تراجع في الاتهامات البريطانية والأميركية ضد الطيار الجزائري المحتجز رايسي

TT

بدأت السلطات البريطانية تتراجع عن الادعاءات الدرامية المبكرة بان الطيار الجزائري لطفي رايسي المسجون في لندن منذ ثلاثة اشهر درب الطياريين الانتحاريين الاربعة، المشتبه في قيادتهم لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، طبقا لاجراءات التقاضي وبحسب تقرير سري لمكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي).

فقد لاحظ المراقبون ان جلسات المحكمة لم تشر الى علاقات رايسي بثلاثة من الخاطفين. وفي الوقت ذاته اعترفت عريضة اتهام لمكتب المباحث الفيدرالي الأميركي ان علاقات رايسي بمدرسة فينكس لتعلم الطيران التي درس فيها الطيار الرابع مجرد صدفة.

واوضح التقرير «لم يتم التأكد بعد ما اذا كان هاني حنجور (المشتبه فيه) ورايسي تدربا مع في جهاز المحاكاة بالمدرسة».

وتجدر الاشارة الى ان هذه القضية ذات اهمية خاصة لاحتمال احراج السلطات البريطانية والاميركية بسب الاتهامات المبكرة والقوية ضد رايسي التي نشرتها وسائل الاعلام في جميع انحاء العالم. كما ان القضية تظهر صعوبة تقييم سلوكيات تبدو بريئة ربما تكون او لا تكون جزءا من مؤامرة ارهابية.

قد اعترف مكتب المباحث الفيدرالي، بطريقة غير علنية، انه يريد ترحيل رايسي الى الولايات المتحدة لاستجوابه، ولكن المكتب غير متأكد ما هو الدور الذي لعبه رايسي ـ او اذا كان قد لعب اي دور ـ في التخطيط للهجوم.

وقد استمرت السلطات البريطانية في احتجاز رايسي بتهم غير متعلقة بالارهاب، من بينها فشله في الكشف عن اصابة بركبته في طلب الحصول على رخصة قيادة طائرات.

وهذه الاتهامات بعيدة كل البعد عن الادعاءات التي وجهت ضده في جلسات المحاكم التي عقدت خلال سبتمبر الماضي، اذ وصفت المدعية البريطانية رايسي باعتباره «متآمرا رئيسياً في الهجمات على واشنطن ونيويورك». وربما توجه اليه تهمة القتل.

ورايسي هو اول شخص يتهم في محكمة مفتوحة بالاشتراك في الهجمات. واذا تلاشت الاتهامات الموجهة ضد رايسي فقد يمثل ذلك متاعب جمة لجهود الولايات المتحدة بالحصول على تعاون الدول الاخرى.

وقال بروس زاغاريس وهو محام في واشنطن متخصص في القوانين الجنائية الدولية «ان ذلك مشكلة، هذه الاجراءات القانونية غير العادية تحظى بمراقبة حادة. ويجب على الولايات المتحدة دعم طلبات التعاون (للدول الاخرى) او ستفقد تلك الطلبات قيمتها».

كما ازدادت مشاعر القلق في الخارج، وفي الولايات المتحدة، من ان وزارة العدل الاميركية المتحمسة فوق العادة تتخلى عن الحذر القانوني وتنتهك الحقوق المدنية للمقبوض عليهم. ومع ذلك، فان هذا لا يعني ان رايسي ليس بريئا تماما. وبالرغم من ذلك فقد هدأت لهجة المحققين منذ القبض على رايسي واسرته في 21 سبتمبر (ايلول)، في غارة مسلحة قبل الفجر، في شقته في حي للطبقة العاملة في لندن.

وذكر مسؤول في مكتب المباحث الفيدرالي «لقد وضعناه في قائمة ربما يكون او لا يكون، وان كنا نميل نحو لا يكون. وكان هدفنا هو اعادته الى هنا والتحدث معه لمعرفة المزيد».

