المقاتلون الأجانب.. عزلتهم عن المجتمع الأفغاني ووعد طالبان لهم بدخول الجنة يدفعانهم للقتال بشراسة

TT

يقف الرجلان جنبا الى جنب في باحة السجن العشوائي، لا تزودهما شمس الخريف بما يتوقان اليه من الدفء. يغطي رأس كل منهما شعر كث طويل معقود خلف الاذنين وتحيط بالوجه لحية كبيرة غير مشذبة. وحتى لحظة اعتقالهما وسجنهما كان هذان الرجلان ينتميان الى اخطر فئة من المقاتلين فى العالم، أي جنود طالبان «الاجانب» الذين جاءوا الى افغانستان من دول مثل باكستان، وعدد من الدول العربية لشن «حرب مقدسة». هؤلاء المقاتلون الاجانب مشهورون بالشراسة التي تجعلهم يفضلون الموت على الهزيمة. والطريقة التي يتكلم بها هذان السجينان تشهد على صحة ما يقال عن الفئة التي ينتميان اليها.

يقول صالحيان، (31 سنة)، وهو افغاني تقيم عائلته في دبي «عندما ارى اشخاصا من غير المسلمين، فانني اشعر بالرغبة في قتال المشركين».

كان هؤلاء المقاتلون الاجانب في صفوف طالبان مصدر قلق شديد عندما وقفوا وقفتهم تلك في مدينة قندز الشمالية، التي حوصرت لمدة عشرة ايام وتعرضت للقصف الاميركي المكثف، وواصلوا المقاومة في ظروف كانت اية قوة اخرى ستختار الاستسلام.

ما الذي يجعلهم على هذه الدرجة من الحرص على القتال؟

هذان الرجلان اللذان ينقلان ثقلهما من قدم الى قدم، يقدمان بعض الاجوبة. والسبب الاساسي هو الحماس الديني، الذي يغذيه عن قصد معلمو طالبان. قال سجين اخر، هو مقصود علي، الباكستاني البالغ من العمر 22 سنة: «قالت لنا طالبان انه من الافضل ان نموت على ان نستسلم. وقالوا اننا سندخل الجنة اذا متنا في ميدان المعركة».

ولكننا بعد ان استمعنا الى القصص التي يحكيها هؤلاء الرجال تبين لنا ان هناك عوامل اخرى تفعل فعلها ايضا. لا يرغب صالحيان في الحديث عن اسرته هناك في الامارات. والداه من الافغان كما قال، ولكنه شب وترعرع في الامارات العربية المتحدة. التحق بالقاعدة، منظمة اسامة بن لادن الارهابية، عام 1990 عندما كان عمره 20 عاما، وجاء الى افغانستان عام 1996 عندما استولت حركة طالبان على السلطة. المامه باللغة المحلية، الداري، ضعيف بصورة تجعله يرجع دائما الى العربية. يقول صالحيان ان مصدر الدخل الوحيد لاسرته يجيء من مبلغ الـ1200 دولار الذي يجود به عليها بن لادن. وهو يبدو خجلا من ذلك، ويقول للمراسل بسرعة انه لن يجيب على مزيد من الاسئلة في هذا الخصوص. وقال: «ان اسرتي لا تهمني». وبعد ست سنوات في افغانستان، وبعد الجفوة التي نشأت بينه وبين اسرته، اصبحت القاعدة هي اسرته الوحيدة. يقول صالحيان: «جئنا الى هنا لنعلم الناس كيف يصلون وكيف يقرأون القرآن»، وعندما تنظر اليه وهو يحرك حبات مسبحته الحمراء الغامقة، يغمرك الشعور بانه على درجة من التقوى تصل الى حد التطرف. «جئت هنا لأرى الناس بعيني. لارى هل هم مسلمون ام لا؟».

أما علي فقد وصل الى افغانستان قبل شهر واحد فقط. وكان قد دخل مدرسة دينية بمدينة بيشاور الباكستانية، ولكن المعلم طلب منه مع كل طلاب المدرسة ان يذهبوا الى القتال ضد اميركا التي بدأت حينذاك قصف افغانستان.

«قال لنا معلمونا ان اعضاء التحالف الشمالي ليسوا مسلمين حقيقيين. وقالوا لنا ان الجهاد ضدهم واجب ديني».

قضى علي اسبوعين في مدرسة مهجورة وهو يتلو القرآن وينتظر الاوامر بالذهاب الى الجبهة. وقد حذره معلموه في حركة طالبان من وقوعه في الاسر. قال: «قالوا ان التحالف الشمالي سيقتلنا، وسيضربنا، وانه سيفعل بنا كل ما يستطيع ان يفعل من الفظائع».

ظهرت بداية هذا الشهر، وبعد سقوط مدينة مزار الشريف في ايادي التحالف الشمالي، اشاعات تقول ان المئات من قوات طالبان قتلوا في ظروف غامضة بعد استسلامهم، وفي هذه الحالة سيكون قتلهم جريمة حرب. وطوال الاسبوع الماضي كان قادة التحالف الشمالي يتفادون الحديث عن مصير جنود طالبان الاجانب، ولكنهم يعترفون انهم لم يكونوا يرغبون في استسلامهم. وقال الجنرال محمد فهيم، قائد جبهة قندز الشرقية، ان كل الاجانب الذين يستسلمون سيقدمون للمحاكمة امام المحاكم الاسلامية. وامتنع عن الاجابة حول نوع العقوبة التي يمكن ان تصدر بحقهم.

وربما تكون عزلة هؤلاء المقاتلين الاجانب عن الافغان المحليين هي السبب في خوفهم من ظلم التحالف الشمالي. فاغلبهم لا يتحدثون ايا من اللغات المحلية ولا يختلطون كثيرا بالسكان المحليين.

وقد لخص امرهم عبد الجميل غلامابي حين قال: «هكذا يفكرون. انهم يعتقدون انهم سيقتلون مهما فعلوا. يقولون: «اذا قاتلت سأقتل، واذا انتحرت ساموت». واذا استسلموا فانهم سيقتلون لا محالة. ولذلك يفضلون الموت في الميدان».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»