الأفغان يستعيدون بهجة الأعياد بعدما حظرت طالبان حتى اللعب بالطائرات الورقية

TT

طوال السنوات الخمس التي استولت فيها طالبان على السلطة، ظل بوبا عبد الشكور يبيع بضاعته في السر. وبضاعته هذه لم تكن مخدرات او افلاما فاضحة، او خمرا، بل كانت واحدة من اقدم الرموز على الحرية: انها الطائرة الورقية. وفي عهد طالبان الخالي من الفرح، كان غزو الفضاء الارضي بالخيالات والاحلام الورقية، مخالفة لمبادئ الدين. وكان مخالفا للدين كذلك الاستماع الى الموسيقى او التمايل على انغامها. ولم تكن هناك دراما اذاعية او تلفزيونية او سينمائية لتخفف رتابة الوجود بالنسبة لارواح عاشت في فقر مدقع.

وعندما اختفت طالبان التي صادرت كل الافراح، احتفل المسلمون اول من امس ولاول مرة بعيد الفطر بمرح ظل محرما عليهم طوال خمس سنوات.

قال عبد الشكور، الذي اسس والده اكبر ورشة عرفتها هذه المدينة لصناعة الطائرات الورقية قبل اربعين سنة: «كانت الحياة قاسية تحت حكم طالبان. وعندما انعدمت كل الاشياء التي يمكنهم تحريمها التفتوا الى النشاطات البريئة مثل اطلاق الطائرات الورقية. كان ذلك مثيرا للسخرية، كيف يمكن ان يكون اطلاق طائر ملون في الهواء مسيئا لله تعالى؟».

ارتفعت مبيعات عبد الشكور قبل يوم من العيد عندما ازدحمت امام محله الاسر لاقتناء وسيلة مفضلة لقضاء العطلات. اذا يتزاحم الاطفال والشباب في حقل مجاور في هذه المدينة لممارسة «مباريات الطائرات الورقية». وعندما تصطدم طائرتان ورقيتان، تتحطم في العادة احداهما ويكون صاحب الطائرة السليمة هو الفائز بالسباق. وتسقط الطائرة المهزومة وسط الجمع وتصبح ملكا لمن يلتقطها في الهواء.

يقول احسان الله، (16 سنة): «لم نكن نستطيع ان نفعل أي شيء في عهد طالبان. كانت عهدهم سجنا كبيرا». وكان يلف في يديه خيط طائرته التي يهم باطلاقها.

كان الامر على الشاكلة نفسها في دور السينما الثلاث التي اعيد افتتاحها مباشرة بعد دحر طالبان واستيلاء التحالف الشمالي على السلطة في المدينة. وواضح ان الحكام الجدد لديهم استعداد كبير لتمكين الافغان من ممارسة متعهم البريئة.

قال فريجون، مدير سينما بارك: «لم يكن الناس يستطيعون ممارسة اية متعة في عهد طالبان. وكان الناس يتحرقون لهذه المتع بطبيعة الحال».

تزامن انسحاب طالبان مع حلول شهر رمضان. ومع انتهاء الشهر، فان دور السينما اكتظت بالرواد. وهناك ضغوط متصاعدة لاعادة فتح 15 دارا اخرى تستخدم الان مطاعم ومخازن.

قال عبد الجميل سروار، رئيس استديوهات السينما ودار توزيع الافلام: «الافغانيون متعطشون للترفيه، وخاصة بعد ان عاشوا في عزلة طويلة. وهم يريدون ان يعرفوا ما يحدث في بقية انحاء الدنيا وكيف يعيش الناس هناك. قليلون فقط هم الذين يستطيعون الذهاب الى اميركا ولكنهم يمكن ان يزوروها بأعينهم».

وفي كل مكان، ترتفع الضحكات تنفيسا عن هموم الحياة بدلا من التجهم الشامل الذي كان سائدا حتى وقت قريب. ولكن الحريات الجديدة بعيدة عن ان تكون كاملة. ويقول عبد الشكور ان الافلام تخضع للرقابة حتى يتم التأكد من انها لا تشتمل على ما يخالف الاسلام من التبرج والجنس. ولكن العنف لا يخضع لنفس المقاييس ولا يمنعه احد.

وعلق فريدون على فيلمي «رامبو» و«تيرمنيتور» قائلا: «الناس يحبون مثل هذه الافلام، انهم يحبون الافلام التي تنطوي على كثير من العنف».

ومع ان العيد كان ممتعا بالنسبة للرجال هذا العام، الا انه لم يكن يعني شيئا للنساء. فهن ما يزلن غير مسموح لهن بمشاهدة افلام السينما، او المباريات الرياضية، بل لا يسمح لهن حتى بمرافقة الرجال الى المقابر، وهو تقليد متبع هنا في الاعياد. ولكنهن بدلا من ذلك يبقين في منازلهن لتجهيز الشاي والفطائر وغيرها لجموع الرجال التي يتدفق طوال ثلاثة ايام العيد للتهنئة.

يعترف بعض الناس بانه يجب مشاركة النساء في متع الحياة البسيطة، ويتوقعون انه بمرور الزمن سيسمح للنساء بمرافقة ازواجهن او ابائهن للمناسبات المختلفة.

قال يان اغا، الذي عمل لمدة 45 عاما في استيراد الافلام وتوزيعها: «اذا بدأنا في استيراد الافلام الجديدة من اميركا وبريطانيا واليابان، فانني اتوقع دخول النساء الى دور السينما».

اما بالنسبة لاولئك الذين تقدمت بهم السن، بحيث لا يستطيعون المشاركة في الالعاب في الخارج، فان عودة التلفزيون كانت رحمة بالنسبة اليهم. وبعد ان ارتدى الاستاذ كوداد شيرزاد قميصه الحريري صباح الاحد، ذهب ليصلي صلاة العيد بالمسجد، وعاد بعدها الى منزله وهو في غاية الشوق لمشاهدة الرقصات الافغانية على التلفزيون. وقال انه كان يخفي جهازه من طالبان في سبع طبقات من صندوق داخل صندوق داخل صندوق. واخفى الصناديق كلها في مخزن تحجبه عن الانظار سجادة مخفية. ولكن الاصوليين لم يفتشوا منزله مطلقا. وقال بابتسامة خبيثة وهو يشير الى لحيته الطويلة المرسلة: «كنت احمل جوازي معي. هذا الجواز هو الذي ابعد الشكوك عن منزلي».

* خدمة لوس انجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»