الملا محمد عمر بنى سلطته بمساعدة طلاب الفقه والمخابرات الباكستانية والأفغان العرب

TT

انتقل الملا محمد عمر، الذي لم يتميز بقدرات خطابية، من صفوف الشباب المتحمس الذين شاركوا في قتال القوات السوفياتية التي احتلت افغانستان في الثمانينات مع المجاهدين، لكي يصبح الزعيم الروحي لطالبان. وتحيط بالملا عمر الكثير من الخرافات اكثر من الحقائق. فجذوره غير واضحة، بالرغم من الاعتقاد انه ولد عام 1959 لأسرة من المزارعين الفقراء من قبيلة هوتاك، وهي واحدة من قبائل البشتون التي تسكن جنوب افغانستان، في قرية نوده في اقليم قندهار. وقد درس في مدرسة دينية وأصبح «ملا»، وان كان تعليمه لم يكتمل بسبب الغزو السوفياتي.

وانضم عمر الى المجاهدين، وفقد عينه في معركة مع الروس. وخلال السنوات التي قضاها كمقاتل، تمكن من الزواج ثلاث مرات.

* أصل الحكاية

* وفجأة بعد خمس سنوات من الانسحاب السوفياتي عام 1989 من افغانستان، وسقوط البلاد تحت سيطرة زعماء الجماعات المتحاربة، تتردد قصة ظهور الملا عمر المفاجئ كسلطة منفردة. ففي عام 1994 تقدمت مجموعة من القرويين من الملا عمر وابلغوه كيف اختطف قائد محلي فتاتين واغتصبهما مرارا. وتضيف القصة ان عمر جمع 30 من طالبان، اي طلبة الدراسات الدينية، واقتحموا المعسكر، وانقذوا الفتاتين وشنقوا القائد على ماسورة دبابة.

ونقل احمد راشد، وهو عالم باكستاني يعتبر من اهم من كتبوا عن حركة طالبان، عن الملا عمر قوله: «نحن نقاتل ضد المسلمين الذين ضلوا الطريق.. كيف يمكننا السكوت عندما نرى الجرائم ترتكب ضد النساء والفقراء؟».

وبدأت سمعته تزداد بعد هذا العمل...

وخلال حكم طالبان الذي استمر منذ عام 1996 ازدادت سيطرة بن لادن والمقاتلين العرب على الملا عمر، وكان اوضح تلك الامثلة قراره بالسماح بتدمير تمثالي بوذا في محافظة باميان. ومع حلول يوم 11 سبتمبر (ايلول) الحالي والهجوم على نيويورك وواشنطن اصبحت افغانستان بصورة كبيرة تحت سيطرة المقاتلين العرب.

ويعتبر الكثير من خبراء الشؤون الافغانية الملا عمر أكثر الزعماء في العالم غموضا، اذ انه لا توجد حتى صورة واحدة واضحة له، لكن المقربين منه يعتبرونه رجلا بسيطا في عيشته، ويحظى باحترام قادة حركة طالبان، ويعتبرونه الزعيم الروحي للحركة التي فرضت سيطرتها على أغلب أراضي أفغانستان الجبلية الوعرة بعد حرب طاحنة بين رفقاء الجهاد الافغاني. ويبلغ الملا عمر من العمر 41 عاما، وهو اسمر السحنة طويل القامة ضخم الجثة بلحية طويلة كثيفة، وكان شيخ قرية روزجان بمقاطعة مواعند، التي تبعد عن قندهار 100 كيلومتر. ويقول المقربون منه انه بسيط للغاية في معيشته، وزاهد في الحياة.

ويرفض الملا عمر في الغالب اجراء المقابلات الصحافية الا عبر مدير مكتبه محمد طيب اغا، الذي يجيد اللغة العربية بطلاقة (تعلمها في مدارس كويتا الباكستانية)، ولم يلتق به سوى عدد قليل من سكان افغانستان الذين يبلغ تعدادهم حوالي 20 مليون نسمة. وآغا وهو شاب نحيف في العشرينات من العمر، كثيرا ما يشير الى ان الملا عمر مشغول بالتخطيط للعمليات العسكرية ضد قوات التحالف الشمالي، او تسيير امور الدولة التي كان يمسكها بقبضة من حديد.

وقال الملا عمر ذات مرة في حديث مع مجلة «الامارة الاسلامية» التي تتحدث باسم حركة طالبان «نحن لسنا ضد تعليم المرأة، ولكننا نريد ان يضبط تعليمها بالضوابط الشرعية». ويتحدث عن نفسه بقوله: «لقد واجهت اليتم في سن مبكرة، وكان عمري وقتها ثلاث سنوات، ثم نشأت وتربيت على ايدي اعمامي، وتلقيت العلوم الدينية منذ الصغر الى ان بلغت الثامنة عشرة او التاسعة عشرة. وعندما قام الشيوعيون بالانقلاب، شاركت في الجهاد ضدهم، وجرحت مرة واحدة قبل دخول الروس الى أفغانستان، ثم جرحت ثلاث مرات في الجهاد ضدهم».

