أبو ردينة يتهم إسرائيل بالعمل على نسف الجهود الأميركية والمصرية بغاراتها على مركز قيادة للشرطة الفلسطينية وسط مدينة غزة

TT

اتهم مسؤول فلسطيني رفيع المستوى حكومة ارييل شارون ببذل اقصى الجهود لتخريب المحاولات الاميركية والمصرية لاستعادة الهدوء في الاراضي الفلسطينية وتطبيق توصيات ميتشل وتفاهم تينيت، تمهيدا لاستئناف مفاوضات السلام المتوقفة منذ مجيء شارون الى الحكم في اسرائيل في مارس (اذار) الماضي.

وحمل نبيل ابو ردينة المستشار الاعلامي باسم الرئيس عرفات حكومة شارون مسؤولية التصعيد العسكري بعدوانها على مركز قيادة الشرطة في مدينة غزة، مستخدمة بذلك الطائرات الحربية من طراز اف 16 الاميركية الصنع، فجر امس واسفرت عن اصابة 20 شخصا.

في غضون ذلك اعلن وزير الخارجية المصري احمد ماهر امس فشل المهة التي قام بها في اسرائيل والتقى خلالها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ووزير خارجيته شيمعون بيريس. وهي اول زيارة لوزير خارجية مصري لاسرائيل منذ حوالي 6 سنوات. وقال ماهر لدى عودته الى القاهرة فجر امس، ان محادثاته مع المسؤولين الاسرائيليين «لم تؤد الى اتفاق في الآراء». وقال ابو ردينة لـ «الشرق الاوسط» ان المقاتلات الاسرائيلية من طراز اف 16 قامت بضرب مقار قيادة الشرطة الفلسطينية في مدينة غزة وقت السحور لدليل واضح على انها تسعى لعرقلة الجهود الاميركية والمصرية الرامية للخروج من دوامة العنف والازمة الخطيرة والمتفجرة التي تمر فيها المنطقة. واضاف ابو ردينة «ان هذه الاعتداءات جاءت بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية المصري لاسرائيل والسلطة الفلسطينية وبعد اقل من 8 ساعات على الاجتماع الناجح والمثمر والممتاز بين الوسيط الاميركي الجنرال انتوني زيني والرئيس عرفات». وتابع ابو ردينة القول ان ما قامت به الطائرات الحربية الاسرائيلية هو عملية ارهابية جاءت في الوقت الذي كان الناس يتناولون فيه طعام السحور. ولم تترك نافذة في مدينة غزة الا وتحطم زجاجها.

والدليل الذي اتى به ابو ردينة على نجاح اجتماع زيني مع الرئيس عرفات هو لقاؤه من قادة الاجهزة الامنية الفلسطينية وكذلك الاتفاق على الاجتماع الامني الثلاثي تحت رعايته الذي عقد امس عند معبر ايريز، الفاصل بين شمال قطاع غزة واسرائيل.

وقال ابو ردينة «ان حكومة شارون غير معنية على الاطلاق في عملية السلام والتوصل الى حل بل تركز كل جهودها على الانتقام والقتل». وطالب زيني بمضاعفة الجهود لوقف العنف، لكن الرئيس عرفات اوضح له انه لا يستطيع ان يفعل ذلك بكفاءة والدبابات الاسرائيلية لا تزال على بعد مئات الامتار من مكتبي ومع استمر الحصار الاقتصادي وعمليات القتل والاغتيال مستمرة» وحسب ابو ردينة فان زيني «كان متفهما لكل ما طرحه الرئيس عرفات وخرج مرتاحا من الاجتماع وتعهد بترتيب لقاء بيننا وبينهم. لكن الواضح ان شارون غير معني بالخروج من هذه الازمة».