ومن ناحية اخرى، ذكر ريتشارد ايغان محامي رايسي ان الاتهامات ضد موكلة موثقة بطريقة سيئة وتتغير بصفة مستمرة. واغرب ما حدث ان المدعين تخلوا عن اي اشارة الى ثلاثة من المشتبه في اختطافهم للطائرات التي شاركت في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. وكشفت عريضة اتهام لمكتب المباحث قدمت الى ايغان ان رايسي وحنجور كانا معا في 8 مارس (اذار) عام 1999 للتدرب على قيادة الطائرات في فينكس. وان حنجور هو الذي استأجر الطائرة. والمعروف ان حنجور هو المشتبه في سيطرته على الطائرة 757 التي ارتطمت بالبنتاغون. الا ان ايغان اوضح ان سجل المدرسة تكشف ان رايسي قاد الطائرة بالاشتراك مع مدرب اميركي، لم يقبض عليه.

وذكر المدعون ايضا ان رايسي كان على اتصال هاتفي منتظم بحنجور، ولكنهم لم يقدموا اية ادلة. واعترف المدعون انهم حصلوا على شريط فيديو لرايسي مع رجل يشبه حنجور. الا ان رايسي اوضح انه ابن عم له. وفي الوقت نفسه، اكدت اسرته انه لم يلتق بحنجور على الاطلاق. وانه تم القبض على رايسي لانه يطابق الصورة المطلوبة، جزائري تدرب على الطيران وذو سجل اجرامي وقضاء فترة طويلة في الولايات المتحدة.

وقد سمحت اسرة رايسي لصحيفة «الواشنطن بوست» الاميركية بالاطلاع على نسخ من جواز سفره وغيره من السجلات التي كشفت ان امه بعثت له بعشرات الآلاف من الدولات في السنوات العشر الاخيرة، لكي يدفع نفقات سفره ويمول حلم طفولته في ان يصبح طيارا. وقال افراد الاسرة انه ذهب الى الولايات المتحدة لانه يمكنه اتمام دراسة الطيران بتكلفة اقل من اوروبا.

واوضحت ربيعة رايسي انها ساعدت ابنها على الانتقال الى لندن في اوائل التسعينات لحمايته من التهديدات الارهابية المتزايدة في الجزائر. وقد عاش مع عمه والتقى بفتاة فرنسية كاثوليكية تدعى سونيا دموليس كانت تعمل في مطعم. وقالت اسرته ان زواج رايسي اكبر دليل على انه ليس متعصبا دينيا.

الا ان اسرته تعترف بأنه اشترى بطاقة هوية مزورة باسم فابريس فنيست الجيرز للحصول على وظيفة طاهي في مطعم. وفي عام 1993 قبض عليه لسرقة حافظة اوراق في مطار هيثرو. وقد اعترف بالتهمة لكنه لم يسجن.

وغادر رايسي الجزائر في 28 اكتوبر (تشرين الثاني) عام 1996 للانضمام الى مدرسة فينكس للطيران وعاش مع صديق جزائري يدعى رضوان دحماني. وقد استغلت السلطات التي تبحث عن علاقة تربطه بشبكة بن لادن الارهابية صداقته بدحماني. وكانت السلطات قد عثرت على رقم هاتف دحماني في شقة شخص يدعى ابو ضحى في لندن، وهو متهم الآن بأنه شخصية رئيسية في الخلايا الارهابية الجزائرية في اوروبا. واكد دحماني انه لا يعرف ابو ضحى. الا ان السلطات لا تزال تحتجز دحماني في فينكس بكفالة مليون دولار.

وتجدر الاشارة الى ان رايسي حصل على رخصة قيادة طائرات تجارية من الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) عام 1999، ومرخص له بقيادة طائرات بوينغ 737 ثم حصل على رخصة تتيح له التدريب على قيادة الطائرات. وكان رايسي يبحث عن طلبة وساعدته مدرسة فينكس للطيران على العثور عليهم. الا ان رايسي يصر على انه لم يدرب الخاطفين ولم يتلق بحنجور.

وذكر مصدر في هيئات تطبيق القانون ان المحققين اضافوا اتهامات جديدة الى الاتهامات التي وجهت الى رايسي وهي انه في خمس مناسبات عام 1998 ومناسبة واحدة في الصيف الماضي، زار رايسي وحنجور جهاز المحاكاة في مدرسة اريزونا في نفس اليوم، طبقا للمعلومات التي ادى بها ايغان الا ان السلطات لم تذكر ما اذا كانت الزيارات كانت في نفس الوقت.

