زعماء الميليشيات الأفغانية في تورا بورا يتربحون من الحرب ويتقاضون ثمن المقابلات من الصحافيين

الصحافيون يدفعون نفقات «اتفاقية شاملة» لتوفير الطعام والمأوى وتوصيلهم إلى الخطوط الامامية

TT

استعرض زعماء ميليشيات التحالف الشرقي الافغاني المدعومون من الغرب 19 من الاسرى المنتمين الى تنظيم القاعدة في باحة سجن غبراء، امام وسائل الاعلام الغربية يوم امس. وكانت اجهزة الاعلام البريطانية قد دفعت الفي دولار لمقابلتهم. ولكن لم يكن هناك اثر للهدف الاميركي الاول اسامة بن لادن. وبينما اعلن القادة الافغانيون انتصارهم المستحق، يوم الاحد، اول ايام عيد الفطر المبارك، كانت الطائرات الاميركية تواصل قصفها للقمم المغطاة بالثلوج في شرق افغانستان. ويعني ايقاف هذه العمليات يعني بالنسبة للاميركيين مخاطر الاعتماد على قتال بالوكالة يقوم به حلفاء ربما تكون اهدافهم مختلفة عن الاهداف الاميركية.

وكانت القوات الافغانية قد دخلت في هدنة للاحتفال بالعيد، وللاستمتاع بمكاسبها التي نالتها في ميادين القتال. لكن «هدنتها» جاءت في وقت كان فيه قادة القاعدة يهربون عبر الجبال الى باكستان. وقد تمخضت معارك تورا بورا التي استمرت اسبوعين عن 200 من القتلى، و31 من الاسرى من اعضاء القاعدة. وما تزال القوات الاميركية والبريطانية تجوب الحدود في تصميم شديد على استئصال بقايا معاقل القاعدة والعثور على اية خيوط تعينها في البحث عن بن لادن الموغل في الخفاء. ولكن معركة تورا بورا تحولت الى معركتين مختلفتين تماما. المعركة الاولى معركة غربية الهدف منها القضاء على الارهاب الدولي، وهذا ما يشارك فيه زعماء الحرب المحليون بصورة واضحة. ولكن يبدو ان هؤلاء القادة العسكريين حريصون على جمع اكبر قدر من الاموال من هذه الحرب الجديدة الدائرة في شرق افغانستان.

زعماء الحرب الرئيسيون الثلاثة كانوا يحاولون امس ان يكشفوا كيف هزموا القاعدة، في نفس الوقت الذي كانوا فيه يمنعون وسائل الاعلام من التجول في كهوف تورا بورا، بعد ان وعدوهم بذلك، مع ان هذه الكهوف، كما يقال، تحتوي على مقر بن لادن الشخصي. وكان هؤلاء القادة العسكريون قد قسموا منطقة الجبال الى ثلاثة اقسام متساوية، وقام كل منهم بـ«تنظيف» الجزء الذي يخصه من الاعداء. وبينما كان ممثلو وسائل الاعلام العالمية يذهبون الى واد في احد الجبال ليشهدوا معركة هناك، كان بعض القادة العرب الكبار في القاعدة يهربون عبر واد آخر الى ممر خيبر الشهير في طريقهم الى باكستان. وصار معروفا ان «البيوت الآمنة» التي تؤوي الفارين يديرها افغان على علاقات قوية مع حكومة جلال اباد الحالية.

وهذا يعني ان القبض على بن لادن «حيا او ميتا» لم يكن في يوم من الايام واحدا من الاهداف الهامة بالنسبة للقادة الافغان. وهذا ما اعترف به صراحة امس القائد الكبير حاجي ظاهر. ويؤكد هذا الامر تصريح ادلى به ابن الجنرال المتقاعد حاجي عبدالقادر، والذي قال فيه: «مجاهدونا موجودون هناك، ولكنهم لا يقاتلون. انهم فقط يفتشون الكهوف. نحن خضنا هذه الحرب دون احذية او طعام، ومع ذلك شعرنا ان واجبنا يقتضي هزيمة القاعدة، وقد نجحنا في ذلك. اما عن اسامة، فانني لا استطيع ان اقول شيئا حتى اراه بعيني هاتين».

هذا الوضع كان صعبا جدا بالنسبة للصحافيين الاجانب المحاصرين الذين يطلب منهم رؤساء تحريرهم ان يكونوا في الصفوف الامامية انتظارا لتلك اللحظة التي يتمكن فيها شخص ما من العثور على اخطر رجل مطلوب في العالم.

وقال هاري دورنباس، ممثل احدى الاذاعات الهولندية: «نحن جيمعا رهائن بصورة ما لقادة الحرب. فالولايات المتحدة واوروبا تدفع لهم الاموال للقبض على بن لادن، ولكن الطريقة التي تسير بها الامور لا تدل على اننا سنذهب الى عطلة اعياد الميلاد. في نفس الوقت فان ظاهر والعديدين غيره من زعماء الحرب بجلال اباد، كشفوا عن تلك البراعة التجارية التي جعلت هذا الاقليم من اشهر الاقاليم في تهريب الافيون واجهزة تلفزيون سوني».

ويعاد الصحافيون الذين يصلون بدون اذن الدخول المتفق عليه من الحاكم، من حيث اتوا ويؤمرون بدفع نفقات «الاتفاقية الشاملة» التى توفر لهم الطعام والمأوى وتوصلهم الى الخطوط الامامية. وحتى بعد دخول افغانستان يمكن ان يطلب منك دفع «جمارك» على كل نقاط الحدود فضلا عن «تأشيرة دخول» اخرى الى جلال اباد. ظل العالم مشدودا طوال هذه الفترة بفضل حب الافغان للتفاخر والمزايدة، والتي من ضمنها ان الواحد منهم ينفجر ضاحكا في هستيريا عندما يرى نيران الصواريخ تنفجر قرب موقعه. ومع ارتفاع المبالغ المرصودة لرؤوس قادة تنظيم القاعدة، فان بعض وسائل الاعلام مستعدة لدفع 10 آلاف دولار من اجل جولة في غرفة نوم بن لادن.

ان «الهزيمة» المزعومة للقاعدة من قبل القادة الافغان يبدو انها لم تصل الى قمم الجبال العالية. ويعترف ظاهر بان بعض العرب والشيشان ما يزالون صامدين. وقال: «ما دامت القاعدة قد نفد منها الطعام، فانها ستفقد الثقة بنفسها. ولكن الهروب الواسع للمقاتلين كان نتيجة القصف الاميركي». وقال انه لن يستجيب لاية ضغوط لملاحقة القاعدة اذا لم يكن هو يرغب في ذلك.

وبعد دقائق من حديث هذا القائد، دوت كالرعود اصوات انفجارات من الطائرات الاميركية. وقال صحافي بريطاني: «يبدو ان الاميركيين غير راضين عن الطريقة التي تسير بها الامور».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»