إسرائيل تقرر الاستمرار في حربها ضد الفلسطينيين وتصعيد الاغتيالات

TT

في الوقت الذي اعلن فيه الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، عن اعتقال 20 شخصا من مجموع 33 فلسطينيا طلبت الولايات المتحدة اعتقالهم وعن استمرار الجهود لاعتقال الباقين، ردت الحكومة الاسرائيلية بالقول ان هذه اعتقالات صورية، وقررت الاستمرار في حربها على السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبار انها «سلطة تدعم الارهاب» وتصعيد عمليات الاغتيال ورفع مستواها لتطول قيادات الصنف الثاني تزعم اسرائيل انهم «مدبرو العمليات الارهابية».

واعلن مسؤول سياسي كبير امس ان الهجوم لن يتوقف، الا اذا رأت اسرائيل «جهودا جدية لدى السلطة الفلسطينية لمنع العمليات الارهابية منعا تاما». وترجم هذا الاعلان بشكل فعلي، طيلة ساعات الفجر وصباح امس، بواسطة عمليات قصف متواصلة على مؤسسات أمنية فلسطينية (الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة والقوة 17) في رفح وخان يونس، بواسطة صواريخ جو ـ ارض من طائرات «أباتشي» الأميركية الصنع. واغتالت الشابين لؤي سليم وعايد عليان، قرب نابلس، بعد اصابتهما بجراح.. ثم منع الاسعاف الفلسطيني الذين وصلوا الى المكان من الاقتراب منهما، ثم اعدامهما رميا بالرصاص عن قرب. كما توفي نايف فارس (70 عاما) على حاجز اسرائيلي، لأن الجنود لم يسمحوا له بالعبور.

وكان قادة الاجهزة الأمنية الاسرائيليون والفلسطينيون قد اجتمعوا معا، في بيت السفير الأميركي في اسرائيل، اول من امس برعاية مبعوث السلام الأميركي الجنرال انتوني زيني. وتباحثوا في شروط وقف اطلاق النار. وبدا ان الهوة ما زالت كبيرة بينهما. الا ان الجنرال زيني قال ان هناك تقدما طفيفا.

ولم تمض بضع ساعات على انتهاء اللقاء، حتى شنت قوات الاحتلال غاراتها.

وكشف مصدر عسكري اسرائيلي عن «تسعيرة» خاصة للهجمات الحربية، على النحو التالي: مقابل كل اطلاق رصاص فلسطيني، ترد اسرائيل بالقصف بالدبابات او المدافع ومطاردة من يكتشف بذلك. ومقابل كل قذيفة هاون باتجاه موقع عسكري او استيطاني اسرائيلي، ترد اسرائيل بالغازات الجوية. وعند أي انذار يصل عن نية فلسطيني فرد او مجموعة، القيام بعملية عسكرية داخل اسرائيل، فان اسرائيل سترد باغتيال منفذ العملية قبل تنفيذها واغتيال مدبري العملية وهدم بيوتهم وشن غارات قاسية على مقرات السلطة والرئيس ياسر عرفات، اذا نجحت العملية.

وبالاضافة الى كل ذلك، فان قوات الاحتلال تواصل تشديد الحصار الخانق على المدن والبلدات الفلسطينية، وتقضي على امكانيات التحرك الاقتصادي وتخنق المواطنين وتحول بلداتهم الى مدن اشباح، خصوصا المدن التي ما زالت تحتل اجزاء واسعة منها (مثل رام الله والبيرة وقلقيلية وطولكرم وجنين ونابلس). وهناك تدمير شامل للمنتوجات الزراعية، اذ لا يستطيع الفلاحون دخول اراضيهم من جراء حواجز الاحتلال المكثفة، واطلاق الرصاص على كل من يخالف الاوامر. ويتحدث الناس هنا عن كارثة اقتصادية في المناطق الفلسطينية، عشية عيد الفطر المبارك.

يذكر ان الرئيس عرفات، ظهر في مقابلة مع التلفزيون العبري (القناة الأولى) الليلة قبل الماضية، شكا فيها من اجراءات الاحتلال البشعة واتهم الحكومة الاسرائيلية بمنعه من القيام بالاجراءات لوقف النار.

وقال عرفات، في هذه المقابلة، ان العمليات الانتحارية التي يقوم بها شباب فلسطينيون يائسون ضد المدنيين الاسرائيليين، هي اولا وقبل كل شيء ضد الشعب الفلسطيني. فمن يرسلونهم يعرفون انها تعود بالضرر على المصالح الفلسطينية وعلى علاقات القيادة الفلسطينية بدول العالم. لهذا، فان مزاعم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، بأن السلطة معنية بهذه العمليات وتقف وراءها هي مزاعم كاذبة، وتخفي مخططا مرعبا لاغراق المنطقة بالدماء وافشال الجهود للتسوية السياسية.