وقد ذكرت مديرة مدرسة سايوير للطيران في فينكس لـ«واشنطن بوست» في سبتمبر (ايلول) الماضي ان رايسي وحنجور تدربا معا لعدة شهور على جهاز المحاكاة. الا ان بيان سيلفيا ستنسون لم يظهر خلال جلسات المحكمة. وقد رفضت، في اتصال مع الصحيفة جرى هذا الشهر، القول ما اذا كانت مصممة على ما ذكرته من قبل.

ويكشف جواز سفر رايسي انه عاد الى الجزائر في ابريل (نيسان) عام 2000. وقد حاول الحصول على عمل كطيار، ثم انتقل الى لندن، لكي يحصل على دورات في مدرسة «فور فورسس» للطيران.

وقد تزوج رايسي من سونيا في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000. وقد حصلت سونيا على اجازة لمدة يوم واحد من عملها في مطعم فرنسي. وكانت قد قضت فترة تعمل في عدد من الدول الآسيوية. وفي يونيو (حزيران) الماضي اخذت اجازة لقضاء شهر العسل المؤجل. وكانت الرحلة الى لاس فيغاس وهي مدينة اكد المدعون البريطانيون انها لعبت دورا رئيسيا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر.

وتتذكر سونيا الرحلة بانها عبارة عن اسبوع من المقامرة والانتقال من حافة الى اخرى، ثم اسبوع ا خر في زيارة اصدقاء في فينكس.

الا ان مكتب المباحث الفيدرالي في نيفادا ليس له اية ادلة على ان رايسي زار لاس فيغاس الا في تلك الرحلة، طبقا لمعلومات مصدر قريب من التحقيقات. كما لم يتوصل المحققون الى معلومات تشير الى ان الخاطفين كانوا في لاس فيغاس في نفس الاسبوع الذي زار فيه رايسي المدينة.

وذكرت السلطات في لاس فيغاس انه ليست لديها اية ادلة الى ان رايسي تصرف بطريقة تثير الشك. كما ان المتحدث بأسم المكتب في المدينة دارون بورست يتشكك في الروايات التي تشير الى ان لاس فيغاس كانت موقع التخطيط الاساسي لمؤامرة 11 سبتمبر.

واوضح بورست «الاطار الزمني لايتماثل للقاء رايسي مع الطيران في نيفادا. كل ما هناك، ثلاثة خاطفين في مدينة في نفس اليوم. وفي 18 يونيو (حزيران) استأجر رايسي سيارة كريزلر سيدان وتوجه الى فينكس مع سونيا. وقد اظهرت السجلات انه تلقى مخالفة لقيادة السيارة بأكثر من السرعة المقررة قيمتها 230 دولارا.

وقد عادت سونيا الى لندن، بينما بقى رايسي للتدريب على جهاز المحاكاة لمدة اسبوعين. وكانت تأشيرة رايسي لهذه الرحلة بدعوة من مدرسة «ك اند اس اياشن سرفيس» التي عرضت على رايسي وظيفة مدرب طيران بعدما يحصل على رخصة اوروبية.

وطبقا لتقرير مكتب المباحث فإن رايسي وحنجور انضما الى مدرسة سايور للطيران في نفس اليوم 23 يونيو (حزيران). وبالرغم من ذلك، فقد اعترفت عريضة الاتهام «انه لم يتقرر بعد عما اذا كان رايسي وحنجور قد تدربا معا. وطبقا لجواز سفره فقد بقي رايسي في الولايات المتحدة حتى 11 يونيو. وذكر المحققون انه لا يوجد ما يشير الى انه التقى بعطا المشتبه في انه المخطط للهجمات». وكان رايسي في لندن عندما قام الخاطفون بعملية 11 سبتمبر. وبعد عشرة ايام حذره الصحافيون من ان السلطات تبحث عنه. ولم يحاول الهرب. وبقي في المنزل الى ان وصل رجال اسكوتلنديارد وقبضوا عليه وعلى زوجته. وقد افرج عن سونيا بعد خمسة ايام.

وطبقا للقانون البريطاني، فإن تسلم رايسي للولايات المتحدة يمكن ان يستمر لسنوات. وفي الوقت ذاته على المدعين اقناع القاضي ان مكتب المباحث الفيدرالي لديه ادلة كافية لاستمرار احتجازه.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»