إيراني أميركي يشارك في خطط تعزيز المباني لمواجهة هجمات شبيهة بـ11 سبتمبر

TT

شأنه شأن الكثير من الأميركيين، كان حسن آستانة يجلس امام شاشة التلفزيون عند وقوع هجمات 11سبتمبر (أيلول) الماضي، وعندها اصيب بالصدمة كما احس فورا بأن ثمة كارثة كبرى تلوح في الافق.

ويقول آستانة، الايراني الذي يعمل أستاذا للهندسة المدنية ببيركلي، انه شعر بأنه سيكون جزءا من هذا الموضوع بوصفه واحدا من ابرز الخبراء في الولايات المتحدة في مجال الصلب الانشائي. ووجد آستانة نفسه واحدا من اربعة مهندسين أميركيين جرى اختيارهم من الولايات المتحدة بكاملها لدراسة الكارثة وما بعدها مباشرة بدعم مالي من «المؤسسة الوطنية للعلوم». ووجد آستانة نفسه كذلك في موقف حرج، فهو كمسلم يشعر بالغضب من جراء هذه الاحداث التي تردد ان مسلمين قاموا بها.

ويبحث آستانة وسط الركام الذي احدثه الدمار عن كل ما يمكن ان يساعد المهندسين في فهم الاسباب التي ادت الى انهيار البرجين. وفي نفس الوقت فانه يحاول جاهدا استخدام المعلومات المتوفرة لايجاد السبل اللازمة لتصميم أبنية اكثر سلامة ومقاومة للتفجير في المستقبل. ويقول انه يتعين عليهم معرفة ما حدث في موقع مركز التجارة العالمي، واصفا العملية التي يقوم بها الآن بأنها اشبه بـ «التشريح».

وقد بدأ آستانة (53 سنة) حياته العملية كمهندس مدني في ايران وترأس شركة انشاءات لمدة عشر سنوات خلال فترة الطفرة النفطية خلال عقد السبعينات من القرن الماضي. وبتراجع الاقتصاد الايراني عام 1982، توجه آستانة صوب الولايات المتحدة سعيا للمزيد من التحصيل العلمي، واتاحت له درجة الدكتوراه التي حصل عليها فرصة العمل في المجال الاكاديمي بجامعة اوكلاهوما ثم جامعة كاليفورنيا ببيركلي. وبرز آستانة هناك كخبير في الهندسة الزلزالية تحديدا، وادى عملا بارزا في جسر خليج سان فرانسيسكو ـ اوكلاند عقب زلزال لوما بريتا عام 1989. ودفع تفجير اوكلاهوما سيتي عام 1995حياته العملية في اتجاه جديد. فعندما دمرت القنبلة مبنى «الفريد موراه» الفيدرالي باوكلاهوما سيتي، شعر آستانة بضربة شخصية، اذ في الطابق السابع بنفس المبنى، اجريت مع آستانة المقابلة الخاصة بمنحه الجنسية الأميركية. ويقول ان أي مهاجر يتذكر هذا اليوم جيدا. كما ان تلك المأساة دفعته للعودة الى ما كتب في مجال الهندسة بحثا عن الطرق اللازمة لحماية الابنية من القنابل، اذ يستخدم حاليا مختبرات جامعة كاليفورنيا ببيركلي لاجراء تجارب على تقنيات تستخدم في الحماية من التفجيرات.

ويتجول آستانة في مختلف انحاء الولايات المتحدة، محاولا الوفاء بواجبات التدريس في بيركلي، في الوقت الذي يقضي فيه كل دقيقة تتاح له في نيويورك في فحص 300 الف طن من الصلب المنهار. ويعتبر ذلك سباقاً من اجل الحصول على مفاتيح ومؤشرات تساعده على التوصل الى ما يبحث عنه قبل تنظيف الموقع تماما من الحطام.