وكشف عرفات ان اسرائيل لم تتقدم اليه بقائمة اعتقالات مطلوبين. انما القائمة سلمها له الجنرال زيني، وتضم 33 فلسطينيا. وقال: وعندما تسلمناها كان سبعة منهم معتقلين. وخلال 24 ساعة اعتقلنا 13 فلسطينيا آخرين منهم. وما زلنا نواصل الاعتقالات. لكن حكومتكم تمنعنا من نقل المعتقلين من جنين الى رام الله. وتواصل تهديدها بقصف المعتقلات».

وانفجر عرفات، خلال اللقاء، عندما سأله الصحافي عن رأيه في الانتقادات الأميركية له. فراح يصرخ: «لا تقل لي أميركا. أميركا تقف معكم بكل شيء. تعطيكم السلاح. تعطيكم المال. تعطيكم الدعم السياسي. تؤيدكم في كل شيء».

واختتم عرفات اللقاء بتوجيه رسالة الى الشعب في اسرائيل، قال فيها: «نحن ما زلنا متمسكين بعملية السلام. ونمد ايدينا اليكم من اجل السلام، من اجل اطفالكم واطفالنا».

وطلب التلفزيون الاسرائيلي رد فعل مكتب رئيس الحكومة شارون، على تصريحات عرفات. فتلقى الرد التالي: «.. نحن في الواقع نستغرب كيف يمكن ان نعيش في حرب مع الارهاب، وما زلنا ندفن امواتنا من ضحايا الارهاب ولم نتمم بعد ايام الحداد عليهم، والتلفزيون الاسرائيلي يمنح هذا المنبر كل هذا الوقت (حوالي 10 دقائق) لرئيس السلطة التي تدعم الارهاب».

ولكن ناطقا سياسيا باسم الحكومة وجد نفسه مضطرا الى الرد على اتهامات عرفات، خصوصا بعد ان بدا هناك تجاوب معها. فقال: «الاعتقالات الفلسطينية وهمية. فقد قام رجال المخابرات بالاتصال بالهاتف بالمطلوبين، ودعوهم لأن يسلموا انفسهم لاعتقالهم في بيوت سكنية عادية. واخبروهم ان مدة الاعتقال ستكون اسبوعين ـ ثلاثة حتى يغادر الجنرال زيني المنطقة. ولم يجر أي تحقيق معهم ولن توجه اليهم لوائح اتهام».

من الجدير بالذكر ان مصادر اعلامية نقلت عن شارون الحديث في نهاية الاسبوع الماضي عن قبر السلطة الفلسطينية. وكتب الصحافيان واسعا الاطلاع، ناحوم بارنياع وشمعون شيفي («يديعوت احرونوت» ملحق السبت، (امس) انه عبر عن غيظه من موقف نائبه ووزير خارجيته شيمعون بيريس، الذي قال في تصريح علني انه لن يسمح لحكومة شارون ان تقبر السلطة الفلسطينية. وان هذا هو خط احمر بالنسبة له. فقال شارون لمساعديه: انه يريد لها ان تقبرنا قبل ان نقبرها. لا. انا مستعد لاقبرها، وليفعل بيريس ما يشاء».

الى ذلك ناشد كبير المفاوضين الفلسطينين صائب عريقات الولايات المتحدة بضبط اسرائيل بعد الغارات الجوية التي شنتها المروحيات الاسرائيلية من طراز اباتشي على مواقع ومقار لاجهزة الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة وامن الرئاسة (القوة 17) في مدينتي رفح وخان يونس جنوب غزة.

وقال عريقات في تصريحات له: ان رفض واشنطن ادانة الاعتداءات الاسرائيلية سيعمل فقط على تشجيع شارون على مواصلة الضرب. وحث عريقات الرئيس الأميركي جورج بوش على القول لشارون، من اجل السلام، «انت ليس لديك الضوء الأخضر. وانه ليس لذلك حل عسكري».

يذكر ان واشنطن كانت في اعتداءات سابقة تدعو اسرائيل الى ضبط النفس، لكنها اعربت عن تأييدها للاعتداءات الاخيرة، عبر تصريحات صدرت عن اكثر من مسؤول تقول «ان من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها ردا على العمليات الانتحارية الاخيرة» وهو ما فسر على انه ضوء اخضر لمواصلة العمليات العسكرية.