ويقول المقربون من الملا عمر ومنهم السفير الافغاني السابق في بيشاور مولوي نجيب الله، وهو من اقاربه ايضا: «سبب عداء المجتمع الدولي لطالبان انها النظام الاسلامي الحقيقي في العالم وليس اعتداءات 11سبتمبر (أيلول) الماضي». واضاف لـ «الشرق الأوسط»: «الملا عمر مع جماعة من رفقائه لا يتعدون اصابع اليدين نجحوا في التخلص من زعماء الجهاد الذين اثاروا الفزع بين سكان قندهار، وكانت البداية الحقيقية لفرض سيطرة طالبان على معظم الأراضي الأفغانية عام 1996». ومن جهته يقول الملا محمد رحماني محافظ قندهار السابق، وهو من كبار قادة طالبان لـ«الشرق الأوسط»: «ان الملا عمر هو خبير مضادات الدروع «آر. بي جي» في سنوات الجهاد ضد الروس، وكان يعرف بين اخوانه في سنوات الجهاد بأنه «صائد الدبابات»، وكثير من اخوانه يذكرونه، فهو مقاتل شجاع اصطاد اكثر من 50 دبابة روسية، وفقد عينه اليمنى بسبب شظايا المدفعية الموجهة اليه، كما انه رفض اجراء جراحة تجميل، وعاش عيشة بسيط بعيدة عن الترف والرفاهية».

ويذكر ان المدارس الدينية التي تخرج منها طلبة العلم الافغان، ومنها كلية دار العلوم الحقانية، هي التي ربت جيلا جديدا، من طالبان، في مقدمتهم الملا عمر. وكلية دار العلوم الحقانية، اسسها مولانا عبد الحق في اكورا كاتاك عام 1947، وكانت قبلها مدرسة تحمل نفس الاسم، اسسها سيد احمد حسين مدني، عام 1937، وهناك الكثير من قادة طالبان تخرجوا من كلية دار العلوم، وهي مدرسة داخلية توفر للمنتسبين اليها، العلوم الدينية الشرعية، وتتسع لنحو الف طالب من باكستان وأفغانستان ووسط آسيا. وأول من انتبه الى امكانية الاستفادة من طلبة العلم، سياسيا، وزير الداخلية الباكستاني السابق نصير الله بابر، وكانت مقاطعات أفغانستان في عام 1995تشهد الكثير من عمليات السلب والنهب واغتصاب الفتيات التي يمارسها امراء الحرب من المجاهدين على تقاطع الطرق، وقرر بابر الاستفادة من طلبة الفقه والشريعة حفظة القرآن الكريم، وتبناهم شخصيا، وبدأت المخابرات الباكستانية في تدريبهم على الاسلحة الخفيفة والثقيلة، وكانت مصلحة اسلام اباد هي ايجاد حكومة موالية لهم في كابل.

وبدأ طلبة العلم في القدوم الى الملا عمر في قندهار من كويتا وبيشاور، وكونوا قوة لا يستهان بها من المدارس «المولوية» التي تحظى باحترام بين طوائف الافغان، ووصل عدد مقاتلي طالبان خلال عامين نحو 50 ألف مقاتل واستطاعوا تخليص العاصمة كابل خلال ثلاث ساعات من قبضة «العصابات الجهادية».

وولدت زعامة الملا عمر المولود في قرية روزجان بمقاطعة مواعند، التي تبعد عن قندهار نحو 100كيلومتر، وسط شعور بالاحباط واليأس أججته حرب ضروس بين فصائل المجاهدين الذين هزموا الاحتلال السوفياتي ثم انقلبوا على بعضهم البعض، وفي عام 1992وطيلة عامين كان قادة المجاهدين يتبادلون القصف بالصواريخ مما حول مراكز القيادة في كابل الى أكوام من الانقاض بينما هرب أغلب سكان العاصمة في هجرات جماعية الى باكستان المجاورة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1994استولت طالبان على قندهار، ثاني أكبر مدينة أفغانية، وبدا واضحا أنها تلقى تأييدا عسكريا من باكستان. وفي عام 1995كان الملا عمر ومقاتلوه الشبان يكتسحون شمال أفغانستان واستولوا على العاصمة كابل في 1996، ولتحقيق هذا قام الملا عمر بعمل درامي، إذ أخرج عباءة يزعم انها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من مزار مقدس في قندهار، ووقف على سطح مبنى وقد لفها على نفسه وسط هتافات انصاره الذين اجتمعوا أسفل المبني. وكانت النتيجة اعلان الجهاد ضد الرئيس برهان الدين رباني، وسقطت كابل في 26 سبتمبر، 1996وبقي الملا عمر في قندهار، التي اصبحت بمثابة العاصمة الدينية لطالبان، حتى سقوطها في ايدي خصومه امس.

*خدمة «نيوز داي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»