ويعتقد المهندسون انهم يفهمون الخطوط العريضة لما حدث يوم 11 سبتمبر، فالحرارة العالية والنيران التي زادها وقود الطائرات اشتعالا اضعفت اعمدة الصلب التي يقوم عليها البرجان وادت الى تليينها مما تسبب في الانهيار المتواصل لكل الطوابق، لكنهم ابعد ما يكون عن فهم التفاصيل، مثل الاسئلة حول مدى الاضرار التي سببتها الطائرات ذاتها؟ وكم تحملت المواد المضادة للحرائق؟ وما هو الدور الذي لعبته ارضية الطوابق؟ وما مدى سخونة النيران؟ وكيف امتدت؟ وكم من الوقت استمرت الاعمدة التي تحمل المبنى؟

وذكر رون هامبورغر عضو فريق الكوارث التابع للجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين التي تدرس انهيار المبنى «ان الامر يعتمد على اداء المبنى»، غير انه ليس من السهل العثور على اجابة على تلك الاسئلة. فكل ما لديهم هو كميات من الصلب الملتوي، بعضه ناتج عن اصطدام الطائرة به، والبعض الاخر دمرته النيران، والبعض الآخر تحطم بعد سقوطه على الارض.

وتشير ترسيلا نلسون مديرة قسم النظم المدنية والميكانيكية في صندوق العلوم القومي الى «انها دراسة جدلية، وعلى القطاع الهندسي القيام بها. واذا فهم كيف يعمل المبنى، يمكن فهم كيفية تحسين الاداء».

الا ان البعض لا يعتقد بإمكانية تحسين الاداء بدرجة كبيرة، اذ كان العمل الذي تسبب في انهيار مركز التجارة الدولي غير متوقع، وكان قوياً الى درجة ان العديد من المهندسين قالوا انه لا توجد طريقة للحماية من مثل هذه الاعمال. واوضحوا ان المباني المضادة للتفجيرات مرتفعة الثمن للغاية، وستسمح بمبان على شكل كهوف فقط.

لكن آستانة يرفض هذا الرأي ويعتبره «بدون معنى»، ثم يتساءل «سنقول اذا تعرض برج سيرز لهجوم، فانه لا يوجد ما يمكن ان نفعله، هذا امر سيئ، فهناك وسائل اقتصادية فعالة لبناء ابراج قوية واعادة تأهيل المباني القائمة».

وكان آستانة قد بدأ، الصيف الماضي، في معمل هندسي من ثلاثة طوابق في حرم جامعة بيركلي، باختبار تكنولوجيات جديدة يمكن ان تساهم في مساعدة المباني من تحمل الانفجارات القوية. وقد استخدم آستانة نموذجا بنفس الحجم من الطابق الاول لمبنى المحكمة الفيدرالية الذي سيتم اقامته في سياتل، لكي يجري تجربة عن آثار انفجار، عبر ازالة واحد من الاعمدة الصلبة التي ترفع الطابق وتعريض الطابق الى ضغط يصل الى 13358 كيلوجراما.

وبعد ضجيج هائل، بدأت الاعمدة في التحطم وانهار الطابق الخرساني، واثبتت التجربة نجاحها. فقد هبط الطابق الاسمنتي بمعدل نصف متر، الا انه ظل متماسكا، وهو الامر الذي يعني عدم سحق الناس بين الطوابق في حال حدوث الانفجار.

ويكمن السر في وضع اطوال من كوابل الصلب من النوع الذي يربط الجسور المعلقة، في ارضية الطوابق قبل صب الاسمنت. وبالرغم من ان الخرسانة تكسرت، فقد بقت الكوابل في مكانها. وكان آستانة على درجة من الثقة في التكنولوجيا الى درجة انه اجرى حوارا صحافيا وهو يقف تحت السطح المدمر.

واذا كانت المواد الخرسانية التي احتواها مبنى الفيرد موراه بأوكلاهوما تضم مثل هذه التكنولوجيات، فان آستانة يعتقد انه كان بالامكان انقاذ معظم الارواح.

كما يطور آستانة ويختبر جدراناً مستعرضة وخرسانة خفيفة الوزن مربوطة بالصلب، يمكنها امتصاص قوة الانفجار. وفي اختبارات باستخدام قوة هائلة، تحطمت الخرسانة، لكن الاعمدة التي تحمل المبنى ظلت متماسكة. ويقول آستانة ان معظم هذه التكنولوجيات، ستضيف ما بين واحد الى اثنين في المائة الى تكلفة المباني، ويمكن مساعدة المباني على تحمل الزلازل الضخمة وانفجارات القنابل. وقال آستانة ان مثل هذه الجدران المستعرضة يمكن ان تمنع اختراق الطائرات للابراج العالية بكميات الوقود التي تحملها كما حدث في مركز التجارة العالمي.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»