وكانت مقاتلات اسرائيل من طراز اف 16 قد شنت في الساعة الثالثة من فجر امس، غارات مكثفة على مركز قيادة الشؤون الادارية للشرطة الفلسطينية في حي الرمال في مدينة غزة ودمرت المبنى المكون من 4 طوابق بعد اصابته بصاروخ زنة 2000 رطل على حد قول مصدر امني فلسطيني، تدميرا كاملا، وخلفت وراءها ما لا يقل عن عشرين جريحا 18 منهم من رجال الشرطة ومدنيان. وبررت اسرائيل هذا العدوان بان هذا المركز يستخدم لتصنيع قذائف هاون. بينما قال متحدث اسرائيلي انها جاءت ردا على استمرار سقوط قذائف الهاون على المستوطنات وموقع الجيش الاسرائيلي. وزعم المتحدث بان 12 قذيفة هاون سقطت على اهداف اسرائيلية في القطاع. والحق العدوان الاسرائيلي اضرارا جسيمة في اربعة مبان اخرى وتسبب بتصدع مبان مجاورة في حي الرمال، احد ارقى احياء المدينة.

وفي هذا السياق واصلت قوات الاحتلال من عملياتها في القطاع. فقامت دبابات ترافقها الجرافات في التوغل فجر امس مئات الامتار في شرق خان يونس وغربها، في جنوب القطاع، واعتقلت خلال العملية عددا من الفلسطينيين، لكنها فشلت في اعتقال عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطيني، حسب ما جاء في بيان للجبهة تلقت «الشرق الاوسط» نسخة عنه. وقالت الجبهة في بيانها ان القوات الاسرائيلية اقتحمت منزل ابو دقة في منطقة الفراحين في قرية عبسان الكبيرة شرق خان يونس بعد تطويقه بقوات كبيرة، وعندما فشلت في اعتقاله اعتقلت شقيقه واعتدت على والده وعائلته بالضرب وحطمت محتويات المنزل واثاثه. وبعد ان ادانت الجبهة هذا الاعتداء اكدت ان الطريق الوحيد لمجابهة الحكومة الاسرائيلية التي وصفتها بالاجرامية، هو برص الصفوف وتعزيز الوحدة الوطنية ومواصلة وتصعيد الانتفاضة.

وجاءت هذه الاعتداءات بعد حوالي الساعتين من مغادرة ماهر اسرائيل عائدا الى القاهرة، حيث اعلن وبشكل صريح فشل مهمته في اسرائيل لوقف اطلاق النار. ويخيم خطر الفشل على مهمة مبعوث السلام الاميركي ايضا ولا يستبعد الاعلان عن اعادته الى واشنطن.

وكان الوزير المصري قد حاول ان يتوصل الى التفاهم مع شارون لضمان اجراء مفاوضات سياسية جادة بين اسرائيل وفلسطين، بعد انتهاء الصدامات، والعمليات المسلحة. الا ان شارون رفض التعهد بذلك. وقال انه يرفض ان تتحول الوساطة من أجل وقف النار، الى مفاوضات سياسية بحد ذاتها. وسيكون مستعدا للرد على هذا الموضوع، فقط بعد ان يرى ان هناك وقف اطلاق نار ثابتا ودائما وليس مؤقتا او صوريا.

ومن الواضح ان الموقف الاسرائيلي التصعيدي ما زال يحظى بالتماثل التام من طرف الولايات المتحدة، وذكر مصدر سياسي اسرائيلي، امس، ان الادارة الاميركية لم تطلب من اسرائيل وقف او حتى تخفيف هجماتها، وعلى العكس فان جميع المتحدثين باسمها يهاجمون عرفات ويتهمونه بالخداع. ويقولون له انهم لن يسمحوا له بتكرار فعلته «عندما طلب امهاله فترة، بعد العملية الانتحارية في تل ابيب في مايو (ايار) الماضي، ثم نسي وعده وتجددت العمليات مرة اخرى».

