ميقاتي لـ«الشرق الأوسط»: تغيير حكومة الحريري غير مطروح ولبنان تأثر بالحرب على الإرهاب لكنه سبّاق في مكافحته

TT

اكد وزير الاشغال العامة والنقل اللبناني نجيب ميقاتي ان التغيير الحكومي في لبنان غير مطروح لاسباب داخلية واخرى تتصل بالتطورات الاقليمية والدولية الجارية وذلك خلافاً لما يتردد في بعض الاوساط والصالونات السياسية عن احتمال حصول هذا التغيير، لكنه شدد على ان بقاء الحكومة او تغييرها يبقى مرهونا باستمرار ثقة مجلس النواب بها او عدم استمرارها، واشار الى ان لبنان تأثر بعض الشيء اقتصادياً ومالياً كغيره من دول العالم بفعل الحرب الاميركية على الارهاب، واكد ان لبنان، من حيث القوانين المرعية الاجراء لديه، يعتبر سباقاً في العقوبات والاجراءات التي تتخذ لمكافحة الارهاب، ودعا الى قيام اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي بما يمكن العرب من ان يكونوا قوة يحسب لها حساب في اطار شبكة التوازنات والعلاقات الدولية القائمة.

واجرت «الشرق الأوسط» مع الوزير ميقاتي الحوار الآتي:

* بعدما بدأت الحرب الاميركية على افغانستان تضع اوزارها ويجري البحث حالياً في تأليف حكومة افغانية لنظام افغاني جديد، ماذا تتوقعون لمستقبل التعاطي الاميركي مع القضايا الاقليمية والدولية المطروحة؟

ـ ان الحرب الاميركية على الارهاب لا يبدو أنها بدأت بأفغانستان لتنتهي بها، بل تبدو مستمرة بدليل التصريحات اليومية للمسؤولين في الادارة الاميركية وتلميحاتهم لدول عربية وغير عربية، لكن آمل ان تخف وتيرة هذه الحرب لمصلحة البحث عن حلول لكثير من القضايا التي يشكل بعضها اسباباً فعلية مباشرة وغير مباشرة للارهاب من اجل ان يؤدي ذلك الى تحول في السياسة الاميركية الاقليمية والدولية في اتجاه اعادة ترميم علاقات واشنطن مع كثير من الدول، ولا سيما منها دول العالم الاسلامي التي تأثرت سلباً بردود الفعل والمضاعفات التي تلت احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي نتيجة الى ما تعرض له رعاياها ومصالحها في الولايات المتحدة الاميركية وخارجها من اعتداءات انتقامية غير مبررة دلت على وجود نزعة عنصرية في الغرب ضد العرب والمسلمين. واعتقد اننا سنشهد في المدى المنظور والقريب مزيداً من الحركة الاميركية على الصعيدين الاقليمي والدولي في اتجاه تحريك المعالجات لعدد من القضايا والنزاعات الاقليمية والدولية.

* هل تقصد مما قلت ان سبب ما حصل في واشنطن ونيويورك هو استمرار ازمة الشرق الأوسط بلا حلول، واستمرار اسرائيل في هيمنتها وغطرستها وبطشها في فلسطين وضد العرب عموماً؟

ـ نعم، هذا هو الواقع، العرب والمسلمون عموماً ما فكروا يوما ولن يفكروا مستقبلاً في ممارسة الارهاب او دعم الاعمال الارهابية، كل ما قاموا به حتى اليوم هو اعمال غايتها مواجهة الارهاب الاسرائيلي الذي تمارسه اسرائيل ضدهم، واذا تطرف احد منهم فإن تطرفه ما هو الا رد فعل على التطرف الاسرائيلي، وقد ثبت للقاصي والداني بعد احداث 11 سبتمبر الماضي في واشنطن ونيويورك ان هذه الاحداث، كائنا من كان الذي يقف وراءها، انما حصلت كردة فعل من فريق يجد نفسه متضرراً من السياسة الاميركية. بل ان كثيرين يقولون ان الانحياز الاميركي المستمر الى جانب اسرائيل قد يكون احد اسباب ما حصل، وان على الادارة الاميركية ان تعيد النظر في سياستها الشرق اوسطية في الاتجاه الذي يؤدي الى تنفيذ مقررات الشرعية الدولية ومبادئ مؤتمر السلام في مدريد الذي رعته، بما يؤدي الى تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة. وعندها فان كثيراً من اسباب الارهاب ستزول. وقد سمعنا كثيراً من المسؤولين العرب يقولون هذا الكلام لواشنطن. ولذلك فان المطلوب من الولايات المتحدة ان تعالج اسباب الارهاب قبل معالجة نتائجه، وأبرز اسبابه هو استمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية المحتلة، هذا الاحتلال الذي تدعمه وترعاه منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين في 1948 وحتى اليوم. وآمل ان يكون التحرك الاميركي الحالي في شأن عملية السلام في المنطقة تحركاً جدياً اكثر من اي وقت مضى، وما نرجوه هو ان يتوخى هذا التحرك تحقيق السلام الذي ينشده العرب، وهو السلام الشامل والعادل الذي يعيد مزارع شبعا المحتلة للبنان والجولان لسورية، ويعطي الفلسطينيين حقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين منهم الى اراضيهم. وان غداً لناظره قريب لنرى ونحكم على نوايا الولايات المتحدة وتوجهاتها وصدقيتها.

