شهود يتحدثون عن إعدام أحد «الأفغان العرب» وقادة التحالف الشمالي يتدخلون لمنع إعدام أسرى آخرين

TT

لا يمكن ان يوصف موقف حارث الاخير بأنه موقف بطولي، فهو من الجنود الذين خلفتهم طالبان وراءها في العاصمة كابل، ومعه ثلاثة من رفاقه، وكان نصيبهم المطاردة والضرب من قبل المواطنين الغاضبين. وعندما بدأ الجمهور الغاضب في مطاردة جنود طالبان، التفت حارث ورفاقه الى الوراء واطلقوا النار على الجماهير الغاضبة التي كانت تطاردهم مما ادى الى قتل واحد من جنود التحالف الشمالي وجرح اخر، مما جعل حارث ومن معه ينتظرون ما ظنوه موتا محققا. واصيب حارث بطلق ناري اسفل البطن واخر بالكتف، كما اصيب جندي اخر في الرجل. ولكن بدلا من ان يقوم الجمهور بقتل جنود طالبان قام بانقاذهم.

قال الطالب الشاب ذو الشعر المسترسل من المعهد الديني بباكستان: «قيل لنا ان التحالف سيكون قاسيا عندما يلقي القبض علينا، وانا أكاد لا اصدق الان انهم يسهرون على رعايتي». كان يجلس متكئا على احدى الدبابات التابعة للتحالف وهو يحصي حبات سبحته الخشبية السوداء، وكان قميصه العسكري ما يزال ملوثا بالدماء ويحط عليه الذباب.

وثمة تقارير تقول ان التحالف الشمالي ارتكب كثيرا من الفظاعات الوحشية اثناء حملته الهجومية في افغانستان. ولكن بالنسبة لأمة ألفت الحرب لفترة طويلة، حيث كانت المجازر والاعدامات واعمال الانتقام المتبادلة مألوفة مثلها مثل دقات الطبول، فان هناك بعض الدلائل على ان التحالف الشمالي اصبح عالي الحساسية في ما يتعلق بالحد من الفظائع وخرق حقوق الانسان.

وما دامت حركة طالبان قد اخلت المسرح السياسي او كادت، فان سجل التحالف الشمالي في مجال حقوق الانسان هو الذي سيحدد مباشرة مدى شعبية حكمه وقبوله من الناس، كما سيحدد ما اذا كانت افغانستان ستعاني من جديد من الحرب الاهلية ام انها ستتمكن من اقامة سلام وطيد ومستقر.

قال القائد كمران الذي مرت وحدته بالجنديين الجريحين عندما اقتحمت المدينة: «لقد انقذناهما.. اذ امرنا قادتنا بألا نقتل السجناء بل ننقذهم». والواقع ان كمران قام بنفسه بمعالجة الجروح وتضميدها، وامر اول من امس بنقل الجنديين الجريحين الى مستشفى داخل المدينة تديره منظمة ايطالية غير حكومية، برسالة تقول: «نرجو علاجهما.. بشرط ارجاعهما الينا بعد ذلك».

ولكن جنود طالبان، الذين ارتكبوا بدورهم كثيرا من الفظائع الوحشية اثناء سنوات حكمهم التي استمرت خمس سنوات، لم يكونوا جميعا محظوظين مثل زميليهم هذين. فبعضهم طورد خارج كابل وقتل بصورة وحشية من المواطنين انفسهم. وقد حكى شهود عيان وقائع اعدام واحد على الاقل من «الافغان العرب» اثناء دخول التحالف الشمالي الى المدينة. وقد اورد احد مسؤولى الامم المتحدة، ستيفاني بنكر، رواية غير مؤكدة عن ان التحالف الشمالي قام بقتل 100 على الاقل من جنود طالبان في مزار الشريف يوم السبت الماضي. ولكن قادة التحالف ينفون هذه الروايات ويقولون ان جنودهم يعملون وفق اوامر صارمة بمراعاة حقوق الانسان.

ويقول المراقبون ان هذه الرسالة تجد اذانا صاغية وسط الجنود مما يخفف من القلق الذي اجتاح بعض اهالي كابل الذين يتذكرون تجربتهم السابقة مع التحالف الشمالي. فقوات هذا التحالف المكونة من خليط اثني من الاوزبك والهزاره والتاجيك، كانت مسؤولة في اوائل التسعينات عن جرائم وفظائع واعمال عنف وحشية خلفت وراءها آلاف القتلى. وهذا التاريخ الدموي هو الذي يغذي انعدام الثقة الذي يسود العاصمة كابل وهى ترى قوات التحالف تنتشر فى انحاء المدينة. ويقول الكثيرون ان التحالف قد وعى الدرس، ولذلك فانه يتعهد حقوق الانسان بعناية شديدة ويخضع جنوده لرقابة صارمة.

ويقول جينجو سترادا، المدير التنفيذي لهيئة الاغاثة الايطالية «اميرجنسي» التى تدير المستشفى الذي يعالج سجناء الحرب: «اتمنى ان يكون هذا الوعي والانتباه لحقوق الانسان متطابقا مع الواقع، لقد بلغ الناس سن الرشد، وكثير من الناس غيروا آراءهم في هذه السنوات العشر الاخيرة». ويوافق كمران على هذا الكلام قائلا: «انه فعلا تغيير.. ان واجبنا الرسمي يقتضينا ان نحترم اعداءنا».

وحسب الوثائق التى يحملها هؤلاء الشباب الاربعة فانهم فعلا اعداء للتحالف.. اذ يحملون بطاقات شخصية باكستانية، كما انهم يحملون اوامر تحرك عسكرية من «حركة مجاهدي جامو وكشمير» التي تحارب القوات الهندية فى كشمير. وتقول الرسالة التي يحملونها: «هؤلاء المقاتلون الاربعة قادمون للجهاد في افغانستان.. نرجو تسهيل مهامهم من كل الوجوه». وتضيف ملاحظة اخرى اسفل الورقة كتبت بخط اخر: «نرجو ضمهم الى صفوفكم».

والوثيقة الاكثر غرابة في حوزة هؤلاء كانت شهادة دبلوم بعد تلقي دورة دراسية في جامعة الحركة الاسلامية العالمية باسلام اباد، باسم المدير «ابو اسامة»، ولكن لم يكن واضحا اذا كانت لتلك الجامعة اية صلة بمنظمة القاعدة ام لا. ويقول الجنرال فاضل احمد عزيمي، ان هؤلاء الجنود الآن في رعاية التحالف الشمالي. واضاف: «تعهدت باننا عندما نحتل كابل لن تكون هناك اية مشكلة، والان يمكنكم ان تروا ان كل شيء على ما يرام، وان الهدوء يسود كل الاماكن، وادعت باكستان انه ستكون هناك اعمال انتقامية.. ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل».

ويقول اولئك الذين يشرفون على علاج حارث وزميله جواد حسين من باكستان، انهم يتمنون ان تستمر روح التسامح والمرونة. وقال سترادا، وهو يضمد جراح الجنديين السابقين، وفي حضرة بعض الجنود من التحالف الشمالى: «ان اكبر همومهما الان هو سلامتهما في المستقبل بعد مغادرة المستشفى».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»