الأمطار الطوفانية في الجزائر تحول شوارع باب الواد إلى مقابر جماعية

TT

خمسة أيام مرت على السيول الطوفانية التي أغرقت حي باب الواد الشعبي بالعاصمة الجزائرية، الا أن الزائر لهذا الحي الشعبي يسوده الاعتقاد أن الكارثة حلت الآن فقط. الناس لا يزالون يجرون في كل الاتجاهات بحثا عن ذويهم الذين لم يعثروا لهم على أثر منذ السبت الماضي وفرق الانقاذ مدعمة بوحدات الجيش والشرطة تواصل التنقيب وازالة الطمي والأوحال بطريقة توحي أنها تتوقع مفاجآت من تحت الركام. «الشرق الأوسط» عادت أمس الى قلب الكارثة وعاشت بضع ساعات مع فرق الانقاذ وسكان الحي المنكوب الذين لا يزالون تحت وقع الصدمة وهول فاجعة يقول شيوخ الحي انهم لا يتذكرون أنهم عاشوا مثلها في حياتهم. وقال فريد، مهندس معماري كان ضمن شباب الحي المتطوع، «الآن فقط بدأنا أشغال الحفر» في شارع رشيد كواش، وهو من بين أكثر الأحياء المتضررة في بلدية باب الواد، ان رائحة التعفن تنبعث على طول الطريق لكن لم يظهر بعد أي أثر للجثث. الى جانب فريد كانت امرأة، تحاول قطع الطريق عبر ممر صغير، تتحدث الى ابنتها معلقة على ما تراه حواليها قائلة «كأنه يوم الحشر»، وكانت هذه المرأة المتحجّبة تعلق على الحالة التي يعيشها سكان حي باب الواد ان الجميع منشغل بكل شيء وبلا شيء، وعلى حافتي الطريق لا يزال السكان ملتفين يروون قصصا عن الكارثة التي حلت بهم ومخلفاتها، قصصا أقرب الى الخيال وقصصا لا شك أنها من نسج الخيال، فرق الانقاذ كانت متفرقة هنا وهناك، بعضها تابعة للحماية المدنية وأخرى متكونة من شباب الأحياء المتطوعين وأخرى جاءت من الخارج في اطار المساعدات الدولية التي تهاطلت على الجزائر منذ اليوم الثاني لحلول الكارثة. في أعالي حي تريولي، حيث سُجلت أكبر الخسائر، التقت «الشرق الأوسط» طبيبا من فريق انقاذ جاء من المملكة المغربية ضمن مجموعة متكونة من 30 شخصا، وقد صرح لنا أن زملاءه أخرجوا من تحت الأنقاض مساء أول أمس جثتين، واحدة لرضيع في الشهر السادس والثانية لشاب في الرابعة والعشرين. وأشار لنا هذا الطبيب، الذي لم يخف صدمته من هول ما رأى، الى أن فريقا من الحماية المدنية الجزائرية تمكن يوم الأربعاء الماضي من اخراج طالبين من تحت الركام حيين. ومقابل ذلك كانت مجموعة من الشباب المتطوع منهمكين في التنقيب وسط أكوام من الأتربة المبللة غمرت مركزا للتكوين المهني. لحدّ الساعة لم يعثروا على أية جثث الفتيات التي يجزمون أنها لا تزال مردومة هناك. وعثر فقط على أحذية نسوية وحقيبتين يدويتين وقطع من الثياب، قبل أن يأتي أحد الشبان مسرعا باتجاه ضابط في الحماية المدنية، وهو يحمل صورة لفتاة صغيرة، حملها هذا الأخير متوجها الى احدى كاميرات التلفزيون التي كانت هناك لتصويرها. في تلك البقعة وأيضا في مستودع تابع لمصنع التبغ الكائن على مستوى شارع كوّاش، كانت رائحة جثث متعفنة تنبعث رغم محاولة مصالح البلدية تطهير وتعقيم المكان بمواد خاصة، منعا لانتشار الأوبئة. وتزامنت مع ذلك نداءات السلطات الى السكان الذين تبدو عليهم أعراض العدوى مثل القيء أو الاسهال بضرورة التوجه الى أقرب مركز صحي للتلقيح في سوق تريولي الذي قال لنا شاب وجدناه هناك ان جثث 24 من زملائه في مستشفى بني مسوس موجودة داخل الأوحال التي غمرت المكان، كانت آليات تابعة للجيش ولمختلف بلديات العاصمة تحاول ازالة الأتربة بعد أن أعلن وزير الداخلية عن توقف أعمال البحث عن الضحايا وضرورة مباشرة عمليات التنظيف بالآليات الضخمة. ومع ذلك لا يزال أقارب المفقودين مصطفين هنا وهناك يترقبون الجديد، كما شهدت مداخل المستشفيات الموجودة في باب الواد ومركز الشرطة ومقر البلدية طوابير بشرية تقرأ وتعيد القوائم التي تنشرها السلطات دوريا للقتلى والجرحى المعثور عليهم. وعلى طول الطرق وشوارع المدينة عُلّقت صور المفقودين والى جانبها أرقام الهواتف التي يمكن لأي واحد لديه معلومات الاتصال بها. أكثر من ستمائة قتيل، معظمهم تم التعرف عليهم ودفنهم، ومع ذلك لا يزال الناس ووسائل الاعلام مجندة بحثا عن آخرين لا يزالون في عداد المفقودين. أحد مسؤولي فرق الانقاذ قال لنا ان الاعتقاد السائد هو أن أعداد القتلى الذين لا يزالون تحت الركام والأوحال «يوازي أو يفوق عدد الذين عثرنا عليهم»، وهو ما جعل البعض يتوقع أن تكون الحصيلة النهائية لقتلى هذه السيول يفوق الألف.