المقاتلون الأفغان يبدلون ولاءاتهم بين يوم وليلة ويتنقلون بين أطراف الصراع ملتحقين بالأقوى عسكريا

TT

انه مكان مثالي لكمين. فالطريق يلتف حول تل صخري، والاراضي القاحلة تمتد حتى الافق البعيد، وفجأة يظهر حوالي 6 افراد من مقاتلي طالبان يرتدون العمائم السوداء، مسلحين بمدافع رشاشة من طراز كلاشنيكوف، ليفاجئوا المارة.

ربما قام غولاجان ارماني ورجاله بحراسة الطريق يوم السبت. ولكن في اليوم التالي كان المقاتل الشاب الذي يصل عمره الى 32 سنة ورجاله يتولون حراسة الطريق ليس لحساب طالبان، ولكن لحساب الجانب الاخر، وهو يقول «نحن نساعد التحالف الشمالي الان. نحن نريد ان يعم السلام بلادنا. لقد ضقنا ذرعا بالقتال».

ففي بلد استمرت فيه النزاعات المسلحة لاكثر من 22 سنة، تتنقل الولاءات مثل العواصف الرملية التي تهب على تلك المناطق القاحلة على بعد 25 ميلا جنوب غرب كابل. فلدى الافغان قدرات عجيبة على تغيير الولاء. ولا شيء يؤدي الى تغيير الولاءات اكثر من اكتشاف ان للعدو قدرات عسكرية اكبر.

ومثلما حدث عند وصول طالبان الى السلطة في الفترة من عام 1994 الى عام 1996، فإن التبدل الدرامي للحظوظ في الاسابيع الاخيرة (استيلاء التحالف الشمالي على معظم مناطق افغانستان) نجم عن القدرات التفاوضية اكثر من القدرات القتالية. فواحد بعد الاخر استسلم قادة طالبان وزعماء الحرب المحليون الذين القوا بثقلهم وراء الميليشيا المتشددة لسنوات، الى قوات التحالف الشمالي الذي تلقى دعما من القوة الجوية الهائلة للولايات المتحدة وبريطانيا.

واول من امس استسلم زعيم محلي كان يؤيد طالبان في الماضي في القرى الفقيرة المحيطة بمدينة ميدان شهر، ووافق على تسليم اسلحته الثقيلة الى قائد التحالف الشمالي. وانتهت بذلك ملحمة استمرت اسبوعا يمكن ان تقدم لنا لمحة عن الخلافات والنزاعات التي تسيطر على افغانستان.

وترجع احداث ميدان شهر الى محاولات زعيمين محليين الوصول الى قمة السلطة. الاول مرتبط بطالبان والثاني بالتحالف الشمالي. وفي النهاية توصلا الى اتفاق بدلا من الاقتتال.

وتحمل النتائج اهمية كبرى لان السيطرة على ميدان شهر تمنح التحالف الشمالي سيطرة على الطريق الرئيسي المؤدي من كابل الى قندهار المعقل الرئيسي لطالبان في جنوب البلاد.

وقد بدأ النزاع بعد انسحاب طالبان المفاجئ من المدينة في 13 الشهر الحالي. وفي اقيم فارداك (جنوب غرب كابل)، تولى مجلس من 20 من شيوخ القبائل مقاليد السلطة. واعلن تأييده لجهود الامم المتحدة السلمية ولكنه حذر التحالف الشمالي من دخول المنطقة، طبقا للمعلومات التي ذكرها عبد الرحمن هوتاك، وهو مسؤول كبير سابق في طالبان ومن ابناء المنطقة.

الا ان التحالف لم يقبل التحذير وتقدم نحو المنطقة للاستيلاء على مخزن للاسلحة التي تركتها خلفها قوات طالبان المنسحبة. واستمرت المفاوضات لعدة ايام من اجل ترتيب الاستسلام بلا جدوى. واعتقدت قوات التحالف انها توصلت الى اتفاق في الاسبوع الماضي، فبدأت في السيطرة على تلين استراتيجيين، ولكنهم وجدوا انفسهم فجأة تحت وابل من النيران من قرية خلفهم. وقتل عدة مقاتلين وانسحبت قوات التحالف.

وفي الوقت الذي اراد التحالف الشمالي من الطائرات الاميركية قصف المنطقة، وجه حلفاء سكان القرى المحلية نداءات للولايات المتحدة بعدم القصف. ولم تتدخل الولايات المتحدة.

وارسلت قيادة التحالف احد كبار قادتها الى المنطقة لقيادة قواتها في المنطقة بعدما شعرت بالاحباط من تصرفات قادتها هناك. ووصل القائد مولانا عبد الرحمن من كابل ومعه حوالي عشرات من قواته الخاصة وتوجهوا الى محطة الوقود التي يستخدمها القائد المحلي للتحالف مقرا له. وطلب منه اعادة قواته لانه سيرسل قوات اخرى، واطاع القائد المحلي الامر.

وركب عبد الرحمن سيارته نحو مقر القائد الثاني للتوصل الى اتفاق، وخلفه قواته المسلحة تسليحا جيدا. ومرا عبر نقاط التفتيش الخاصة بأرماني المقاتل التابع لطالبان والذي وافق على الانضمام الى التحالف الشمالي، قبل يوم. ووصل الى مقر مدرسة من طابق واحد حيث توجد قوات الزعيم المحلي الاخر. ونظرت القوات نظرة متشككة، وسمحت القوات لعبد الرحمن بدخول المدرسة وتوجه الى حجرة للتفاوض مع قائد قوات الاعداء غلام محمد، كل منهم يحيط به 15 من قواته. وذكر شاهد عيان ان المناخ كان وديا وتبادلا الضحكات.

وكان المنظر في الخارج سيريالياً، فقد جلس اكثر من مائة من المقاتلين الاعداء معا في ساحة المدرسة انتظارا لنتيجة المفاوضات لمعرفة ما اذا كانوا سيتحولون الى اصدقاء ام لا. وقال عبد القدوس، وهو شيخ قروي عجوز «ليس ذلك غريبا عنا، فنحن افغان».

وفي حوالي الساعة الواحدة الا ربعا من بعد ظهر الاحد خرج المتفاوضون من مبنى المدرسة واعلنوا التوصل الى اتفاق: سيسلم المقاتلون المحليون اسلحتهم الثقيلة ويحتفظون بأسلحتهم الخاصة مقابل حريتهم. ويعني ذلك ان القادة المحليين سيستمرون في ادارة شؤون قراهم شريطة ألا يتحدوا السلطات الجديدة.

وقال غلام محمد القائد الذي استسلم «كان علي الانضمام الى التحالف الشمالي. اذا لم نستسلم للتحالف فسيقتل العديد من الناس».

وقال عبد الرحمن الذي كان يقف جواره انه يعتقد ان عدوه السابق سيلتزم بكلمته، «نحن نثق بالافغان، ونثق ببعضنا البعض. لقد كانت هناك بعض المشاكل وتمكنا من حلها. يمكنهم الذهاب الان».

الا ان الولاءات يمكن ان تتبدل مرة اخرى. ففي نقطة التفتيش اكد ارماني ولاءه للتحالف الشمالي. ولكن بعدما ابتعد صحافي غربي، اعترف الى سائق ان جماعته ايدت التحالف لمعرفة ما يحدث في الجانب الاخر من المفاوضات. واذا لم تعجبهم النتائج، فسيغيرون موقفهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»