خبراء بريطانيون: توجيه ضربة للعراق لن يكون عملا حكيما أو ناجحا وبن لادن لا يزال قادرا على الإيذاء

TT

أكد خبراء بريطانيون إستراتيجيون أن توجيه ضربة للعراق في المرحلة الثانية من حرب الارهاب لن يكون خطوة حكيمة أو ناجحة. وفيما اختلفوا حول ما إذا كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) قد جعلت العالم أكثر أماناً او اشد واقعية، فقد اتفقوا على انها غيرت وجه العالم وآلية حياته السياسية. ولفت الاكاديميون الذين تحدثوا أمس في لقاء مع الصحافة العالمية في لندن، الى أن العثور على حل سلمي للنزاع العربي ـ الاسرائيلي من شأنه أن يعزز الاستقرار في المنطقة العربية، بيد انهم ترددوا في التأكيد بأن الولايات المتحدة مستعدة حالياً لممارسة ضغوط فعالة على إسرائيل. وتكهنوا بأن تحاول «القاعدة» تنفيذ عمليات جديدة ستكون مختلفة عن كل ما فعلته في الماضي. وأشاروا الى أن وضع باكستان يدعو الى القلق، خصوصاً أن اندلاع حرب أهلية فيها امر غير مستبعد.

وشدد الدكتور دانا ألينز، الباحث في «معهد الدراسات الدولية الاستراتيجية» في كينغز كوليج بلندن، إلى ان حرب الارهاب قد «أسست لمبدأ جديد»، مع أن أسامة بن لادن ربما يكون قد نفذ بجلده. وبينما اوضح ان المبادئ التي تلتزمها الدول العظمى «متبدلة دائماً»، أكد ان المبدأ الجديد يتمثل في تحذير الدول المساندة للإرهاب «بأن مصيرها سيكون كمصير طالبان إذا مضت في هذا الدعم للإرهاب العالمي». وتساءل ما إذا كان العراق هو الدولة التي ستُستهدف في المرحلة الثانية من حرب الارهاب، معرباً عن رأيه في ان «ضربة كهذه ستكون مبررة بيد انها تفتقر الى الحكمة». وسلط الضوء على الخلافات في وجهات النظر بين لندن وواشنطن فيما يتصل بالحرب في أفغانستان، مبيناً ان موقف الولايات المتحدة «لجهة رفضها المساهمة في عمليات حفظ السلام» لن ينعكس إيجابياً على على التحالف الدولي وقد يخفف من تماسكه.

