الإسرائيليون غير مقتنعين بموقف شارون من خطاب الرئيس الفلسطيني وصحيفة تلمح إلى أن حكومته غير معنية بنجاح عرفات في وقف العنف

TT

تشهد الساحة الاسرائيلية تنامياً ملحوظاً للمواقف الرافضة للسياسة الحكومية، ليس فقط في صفوف المعارضة اليسارية او معسكر السلام، بل في المؤسسة الاعلامية المؤثرة وداخل المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ايضا. وما كان يقوله هؤلاء همساً بدأوا يتحدثون به جهاراً، خصوصاً بعد خطاب الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، بمناسبة عيد الفطر المبارك الذي اعلن فيه عن وقف النار تماماً «حتى لو استمر الاحتلال في عدوانه».

وبدا واضحا ان الصحافة الاسرائيلية وعددا من كبار المسؤولين العسكريين لا يقبلون موقف رئيس الوزراء، ارييل شارون، من خطاب عرفات. ويؤكدون انهم قرأوا فيه توجها جديا يطرح لأول مرة بهذا الوضوح وبهذه الحدة حول وقف النار والجنوح الى لغة الحوار. ويطلبون من شارون ليس فقط اعطاء عرفات فرصة لاثبات نواياه، بل ايضا الرد عليه بمبادرة سلمية. وكما كتب الصحافي المعروف يوئيل ماركوس، فانه «من دون ان يرى الفلسطينيون ضوءاً في آخر النفق، لن يفعلوا ما يجب فعله للتقدم في هذا النفق». ورفض هذا الصحافي الحجة التي يتذرع بها القادة الاسرائيليون حين يطالبون عرفات ببذل جهد 100% وتحقيق نتائج 100% في مكافحة الارهاب. وكتب في هذا الشأن يقول: «نحن احتللنا المناطق نفسها (الضفة الغربية وقطاع غزة) وحكمنا فيها بشكل مطلق 35 سنة. ومن دون شك بذلنا جهدا بنسبة 100% لمكافحة الارهاب، فهل نجحنا في تحقيق نتائج 100%؟». ويذهب الكاتب اكثر من ذلك حين يلفت النظر الى مسؤولية اسرائيل عن هذا الكره الفلسطيني لها، ويقول: «لقد احتللناهم 35 سنة، واستخدمنا القوة والقمع والتجويع والإذلال... وهذه بدورها ادت الى بركان من الكراهية».

وخرجت صحيفة «هآرتس» نفسها بافتتاحية شجاعة علقت فيها على خطاب عرفات، واختارت لها العنوان التالي: «بصيص من الأمل». واعربت الصحيفة عن استهجانها من الرد الاسرائيلي على هذا الخطاب والادعاء بأن لا جديد فيه وليس سوى اقوال تنتظر الافعال. وقالت انها لا تريد ان تدافع عن عرفات، فهو مليء بالأخطاء، ولكنه هذه المرة اعلن وقف النار تماماً وتكلم بلغة شعبه، العربية، بكل وضوح، وكان خطابه بارقة امل. ورفضت الصحيفة ادعاء العسكريين الاسرائيليين وقيادتهم الشارونية بأن خطاب عرفات جاء تحت ضغط الضربات العسكرية الاسرائيلية، وقالت ان سبب هذا التغيير هو العزلة الدولية التي فرضت على عرفات.

وهاجمت الصحيفة الاعتداء الفظ على الدكتور سرّي نسيبة، مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يعتبر احد المعتدلين في القيادات الفلسطينية. كما هاجمت تصريح وزير المالية، سلفان شالوم، بأنه سيطرح على الحكومة في القريب، البحث في طرد عرفات من البلاد. وقالت: «مثل هذه الردود على خطاب عرفات تثير المخاوف، بأن ليس كل الحكومة معنية بأن يعود عرفات الى المسار السياسي».

وكانت الصحيفة قد اختارت لها عنوانا رئيسياً في العدد نفسه، امس، تتحدث فيه عن «مطلب اوروبي حازم من شارون ان لا يعرقل جهود عرفات في فرض وقف النار» وعن محادثة اجراها معه الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، قبل يومين، يؤكد فيها ان اوروبا ترى ان عرفات هو القائد الشرعي الفلسطيني الوحيد الذي يملك صلاحية التفاوض مع اسرائيل.