ونقلت مصادر اسرائيلية سياسية، امس، على لسان الاميركيين انهم قالوا ان «عرفات لا يفهم سوى لغة الضغط. وان الرئيس الاميركي جورج بوش مقتنع تماما بان لغة الاحتضان التي اتبعها الرئيس السابق بيل كلينتون قد فشلت. وانه، اي بوش، لن يعود الى تلك السياسة. وسيواصل الضغط على عرفات حتى ينفذ كل ما هو مطلوب منه لقطع دابر الارهاب.

يذكر ان الادارة الاميركية وجهت الى عرفات، حسب مصادر اسرائيلية عليا، 19 مطلبا تفصيليا. وهددته بفرض الحرمان عليه وعلى السلطة الفلسطينية اذا لم يستجب لها. ومن هذه المطالب «اعتقال كل من له صلة، ولو بسيطة، بعمليات الارهاب، اعتقال رادع لمشبوهين والتحقيق معهم بجدية، اغلاق كل المشاغل التي تستخدم لصنع الاسلحة او الذخيرة في جميع انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، مصادرة الاسلحة من المواطنين المدنيين، الشرعية منها وغير الشرعية، قطع دابر عمليات تهريب الاسلحة، فرض رقابة متواصلة على التنظيمات التي تؤمن بالعمل المسلح، نشر قوات فلسطينية تابعة للسلطة في كل المواقع التي سبق ان اطلقت منها النيران باتجاه اهداف اسرائيلية، مراقبة المساجد وما يدور فيها من نشاطات سياسية وعسكرية، مراقبة شكل دخول الاموال الى تلك التنظيمات، التمهيد لوقف اي نشاط للتنظيمات التي تتعاطى الارهاب».

ويثير هذا الموقف الاميركي ارتياحا بالغا في اسرائيل، لدرجة ان بعض الاوساط السياسية والاعلامية اعربت عن مفاجأتها منه. وقالت ان الادارة الاميركية مصرة على تنفيذ هذه المطالب وانتظار نتائجها على الارض، قبل ان تستأنف المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية . وبناء عليه، فانها لا تستبعد ان تجمد مهمة زيني، حاليا، وان يعاد الى واشنطن حتى تنضج الظروف لاعادته. وفي هذه الاثناء، يتاح لاسرائيل ان تواصل الضغط على عرفات بمواصلة الضغط العسكري.

الجدير ذكره ان اسرائيل فوجئت بزيارة ماهر، ولم تعرف كيف تتصرف ازاءها. فقد رأت في مجرد الزيارة خطوة ايجابية، اذ انها اول زيارة على هذا المستوى منذ ست سنوات وان الرئيس المصري، حسني مبارك، يتخذ موقفا سلبيا جدا من شارون. وفوجئت ايضا من كلمات الوزير ماهر عن شارون «انت رجل قوي وشجاع، وبمقدورك ان تحقق السلام في الشرق الاوسط». وحسبت زيارته تتويجا لجهود سابقة خصوصا عندما قال: «نحن مختلفان على الطريقة. لكن الهدف النهائي واحد ألا وهو الوصول الى دولة فلسطينية». ولكن القادة الاسرائيليين الاربعة الذين قابلوه وهم الرئيس موشيه قصاب ووزيرا الخارجية والدفاع شيمعون وبيريس وبنيامين بن اليعزر، اضافة الى شارون لم يستطيعوا التجاوب معه ولم يجرؤوا على الاقدام بشجاعة على اتخاذ خطوات جريئة باتجاه وقف الهجوم الحربي واستئناف مفاوضات السلام.

ومع ذلك اشاد الاسرائيليون الرسميون بموقف مصر، المعنية بوقف العمليات المسلحة واستئناف الحوار «حتى لو كان هدفها انقاذ عرفات وسلطته الوطنية».

ولكن في اوساط اليمين الاسرائيلي بدأوا يهاجمون مصر ويتهمونها بخداع العالم ونصب فخ للقيادة الاسرائيلية لاظهارها هي الرافضة وليس عرفات.