ومن جهته، تناول البروفسور مايكل كلارك، مدير «معهد السياسة الدولية» بكينغز كوليج، أربعة مفاصل رئيسية تتجلى فيها التحولات التي طرأت على السياسة الدولية في أعقاب ضربات الحادي عشر من سبتمبر. وقال إن التبدل الجوهري الاول هو «التحسن الواضح في العلاقات الاميركية ـ الروسية». فبعد ان حاولت واشنطن تهميش موسكو طويلاً، ها هي تبدو الآن مقتنعة بأنها في حاجة إليها ليس فقط للتعاطي مع أفغانستان، بل في «مناطق أكثر اهمية من أفغانستان (من وجهة النظر الغربية) مثل أوزبكستان وطاجيكستان وباكستان والشرق الاوسط». واضاف: سيكون لهذا التقارب اثره على «حلف ناتو وعلى نظام الدرع الصاروخي فضلاً عن الموقف الغربي من الوضع في الشيشان». وتوقع، في النقطة الثانية، أن «باكستان قد تشهد حرباً اهلية» خصوصاً بسبب حرب أفغانستان والتوتر المتنامي مع الهند. غير انه أوضح ان السبب الرئيس الذي يبرر هذا التكهن هو «ضيق قاعدة القوة التي يستند إليها الجنرال برويز مشرف، الامر الذي يجعله شخصياً وسياسياً في خطر». وتوقف عند عملية السلام في الشرق الاوسط، معرباً عن رأيه في أن «التوصل الى سلام لن يضمن في حد ذاته دوام الاستقرار في المنطقة، مع أنه شرط ضروري لحصول هذا الاستقرار». وأشار إلى ان الوضع في المنطقة العربية قد يزداد توتراً «إذا نجح بن لادن في الترويج لحرب الحضارات التي حاول استغلالها» منذ بداية الازمة، الامر الذي يعني أن المعلق المعروف لم يقتنع بعد بأن زعيم القاعدة لم يعد قادراً على القيام بأي نشاط. لا بل لفت، في إجابة على سؤال، الى ان «من المستبعد ان تكون القاعدة قد فقدت قدرتها على ضرب أهداف جديدة»، موضحاً أنها «حريصة على تنفيذ عمليات تكون مختلفة عن العمليات التي سبقتها، حسبما تعلمنا التجربة». ورجح ان تقوم القاعدة «على الاقل بمحاولة لتنفيذ عملية جديدة بكل معنى الكلمة في السنة القادمة، مثلاً». وشدد، في النقطة الاخيرة، على موقف الولايات المتحدة من حلف ناتو في سياق حرب الارهاب. وسخر من موقف دول ناتو، التي سارعت الى الاعلان عن تطبيق المادة الخامسة من دستورها بعد ايام من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مؤكداً أن الولايات المتحدة لم تأبه بذلك ومضت الى الحرب دون مساعدة تذكر من حلف شمال الاطلسي. وقال: ستكون لذلك السلوك نتائجه، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الدفاعية للدول القوية في ناتو مثل بريطانيا وفرنسا، التي لا تريد واشنطن ان تُشركها في صناعة القرارات الحاسمة على الصعيد العالمي.

أما البروفسور فيليب سابين، مدير معهد التربية الدفاعية في كينغز كوليج، فتحدث عن الفكرة التي استُخلصت في اعقاب ضربات سبتمبر الماضي، وهي أن الدول الغربية على رغم قوتها الهائلة «غير امينة، والاسلحة النووية لا تكفي لضمان الامن». وقال «لا يمكن محاربة الارهاب بإرهاب من نوعه»، مشدداً على ضرورة توفر «إجماع يكفل للتحرك نجاحه على المستوى السياسي» لا سيما ان الافتقار الى إجماع كهذا أدى الى فشل الغزو الاسرائيلي للبنان العام .1982 ولفت الى ان مشروع توجيه ضربة للعراق لن يحظى بالاجماع اللازم، مبيناً ان «نظام بغداد لن يسقط بالسرعة التي تهاوى فيها نظام طالبان». واعتبر ان أحداث سبتمبر والحرب التي تلتها، اثبتت ان الغرب لم يعد حريصاً على عدم تكبد اي خسائر بشرية، كما كان الامر في الماضي.

وفي رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول أهمية وجود إجماع حول تعريف واحد للإرهاب وما إذا كان ذلك يجعل الحرب ضد هذا العدو غير مبررة دائما، قال البروفسور سابين «ثمة معايير يتفق عليها الجميع لما هو الارهاب، فمثلاً يبدو أن هناك إجماعاً على ان احداث سبتمبر كانت نموذجاً للإرهاب». وعن الفرق بين الارهاب والمقاومة، اكد ان «وجود قضية عادلة لا يبرر دائماً كل اساليب الدفاع عنها، فمثلاً اولئك الذين يفجرون الحافلات في إسرائيل هم مجرمون في رأيي، بغض النظر عن عدالة قضيتهم». وأضاف إن «تبرير المقاومة لا يعني تبرير اي أسلوب يتبعه المرء في ممارستها». وعن خطورة غياب الاجماع ضمن الادارة الاميركية، اكد سابين لـ«الشرق الأوسط» إن «اختلاف وجهات النظر هذا بين من يسمون الصقور والحمائم، هو طبيعي في ظل النظام الديمقراطي الليبرالي حيث هناك دائماً نقاش بين أجنحة مختلفة يتم التوصل في نهايته الى قرار واحد».