* هل تضع الخطة الاميركية التي اعلنها وزير الخارجية الاميركي كولن باول وايفاد مساعده وليام بيرنز والجنرال انتوني زيني الى المنطقة في اطار هذه الحركة الاميركية؟

ـ من المؤكد ان هذه الخطة والتحرك الاميركيين يندرجان في اطار سعي واشنطن الى ترميم علاقاتها بالعالمين العربي والاسلامي لانها ادركت في ضوء ما حصل بعد احداث 11 سبتمبر انها لا تستطيع ان تقف في موقف المعادي للعرب والمسلمين او في موقع يجعلها محط كراهية وانتقاد وربما محاربة لديهم.

* لوحظ ان بيرنز وزيني استثنيا لبنان وسورية من جولتهما في المنطقة في مرحلتها الاولى، الا ترون ذلك استمراراً للتجاهل الاميركي للمسارين اللبناني والسوري؟

ـ اعتقد ان الادارة الاميركية التي لم تبد في بداية ولاية الرئيس جورج بوش اهتماماًَ بالسلام في الشرق الاوسط ايقنت بعد احداث 11 سبتمبر ان ايجاد حل للنزاع العربي ـ الاسرائيلي بات ضرورة من الضرورات. ويبدو ان واشنطن تعطي اولوية للمسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي تبعاً للمراحل المتقدمة التي بلغها هذا المسار الذي يتعثر بفعل الهروب الاسرائيلي الدائم من استحقاق الاقرار بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم على رغم مآخذنا وملاحظاتنا على اتفاقات اوسلو التي تفرد الفلسطينيون بعقدها مع اسرائيل ولم ينسقوا في شأنها مع لبنان وسورية والعرب، ولذا فان رزنامة التحرك الاميركي تشير الى وجود توجه لتهدئة الجبهة الفلسطينية ـ الاسرائيلية، ثم ايجاد تسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ومن ثم الانطلاق الى الاهتمام بالمسارين اللبناني والسوري. ولكننا في المقابل نرفض اي تجزئة للحل الذي نريده ان يكون شاملاً وعادلاً وكاملاً بعيداً عن منطق الاستفراد بهذه الدولة العربية او تلك.

* لقد قرر لبنان وسورية اعداد رد مشترك على القرار الدولي 1373 المتعلق بمكافحة الارهاب، هل لديك معطيات عن طبيعة هذا الرد؟

ـ اعتقد ان هذا الرد سينطلق من الثوابت اللبنانية ـ السورية المعروفة وهي التمييز بين الارهاب والمقاومة، وتقديم تعريف واضح للارهاب، خصوصاً ان القرار 1373 لم يتضمن هذا التعريف. كذلك فإن الرد سيشدد على ايجاد المعالجة للاسباب الحقيقية لهذا الارهاب، وهي اسباب يتصل بعضها باستمرار ازمة المنطقة والانحياز الاميركي الدائم الى الموقف الاسرائيلي. مع العلم اننا في لبنان لن نتأثر بالقرار 1373 لأن قوانيننا المرعية الاجراء اكثر شدة في التعاطي مع الجرائم التي يحددها هذا القرار، وعليه نحن سباقون بين الدول من حيث العقوبات والاجراءات الخاصة بمكافحة الارهاب.

* ما هي الانعكاسات التي تركتها الحرب الاميركية على الارهاب على الوضع اللبناني الاقتصادي والمالي؟

ـ لم نشهد اي انعكاسات سلبية ملحوظة، ولكن لبنان هو جزء من المنطقة العربية والعالم وقد تأثر كما تأثرت اقتصادياً ومالياً بنسبة ضئيلة لم تشكل خطراً على وضعه الاقتصادي والمالي الذي يعاني اصلاً مشكلات ويحتاج الى معالجات. وفي اي حال فإن ما حصل ينبغي ان يكون حافزاً للبنان والعرب على اقامة السوق العربية المشتركة التي من شأنها ان تحول العرب الى قوة دولية يحسب لها حساب في اطار شبكة التوازنات والعلاقات الدولية. واذا كنا نريد فعلاً مواكبة روح العصر ونسير في ركب التطور السياسي والاقتصادي فان لا سبيل لنا الى ذلك الا بقيام الاتحاد الاقتصادي العربي على غرار الاتحاد الاوروبي. فأوروبا اتحدت بسهولة على رغم اختلاف قومياتها واعراقها فماذا ينقص العرب الذين يجمعهم تاريخ واحد ولغة واحدة ورقعة جغرافية واحدة حتى يتحدوا؟

* بدأت تتردد في الاوساط معلومات وسيناريوهات عن اجراء تغيير حكومي بعد اقرار موازنة الدولة لسنة 2002 في مجلس النواب، فهل هذا التغيير وارد؟

ـ اولاً ان استمرار حكومتنا او عدمه يبقى مرهوناً باستمرار ثقة مجلس النواب بها او عدمها، فالحكومة تمارس مسؤولياتها انطلاقاً من الثقة التي منحها اياها مجلس النواب وطالما ان هذه الثقة مستمرة فان الحكومة مستمرة. وهذا هو منطق النظام الجمهوري البرلماني الديمقراطي. نعم هناك مجالات لم تحقق الحكومة نجاحات فيها، وهناك اداء سيء هنا او هناك في هذه الوزارة او تلك، ولكن اعتقد ان التغيير الحكومي غير مطروح في هذه المرحلة ليس لاسباب داخلية فقط وانما لاسباب تتصل بالتطورات الجارية في الساحتين الاقليمية والدولية. ولا اقول هذا الكلام من باب التعمية عن تغيير مطروح وانما انطلاقاً من المعطيات الواقعية والموضوعية القائمة. واي تغيير قد يحصل فانه سيكون في اوانه.

=