرائم العادية، او جرائم المخدرات والعمليات السرية المتعلقة بها.

وقال اشكروفت في كلمته: «عندما يهدد الارهاب بلادنا، فانه لا يمكننا العيش في الماضي (الاستمرار في النهج القديم)، بل يجب علينا التركيز على مهمتنا ومسؤولياتنا، وعلينا ان ندرك أن وزارة العدل لا يمكن ان تكون كل شيء لكل الناس، ولا نستطيع القيام بكل شيء، كنا نقوم به، لأن الحياة الآن تعتمد علينا في القيام بأشياء اقل ولكن بطريقة ممتازة».

وأشار الى ان الخطة التي يمكن تسمتيها بـ«الخمسية» تهدف الى رفع كفاءة وقدرات ومستوى واداء وعمل وزارة العدل واجهزتها، وتوفير وتخصيص المزيد من الموارد والوسائل اللازمة لهذه المعركة الطويلة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الارهاب، مؤكد ان هذه الحرب التي بدأها الارهابيون لا تدور في واشنطن فحسب، وانما على الجبهات المتعددة والمتنوعة لها واينما كانت.

وتزامن اعلان اشكروفت عن الخطة الخمسية لاعادة ترتيب وتنظيم شؤون وزارته، مع الخطاب الذي وجهه الرئيس جورج بوش الى الاميركيين، وركز فيه ايضا على الحرب الدائرة ضد الارهاب في الداخل، وما تقوم به حكومته في هذه الحرب، وذلك لطمأنة الاميركيين الى ان الحكومة تقوم بما يجب، ولإطلاع الاميركيين على ما يحقق اولاً بأول في محاولة للابقاء على معنوياتهم عالية، وعدم الوقوع فريسة للرعب من احتمالات وقوع اعمال ارهابية، وايضا للحفاظ على التأييد الشعبي الذي يحظى به الرئيس وادارته حتى الآن في مواجهتهم للارهاب وتحدياته.

وقال اشكروفت: ان الخطة ترمي ايضا الى إحداث تغييرات في الاجهزة المهمة والحيوية التابعة للوزارة وفي مقدمتها مكتب المباحث الفيدرالي الذي يقود الحرب ضد الارهاب محليا. وفي هذا السياق قال اشكروفت ان مدير مكتب التحقيقات روبرت موللر، بدأ فور وقوع الهجمات الارهابية في نيويورك وواشنطن في عملية شاملة وواسعة لمراجعة اساليب العمل والادارة في المكتب، وانه (موللر) بعد الانتهاء من عملية المراجعة واعادة النظر سيقدم تقريرا خلال الاسابيع المتبقية من هذا العام عن النتائج والتوصيات التي سيخرج بها لاعادة تنظيم واصلاح «إف. بي. آي» وطرق عمله. ونقل عن مسؤوليه في المكتب ان قول الوزير اشكروفت هذا يعني اعترافا بأن على المسؤولين في المكتب ان يؤدوا عملا افضل مما يقومون به حاليا في مواجهة الارهاب.

واعلن اشكروفت ايضا ان عملية مراجعة، واعادة نظر واصلاح شاملة ستخضع لها ادارة الهجرة والجنسية الاميركية، وقال ان رئيس هذه الادارة سيقدم له ايضا في الاسابيع القليلة المقبلة خطة تتضمن التوصيات اللازمة لاجراء الاصلاحات والتغييرات المطلوبة، لتجعل عمل مصلحة الهجرة اكثر فعالية وتأثيرا، خصوصا بعدما كشفت التفجيرات الارهابية ان معظم الانتحاريين استغلوا ثغرات كثيرة في النظام المعمول به وان معظمهم دخل البلاد بتأشيرات قانونية.

وكرر الوزير اشكروفت ما قاله الرئيس بوش وغيره من كبار المسؤولين في وقت سابق من ان الولايات المتحدة ترحب بالمهاجرين والزائرين، وهي بلد مهاجرين في الاساس، وانها ستظل ترحب بمن يزورها، ولكنها لن تسمح للارهابيين باستغلال كرم ضيافتها. واكد ان مصلحة الهجرة، التابعة لوزارته، ستركز على منع المهاجرين والزوار الاجانب الذين يشتبه في أن لهم اعمالا او نشاطات ارهابية من دخول الاراضي الاميركية.

يذكر ان الوزير اشكروفت من المحافظين المتشددين في الادارة، وهو يدعو الى اتخاذ كل الاجراءات الصارمة بحق كل من يخرق القانون او يخالفه، وليس فقط الارهابيين ومن لهم نشاطات ارهابية. ومن هنا كان قرار وزارته بأن يعطي المحققين الحق في التنصت على الاحاديث التي تتم بين المحامين والمتهمين المحتجزين في دوائر الشرطة ووزارة العدل. كما يذكر ايضا ان الوزير اشكروفت كان وراء القانون الجديد الذي اقره الكونغرس مؤخرا لمحاربة الارهاب والذي يتضمن الكثير من البنود وأهمها تلك التي تعطي الاجهزة الامنية صلاحيات واسعة غير مسبوقة، مما اثار الكثير من الانتقادات، لكنها غائبة وغير مسموعة حاليا في ضوء الحملة الشديدة لمحاربة الارهاب، وهول ما احدثته التفجيرات الارهابية.

وعلى صعيد الاصلاحات واعادة النظر في الاجهزة الامنية، والاستخباراتية ايضا، يجري العمل حاليا على وضع خطة اخرى من قبل لجنة رئاسية لإحداث اصلاحات عملية اعادة تنظيم في عمل وكالات الاستخبارات لمحاربة الارهاب، ومن ضمنها ضم ثلاث من وكالات الامن القومي الى وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.ايه) لتصبح تابعة لها. وفي نطاق هذه الخطة وتوصياتها التي سترفع الى الرئيس بوش قريبا ستصبح من مسؤوليات مدير «سي. اي.آيه» ادارة وكالة الأمن القومي، كما يتوقع زيادة ميزانية الوكالة لتتجاوز الثلاثين مليار دولار، حسب التقديرات الحالية، اذ لا يعرف على وجه الدقة حجم ميزانية الوكالة.