مسؤول من «طالبان» قبل الاستسلام: القصف كان مروعا وبث الرعب في نفوسنا

TT

كان القصف الذي وقع قرب بلدة سبين بولداك الحدودية، المجاورة لشامان، يوم الاربعاء الماضي مريعا. فقد اهتزت ارض البلدة جراء انفجار القنابل الذي تواصل على مدى اربع ساعات من الليل وحتى الثانية صباحا. ولم ينم احد من أهل هذه البلدة التي كانت تعتبر معقلا آمنا لطالبان تلك الليلة.

ووصف نجيب الله اخوند شيرازي احد عناصر طالبان (33 عاما) ومسؤولها الامني في سبين بولداك ليلة الرعب تلك بقوله: «لقد حل بنا خوف عظيم في بداية القصف لشدته البالغة.. لقد كان مروعاً، ولكننا بعد مدة بدأنا بالاعتياد عليه قليلا». ولكن كان الذهول والاجهاد واضحين على شيرازي صباح اول من امس. وكان قد اضطر بحثا عن ملاذ آمن بعيدا عن الغارات الليلية الى النوم طيلة أسابيع في بيوت مختلفة وعبور الحدود الباكستانية جيئة وذهابا اكثر من مرة.

وبينما كان يجلس في غرفة استقبال احد بيوت اقاربه الذي يقع عبر الحدود الباكستانية قال بنبرة حزينة: «احلم بأن يخيم السلام على كل بقاع افغانستان، وانا شخص مسالم، وامنيتي الاولى والاخيرة ان يتحقق السلم والامن في افغانستان». ويؤكد شيرازي للزوار انه على استعداد للقتال حتى الموت دفاعا عن سبين بولداك، طبقا لدعوة طالبان قبل شروعها في الاستسلام.

اما ما يمسك شيرازي عن قوله، ويقوله عمه عوضا عنه، فهو انه لا يريد ان يقتل. وحتى الحديث عن الاستسلام واصدار عفو عن مقاتلي طالبان اول من امس كان شيرازي عاجزا عن الاهتداء الى خيار آخر.

وقال محمد نعيم عم شيرازي: «انه لا يريد الاستمرار مع طالبان، ولكنه عندما كشف لهم عن رغبته في الرحيل قالوا له ينبغي عليك البقاء في سبين بولداك، واصبح وضعه هناك اشبه ما يكون بالاقامة القسرية في المنزل». ويعتقد نعيم مثل الكثيرين من عناصر طالبان بان شيرازي سيعود الى بلدته التي ولد فيها ويذوب بين اهلها مع مرور الوقت. وهو يقلل من جدية المخاوف التي تنتاب شيرازي من رد فعل القوات المناهضة لطالبان من ابناء بلدته في حال قيامه بزيارة زوجته وبناته الثلاث.

ويشير الى ان القوات الافغانية المتحاربة فيما بينها مرت بالكثير خلال 23 عاما من الحرب الاهلية الى حد لا يمكنها معه الا ان تصفح وتعفو. واضاف مشيرا الى القائد القبلي الذي تقاتل قواته طالبان قرب قندهار: «ان قوات جول آغا تعمل هنا، كما ان عناصر طالبان موجودة هنا كذلك، وليس من عدواة بين الجهتين، فالقتال قتال ولكن يمكن للطرفين تنحيته جانبا في الظروف الاخرى». غير ان شيرازي يختلف مع عمه قائلا»:اني افكر في نفسي.. فأنا لست متأكدا ان كان ينبغي لي البقاء في بيتي في منطقة وارداك، ولا ادري ان كانت الظروف ستتحول ضدي ام الى صفي؟ ربما بمقدوري التوجه الى باكستان». واصبح شيرازي من بين شخصيات طالبان المعروفة بعد اشرافه على توفير الامن لعشرات الصحافيين الاجانب الذين اقاموا في سبين بولداك الى حين اعلان طالبان عن عجزها على ضمان سلامتهم. وبعد مدة وجيزة، ترك شيرازي افغانستان متجها الى كويتا في باكستان لزيارة اقاربه لمدة 4 ايام قبل ان يتجه الى سبين بولداك حيث قادة طالبان الغاضبون عليه.

ومنذ ذلك الحين، وشيرازي يعبر الحدود الدولية يوميا تقريبا فيما يمثل تحديا سافرا للاجراءات الباكستانية الرامية الى اغلاق الحدود، ومنع هرب مقاتلي طلبان والقاعدة من افغانستان. وكانت قيادة طالبان قد حظرت على شيرازي الخروج من المدينة ولو لفترات قصيرة لان عمله يتطلب منه حماية مصالح اللاجئين الافغان الذين يعبرون الحدود الباكستانية.

وبينما كان يجهز نفسه للعودة الى افغانستان وقف لبرهة من الوقت متأملا مغيب الشمس، اما نعيم فوقف مراقبا له من بعيد وهمس قائلا: «انظر اليه.. انه يبدو مثل رجل يعتريه اليأس». ثم ابتسم ابتسامة عريضة وهرع وراء ابن اخيه مصافحا، ثم تبادلا عبارات الوداع وخرج شيرازي من الباب.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»