باكستان تواجه مشكلة في إغلاق الحدود أمام جنود وقيادات طالبان الهاربين

TT

في الوقت الذي تتهاوى فيه طالبان ويفر جنودها، فان باكستان تجد نفسها في مواجهة مهمة مستحيلة، هي اغلاق حدودها التي تمتد 1500 ميل مع افغانستان، والتي تتميز بالتداخل والاختلاط العرقي الذي يرجع لالاف السنين، ويضرب في اعماق التاريخ، كما تتميز كذلك بالسلاسل الجبلية شديدة الوعورة.

وفي الوقت الذي بدأ فيه التحالف الشمالي زحفه نحو كابل عاصمة افغانستان، سارعت باكستان الى اغلاق حدودها بكل ما استطاعت ان تقيمه من الحواجز ونقاط التفتيش وما تجلبه من الحراس، ولكن جنود طالبان استطاعوا مع ذلك ان يتسللوا عبر الحدود بسهولة، ويخشى المسؤولون الباكستانيون وصول المزيد منهم.

قال دبلوماسي غربي: «لدى باكستان حدود لا تستطيع ان تتحكم فيها، وثمة مناطق من تلك الحدود لم تطأها قدم أي مسؤول باكستاني من قبل».

ومعلوم ان كثيرا من الروابط والوشائج تربط بين سكان هذه الحدود، منها روابط الدم والعرق ووعورة المكان، وهذا الهيام المشترك بالاصولية الاسلامية. وهذه الروابط نفسها هي التي تسهل الهروب على جنود طالبان. كما ظلت المدارس الاسلامية ومعسكرات اللاجئين على الجانب الباكستاني من الحدود، مهادا وملاذا للنظام الافغاني. فقبل اسابيع فقط عبر هذه السلاسل الجبلية الجرداء المتعاطفون الباكستانيون مع طالبان، الذين كان يدفعهم التصميم على محاربة التحالف الشمالي جنبا الى جنب مع اخوتهم الافغان.

والان بعد انهيار جيش طالبان، فان كثيرا من جنوده سيعبرون الحدود ويجلبون معهم اصدقاءهم.

وقال رسول امين مدير مركز الدراسات الافغانية ببيشاور: «انهم يستطيعون الاختفاء هنا.. احزابهم هنا واهلهم هنا.. وعندما يصلون فانهم سيجدون الحماية».

وفي مطلع هذا الشهر وافق الكونغريس الاميركي على منح باكستان 73 مليون دولار منحة لمواجهة الطوارئ، مثل شراء طائرات هليكوبتر ومناظير للاستخدام الليلي ولتدريب حراس الحدود. وهذا العون يعد استثمارا في مجال الامن، فالحدود «السائبة» معروفة بانها تحوي ممرات سرية لتهريب الاسلحة والمخدرات.. والاصوليين.

ولكن استئصال هذا الطوفان من التحركات غير المرغوب فيها لن يتم بين عشية وضحاها، هذا ان كان سيتم اصلا. فهذه متاهة من السلاسل الجبلية الجهمة والاودية الصخرية، التي تقطعها هنا وهناك، طرق خشنة عصية. قال مسؤول بوزارة الخارجية الباكستانية: «نحن مهتمون بالحدود كلها، فهناك حوالي 100 نقطة يمكن لاي شخص العبور منها بدون رقابة».

ووصلت تقارير تشير الى ان كثيرين من جنود طالبان وقادتها اخذوا يعبرون الحدود. وتقول هذه التقارير ان حكام الحركة في اقليم نانجاهار، القريب من الحدود الباكستانية، قد عبروا قبل اسبوع واختفوا في احدى المدارس الدينية، وشوهد جنود طالبان في بيشاور وكويتا.

وزعم احد جنود طالبان، وهو من العائدين الى مناطقهم عبر كويتا، انه غادر افغانستان باوامر الملا محمد عمر نفسه والذي ابلغت اوامره لجنوده، وهي اوامر جاء فيها: «انقذوا انفسكم، اذهبوا الى مناطقكم، ولكن احتفظوا باسلحتكم في اماكن مأمونة تحت الارض.. في هذه اللحظة لا نحتاج الى الجنود لاننا نتعرض للقصف، ولكننا سنحتاج اليكم في يوم من الايام، وسنعثر عليكم من خلال حزبكم».

وبالرغم من كل الانتقادات العنيفة التي توجه اليها، فان باكستان ما تزال تعترف بطالبان، اذ فتحت سفارة طالبان باسلام اباد، يوم الاربعاء الماضي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية عزيز احمد خان: «ان الحدود ستظل مفتوحة لكل اصحاب التأشيرات المعتمدة رسميا»، وهو يقصد تلك التأشيرات التي اصدرتها حكومة طالبان، هذا النظام الذي طرد من عاصمته ذاتها.

ولكن التشديد على العبور عند نقاط الحدود كان واضحا يوم الاربعاء نفسه، وخاصة في ممر خيبر حيث اغلقت البوابة الاصلة بين افغانستان وباكستان بالمزلاج. وهناك تجمع المئات من الافغان الذين يعيشون بباكستان حول هذه البوابة، بعض هؤلاء كانوا ينوون الرجوع الى افغانستان لانهم سمعوا ان كابل قد سقطت وان العودة اصبحت امنة، وبعضهم كانوا يبحثون عن اسرهم. ولكن احدا لم يسمح له بدخول افغانستان.

وقال نور محمد، من مدينة جلال اباد: «كل يوم نحن نسمع الاقوال المتضاربة حول الحرب..انا الان لا اعرف اين اسرتي، فقط اريد العودة الى بلدي».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»