كرزاي وعبد الخالق.. نموذج للزعامة المستقبلية في أفغانستان

زعيمان قبليان عاشا في المنفى وأدركا عدم قدرة النظام التقليدي إلى صنع السلام والتقدم

TT

رغم ان النظام القبلي السائد في افغانستان منذ قرون لا صلة له بمعظم مفاهيم الحداثة، فان العاكفين على تشكيل مستقبل هذه البلاد يراهنون عليه بشدة للخروج من دائرة القتال والعنف وتدشين بداية جديدة.

ويمكن ترجمة هذا الرهان الى سؤال بسيط هو: هل لا يزال زعماء القبائل يتمتعون بسلطة تقليدية كافية تساعد على اعادة بناء البلاد في القرن الواحد والعشرين، ام ان سلطتهم تلك تآكلت بسبب الحرب ومع مرور الوقت؟ يعتقد كثيرون ان فرص افغانستان في تحقيق مستقبل سلمي تكمن في الاجابة على هذا السؤال، وتختلف الاجابات عليه بشكل حاد، بينما يعرب بعض المتخصصين عن قدر اكبر من التشاؤم. يقول عبد الستار المتخصص بتاريخ بلاده الاجتماعي ومدير مجموعة خاصة لازالة الالغام في افغانستان «انه مجتمع مختلف اليوم ولهذا فان انتقال السلطة الى زعماء القبائل لن يكون امرا مجديا لان سلطتهم الاخلاقية باتت ضعيفة جدا». ويختلف مع هذا الرأي غلام سروار برالزاي الزعيم القبلي البشتوني الباكستاني الذي يقول «يصل عمر هذا النظام (القبلي) الى 2000 عام ولن يختفي ببساطة، فهو يدور حول تحاور الاطراف المختلفة وشملها لا استثنائها وعدم اللجوء الى حل المشاكل من خلال القوة، وهذا ما تحتاجه افغانستان اليوم».

وهناك اجماع وسط هذه الاختلافات على امر واحد هو خطورة المرحلة المقبلة. اذ ينظر الى اختيار حامد كرزاي (43 عاما)، القائد البشتوني المناهض لطالبان خلال الاسبوع الماضي لقيادة الحكومة المؤقتة، كخطوة مهمة في طريق ترميم النظام القبلي. ورغم ما ناله من تعليم جيد فانه يستمد قوته من كونه زعيما لقبيلة بوبولزاي التي يرجع افرادها، الذين يصل عددهم الى نصف مليون شخص، اصلها مباشرة الى قبيلة دوراني التي يتحدر منها محمد ظاهر شاه ملك افغانستان السابق.

وكانت الحملة العسكرية التي قادها كرزاي ضد آخر معاقل طالبان في قندهار قد انطلقت من اوروزغان التي تقطنها قبيلته. وينظر كثيرون اليه على انه من بين مجموعة صغيرة من زعماء القبائل الافغانية من الشبان الذين يمكنهم تجسير الهوة الفاصلة بين الماضي والمستقبل واستغلال روابطهم القبلية لاغراء افغانستان للعبور الى العصر الحديث. وكان هؤلاء بعد اضطرارهم الى العيش في المنفى خلال الاضطرابات الطويلة التي تعرضت لها بلادهم بعد اعتبارهم مصدرا للخطر بسبب مكانتهم القبلية قد تلقوا تعليما جيدا واحتكوا بالغرب بصورة لم تتوفر للجيل السابق من الزعماء القبليين.

يقول درويش دوراني استاذ الادب الانجليزي في معهد العلوم الحكومية في كويتا ان «الناس تؤيد كرزاي لان من صفوف عائلته خرج زعماء قبائل على مدى قرون، ونحن لا نريد لمثل هذه الامور ان تظل ذات وزن في المدى الطويل لانها تتناقض مع ما هو سائد في العصر الحديث، ولكننا في هذا الوقت بالذات بحاجة لها».

كما ينظر على نطاق واسع الى عبد الخالق (43 عاما) زعيم قبيلة نورزاي على انه يتمتع برؤية تتجاوز جذوره القبلية وتمنحه سلطة داخل بلاده. وهذا ما جعله صاحب السلطة على الاقاليم الجنوبية الغربية في فرح ونمروز منذ انسحاب قوات طالبان منها في الشهر الماضي. كما لعب عبد الخالق دورا مهما في حسم الخلافات القبلية وانقاذ المفاوضات التي افضت الى سقوط بلدة سبين بولداك الحدودية المهمة يوم الجمعة الماضي. وكانت السنوات التي قضاها في المنفى، حيث لا تزال عائلته تعيش في منطقة سان دييغو الاميركية، قد وسعت من منظوره الى الامور، اذ يؤكد المحيطون به على تجاوز اهتماماته حدود قبيلة نورزاي الى الالتزام الاكبر بقيام افغانستان ديمقراطية يتمتع فيها ظاهر شاه بدور رمزي فقط. ويوضح زلماي افضل، ابن شقيق عبد الخالق قائلا «ان القضية بالنسبة له هي ان افغانستان ليست مجرد قبيلة نورزاي وهو يهدف الى اعادة بناء البلاد».

ولكن ليس من الواضح مدى استعداد افراد القبائل الكبيرة على تنحية الخصومات القديمة جانبا وتبني رؤية القادة الذين قضوا الفترات الاطول من حياتهم خارج البلاد. وما من شك في شعور معظم الافغان بالملل من البدائل عن النظام القبلي التي عاشوها، اذ اشتمل عقدان من الفوضى الاجتماعية على نوبات من الماركسية والاحتلال السوفياتي وحكم الاحزاب الدينية وفوضى قادة الحرب واصولية حركة طالبان، وافضى كل ذلك الى خراب البلاد وارهاق شعبها.

اما الطريقة الوحيدة للتقدم الى الامام فهي بالعودة الى الوراء حسب قناعة اعداد متزايدة من الافغان الآن، أي بعودة الملك السابق والرجوع الى التراتبية القبلية التي يمثلها وفي نهاية المطاف الوصول الى فترة السلام والازدهار التي يربط معظم الافغان بينها وبين حكم الملك طوال 40 عاما.

ويعتبر هذا الحنين الى الماضي امرا مهما من المحتمل ان يوفر للزعماء القبليين مثل كرزاي وعبد الخالق فترة هدوء او شهر عسل لتدعيم سلطتهم وتحديد اجنداتهم. كما يحظى هؤلاء الزعماء بميزة اضافية تتمثل في ما يتمتعون به من سلطة محلية تغنيهم عن الظهور كعملاء لقوى اجنبية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»