وكتبت كبرى الصحف الاسرائيلية «يديعوت احرونوت»، امس، افتتاحية غير مسبوقة، هاجمت فيها سياسة الحرب التي يديرها شارون وقالت فيها ان ما يوجه شارون هو الخوف من بنيامين نتنياهو. وقالت ان اسرائيل بحاجة الى رجل شجاع يقودها، ويقرر فورا ادارة مفاوضات تحت اطلاق النار مع الفلسطينيين.. «اذ ان كلا الطرفين، ايديهما ملطخة بالدماء». وترفض تماما سياسة الاغتيالات. وتقول ان «هدف اسرائيل هو، كما يفترض، التوصل الى الهدوء والاستقرار لا للاغتيالات. فالصهيونية نشدت اقامة ملجأ لليهود هنا وليس ساحة رماية».

وبلغت هذه الحملة اوجها، امس، باعلان مصادر عسكرية رفيعة ان سياسة الاغتيالات الاسرائيلية للقادة الفلسطينيين لم تجد نفعا ولم تحقق اية مكاسب. وانه ثبت ان القوة لا يمكن ان تقود الى الهدوء والاستقرار ولا يمكن ان تدفع بالمنطقة نحو السلام، وان هناك حاجة الى البحث عن وسائل اخرى.

وأثارت هذه التصريحات حنق التيار المتطرف في قيادة الجيش. فرد عليها رئيس الاركان، شاؤول موفاز، بالقول ان «العمليات الارهابية الفلسطينية التي نفذت خلال الاسابيع الاخيرة وراح ضحيتها 44 اسرائيليا، خدمت مصالح اسرائيل، ومنحتها الفرصة لتوجيه ضربات موجعة الى السلطة الفلسطينية ورئيسها». وقال الجنرال عاموس مالكا، رئيس الاستخبارات العسكرية، ان لدى اسرائيل تسجيلات بصوت عرفات قال فيها خلال لقاء في فندق الدار البيضاء في رام الله، ان اسرائيل دولة غير شرعية.

يذكر ان وزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس، يواصل اعتراضاته على سياسة شارون ازاء عرفات. وقال في تصريح له الليلة قبل الماضية، ان مثل هذا الطرح يضر باسرائيل ولا يجدي اي نفع. واكد ان عرفات هو قائد الشعب الفلسطيني و«على اسرائيل ان تفاوضه وان تتعامل معه وان لا تفوت فرصة للتوصل الى اتفاقيات جديدة معه».

وحتى رئيس الدولة اليهودي، موشيه قصاب، وهو في الاصل من الليكود، انتقد الحديث عن ان عرفات «لم يعد قائدا ذا شأن للشعب الفلسطيني» و«بالامكان التعامل وكأنه غير موجود». وقال، خلال زيارة له الى مدينة سخنين (فلسطينيو 48)، امس: ان التعامل مع عرفات على هذا النحو هو أمر خاطئ.

وتجدر الاشارة الى ان عددا كبيرا من الصحافيين والكتاب انتقدوا سياسة نزع الشرعية عن عرفات خلال الايام الاخيرة. واحد هؤلاء، يوئيل ماركوس (المذكور اعلاه) كتب امس يشكك في ما اذا كان شارون نفسه ذا شأن موضوعي وقال: «لا ادري ان كان شارون مناسبا اكثر من عرفات، لقيادة شعبه في هذه الظروف».

وظهر رئيس الكنيست، المرشح لرئاسة حزب العمل، ابراهام بورغ، في الناصرة امس الثلاثاء، خلال لقاء مع القيادات العربية (فلسطينيو 48) لتهنئتهم بعيد الفطر، فدعا حزبه مجددا الى الانسحاب من الحكومة. وقال ان حزب العمل لا يؤثر على سياسة الحكومة في شيء. واكد انه، لو كان رئيسا للحكومة، لكان فاوض عرفات بغض النظر عن وقف النار. واكد ان هذه الحكومة هي بلا آفاق سياسية. وما يريده شارون منها الدفاع عن المستوطنات والمستوطنين وترك اسرائيل كلها تحت وطأة الحرب.