احتجاجات فلسطينية على اغتيال أبو هنود وإسرائيل تزعم أن العملية «دفاعية»

قيادي «القسام» تمكن من تبديل السيارة لكن طائرة مروحية أخرى اقتفت آثاره وقذفت صواريخها نحوه

TT

بعد ثلاث سنوات من المطاردة، وبعد فشل محاولتين سابقتين لاغتياله، نجحت اسرائيل مساء اول من امس في تصفية قائد كتائب عز الدين القسام في الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية محمود ابو هنود، وذلك بواسطة غارتين جويتين من مقاتلات عسكرية مروحية.

وقد كاد أبو هنود ينجو مرة أخرى من الاغتيال، اذ ان الصواريخ الأولى لم تصبه. وتمكن من تبديل السيارة. لكن طائرة مروحية اخرى ظهرت في الجو واقتفت آثاره، وقذفت صواريخها نحوه حتى مزقت جسده هو والشقيقين مأمون وأيمن حشايكة. ولم تتردد اسرائيل في اعلان مسؤوليتها عن الجريمة والاعتداد بها، بل لمح عدد من مسؤوليها الى ان الادارة الأميركية ايضا راضية عن هذا الاغتيال، وقد ابلغت به مسبقا، بشكل غير مباشر. اذ ان وزير الدفاع بنيامين بن اليعزر، كان قد بعث برسالة الى نظيره الأميركي دونالد رامسفيلد، يبلغه بان اسرائيل ستعمل كل ما في وسعها لانجاح مهمة الوسطاء الأميركيين في الشرق الأوسط «ولكن هذا لا يعني اننا سنوقف مكافحة الارهاب». ولم تبدر من واشنطن ادانة واضحة لعملية الاغتيال بل نسب الى مسؤول في الخارجية الأميركية قوله ان اميركا لا تعتبر ان سياسة الاغتيالات المحددة الأهداف، امرا جيدا.

ومن جهة ثانية صرح وزير الخارجية، شيمعون بيريس، امس بأن اغتيال محمود أبو هنود، هو عملية دفاع عن النفس، وانها لن تطرح على جدول ابحاث المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية التي سيديرها الجنرال انطوني زيني، مبعوث الرئيس بوش. واضاف: «الأميركيون يعرفون من هو ابو هنود تماما، ويعرفون ما هي افعاله».

ويذكر ان اسرائيل فتشت عن ابو هنود، منذ ثلاث سنوات، بدعوى انه المسؤول الأول عن كتائب القسام في الضفة الغربية وانه اخطر رجالات «حماس» عليها. وحاولت اعتقاله وتصفيته في عملية فاشلة في اغسطس (آب) 2000، عندما داهمت بيته في قرية عصيرة الشمالية (قضاء نابلس) بقوات هائلة. وفي حينه، وقع المهاجمون المحتلون في ارتباكات بلا حدود، وقاموا باطلاق الرصاص ضد بعضهم البعض، فقتل ثلاثة ضباط اسرائيليين، وتمكن ابو هنود من الفرار.

وخصصت قوات الاحتلال مجموعة قتالية خاصة لملاحقته واقتفاء اثره واغتياله، ضمت عددا من المقاتلين المختارين المتفوقين من الجيش والوحدات الخاصة والمخابرات. وتمكن هؤلاء من معرفة مكانه الدقيق، في احدى غرف سجن نابلس. وقامت قوات الاحتلال بقصف ذلك السجن من الجهة المقصودة، ودمرتها تماما. لكن تبين ان ابو هنود كان قد نقل في اللحظة قبل الأخيرة الى جناح آخر. وهكذا، نجا مرة ثانية.

ومنذ تلك اللحظة، قررت المخابرات الإسرائيلية ان تراقبه 24 ساعة في اليوم وان لا تفارقه لحظة. وهكذا، تمكنت من الوصول اليه اول من امس، وهو في الطريق الى نابلس من قريته عصيرة الشمالية. فظلت تطلق الصواريخ عليه حتى ضمنت تصفيته.

