باريس تحاكم أحد جنرالاتها لتمجيده جرائم الحرب الفرنسية في الجزائر

TT

بدأت صباح امس في قصر العدل في باريس محاكمة الجنرال بول ارساريس بتهمة «التواطؤ في تمجيد جرائم الحرب» التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر ابان حرب التحرير، والتي امتدت من عام 1954 وحتى عام 1962.

ويمثل الجنرال ارساريس امام المحكمة ليس بسبب الدور الذي لعبه في عمليات التعذيب والقتل والاهانة والتصفيات التي شارك فيها شخصيا، في ما سمي بـ«معركة الجزائر» العاصمة، وانما بسبب الكتاب الذي اصدره في الربيع الماضي، حيث برر هذه الجرائم وقدم وصفا دقيقا لها وتباهى بالقيام بها.

ويمثل الى جانب ارساريس مدير منشورات بيرين التي صدر عنها كتاب «الاجهزة الفرنسية الخاصة، الجزائر، 1955 ـ 1957»، وكذلك اوليفيه اوربان، رئيس دار بلون للنشر التي تملك منشورات بيرين.

ورغم المساعي العديدة التي قامت بها جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان في فرنسا، والدعاوى المتلاحقة التي قدمت بحق ارساريس، بتهمة «ارتكاب جرائم ضد الانسانية»، الا ان القضاء الفرنسي ردها كلها، لان النصوص القانونية الفرنسية تحصر هذا النوع من الجرائم بما ارتكبه النازيون ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.

وبموازاة ذلك، نجا ارساريس من الملاحقة بتهمة «ارتكاب جرائم جرب»، لان هذه الجرائم مشمولة بقانون العفو الفرنسي الصادر في نهاية يوليو (تموز) 1968. وبسبب هذه المعطيات القانونية، لم يكن امام المدعين من مخرج سوى ملاحقة ارساريس ومعه المسؤولين عن داري النشر، بالاستناد الى قانون قديم للصحافة يعاقب بالسجن خمس سنوات وبغرامة تصل الى 300 الف فرنك، كل من صدرت عنه كتابات تمجد جرائم الحرب. وباعتبار ان التشريع الفرنسي يعتبر منذ عام 1999 ان ما حصل في الجزائر حرب وليس اعمال شغب، فان كتاب ارساريس والمقابلات التي اعطاها لوسائل الاعلام الفرنسي، تقع تحت طائلة القانون.

وأمس عاد الجنرال الذي احاله مجلس الوزراء الفرنسي على التقاعد معاقبة له على كتاباته، كما نزع عنه وسام جوقة الشرف، الى التأكيد ان ما قام به في الجزائر من جرائم كان تنفيذا لاوامر السلطة العسكرية، وتحديدا لاوامر الجنرال ماسو الذي كان يقود القوات الفرنسية في منطقة الجزائر العسكرية. كذلك اكد ارساريس ان السلطة السياسية الفرنسية كانت على اطلاع كامل بما كان يحصل في الجزائر وتحديدا وزير العدل وقتها فرنسوا ميتران الذي اصبح رئيسا للجمهورية ما بين عامي 1981 و1995.

وروى ارساريس امس مجددا كيف قتل اثنين من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائري، لعربي بن مهيدي وعلي بو محجن، وكيف اخرج جرائمه باعتبارها «عمليات انتحار».

وكانت اعترافات ارساريس قد اعادت الى الواجهة في فرنسا احد اظلم العقود من الاستعمار الفرنسي للجزائر. وبعد اربعة عقود، ما زال الكثير من الظلال تخيم على ما فعله الفرنسيون في السنوات الاخيرة من وجودهم في الجزائر. وقد اثارت اعترافات اوساريس جدلا حادا داخل فرنسا، ففيما طالب عدد من المثقفين باغتنام الفرصة لاجلاء الحقيقة، وتقديم اعتذار للشعب الجزائري عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بحقه، اجمعت اطراف السلطة السياسية على رفض ذلك بحجة تفادي نكء الجراح.

ويبدو من المحزن ان يحاكم ارساريس لما كتبه وليس للجرائم التي ارتكبها، خصوصا انه يروي بالتفصيل كيف اعدم المئات بيديه، وكيف عذب ونكل واهان المدنيين، ومقاتلي جبهة التحرير الوطنية بحجة «محاربة الارهاب»، والحصول على المعلومات اللازمة لذلك.

وينتظر ان يصدر حكم المحكمة في هذه القضية يوم غد (الاربعاء).