وحسب بيان المخابرات الإسرائيلية فان ابو هنود احد المسؤولين عن العملية الانتحارية في الدولفيناريوم في تل ابيب (حيث قتل 21 شابا وصبية من اليهود الروس امام ناد ليلي على شاطئ البحر) ومطعم «سبارو» في القدس وعمليتي طبريا وحيفا. وتجدر الاشارة الى ان السلطات الإسرائيلية حملت مسؤولية هذه العمليات، قبل ابو هنود، الى اكثر من عشرة اشخاص قامت بتصفيتهم، مما يشير الى ان هذه الادعاءات قد تكون مجرد ذرائع.

وعلى الرغم من الادعاء الاسرائيلي بان أبو هنود هو اخطر رجالات «حماس» وان تصفيته ضرورية لمكافحة الارهاب والقضاء عليه، فان قادة المخابرات اكدوا امس ايضا، ان «هناك انذارات ساخنة تفيد بأن حماس والجهاد قد اطلقنا عدة خلايا لتنفيذ عمليات ضد اسرائيل».

والمعروف ان مثل هذه الانذارات، ان كانت حقيقية او مزعومة، تكون عادة حجة لتشديد الحصار على الفلسطينيين.

الجدير ذكره ان اكثر من 20 ألف فلسطيني ساروا، امس، في جنازات ابو هنود وحشايكة.

وتوعدت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بالانتقام لمقتل ابو هنود. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال عبد العزيز الرنتيسي الناطق بلسان الحركة في قطاع غزة ان الجناح العسكري لحماس «له الحق في الرد الموجع على الكيان الصهيوني بأي طريق يشاء، والأمر الآن منوط بالجهاز العسكري». ونفى الرنتيسي ان يكون نجاح اسرائيل في تصفية كوادر جناح حماس العسكريين يرجع الى عمليات اختراق في صفوف الحركة، واضاف « لا يمكن ان يكون الاغتيال بسبب اي اختراق، بل يأتي في اطار التعاون الدولي لملاحقة المجاهدين والشرفاء من ابناء الشعب الفلسطيني لتمرير حلول هزيلة تؤدي الى تصفية الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية». وذكرت مصادر فلسطينية مساء اول من امس ان المروحيات الاسرائيلية كانت تحلق على ارتفاع منخفض منذ اكثر من ساعة قبل مرور السيارة، حيث كانت تنتظر وصول السيارة لتقوم بقصفها، الامر الذي ادى في البداية الى استشهاد مساعدي ابو هنود وهما الشقيقان ايمن رشيد حشايكة ومأمون رشيد حشايكة من قرية طلوزة في محافظة نابلس.

وقد تم العثور على جثتي الشقيقين حشايكة، متفحمتين داخل السيارة وقد تطايرت اشلاؤهما الى مسافات كبيرة، في حين ادخل جثمان ابو هنود الى المستشفى على شكل مجموعة اشلاء من اللحم المتفحم.

وذكرت مصادر في حركة حماس ان ايمن حشايكة من عناصر كتائب عز الدين القسام ومن الموجودين على قائمة المطلوبين للمخابرات الاسرائيلية، وهو احد المقربين من ابو هنود. وقد عمت الاحتجاجات الشعبية الأراضي الفلسطينية وخرجت المظاهرات الكبيرة في مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة استنكارا لعملية تصفية ابو هنود، في حين تمت تلاوة ايات القرآن الكريم من مكبرات الصوت في المساجد. وقد نعت القوى الوطنية والاسلامية وحركة حماس ابو هنود ودعت الى الاضراب والحداد الشامل اليوم استنكارا لمجازر الاحتلال والتي راح ضحيتها 13 شهيدا خلال اقل من يومين فقط. ويسود مدينة نابلس اضراب شامل يبث نشطاء الحركة نداءات عبر مكبرات الصوت تنعى الشهيد ابو هنود وكافة الشهداء.