عناصر «القاعدة» حصلوا على تدريبات عسكرية متقدمة في معسكر خلدن بشرق أفغانستان

منفذو غارات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن ونسف السفارتين الأميركيتين كلهم تدربوا في المعسكر

TT

يقع معسكر خلدن في منطقة جبلية وعرة في شرق افغانستان، يحيط به سور من الطين ويبدو مختفياً وسط الجبال. ويعتقد ان هذا المعسكر تم التخطيط لمعظم العمليات التي استهدفت المصالح الاميركية لأكثر من عشر سنوات.

وكان يتدرب في المعسكر ما بين 50 الى مائة فرد في ذات الوقت، يتعلمون كل شيء من استخدام الاسلحة الصغيرة الى المتفجرات الكبيرة. وقد قدم المعسكر التدريبات الاساسية الى جيل من الانتحاريين في شبكة «القاعدة» وخاطفي الطائرات والمخربين من جميع انحاء العالم.

وبالرغم من تحول المعسكر الى حطام من جراء القصف الاميركي، فإن المسؤولين الاميركيين يخشون من ان العديد من المتشددين الاصوليين الذين تدربوا في هذا المعسكر ويعيشون حالياً خارج افغانستان، يخططون لعلميات ارهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

وقد جاء ذكر خلدن الاسبوع الماضي عندما وجهت هيئة محلفين كبرى في فيرجينيا الاتهام الى زكريا موساوي لدوره المحتمل في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. واتهمت العريضة موساوي، وهو مواطن فرنسي من اصل مغربي، بانه تدرب في هذا المعسكر.

لكن موساوي ليس الوحيد الذي يواجه اتهامات بالارهاب. ومن بين الذي تلقوا تدريبهم في المعسكر بعض من شاركوا في محاولة تفجير مبنى التجارة العالمي عام 1993 ونسف السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا عام 1998، ومحاولة نسف مطار لوس انجليس الدولي خلال احتفالات الالفية.

ويقع المعسكر في اقليم بكتيا حيث تنتشر الكهوف والمخابئ الارضية. ولا يبعد هذا الاقليم الصغير عن منطقة تورا بورا. ويعتبر خلدن واحداً من اكثر من 20 معسكرا حددتها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي. آي. إيه» ومكتب المباحث الفيدرالي الاميركي «اف. بي. آي» في السنوات القليلة الماضية في افغانستان. ويوجد في بعض هذه المعسكرات شبكات اتصال للتدريب على اعمال استخباراتية.

وقد اتضح دور المعسكرات كمركز لشبكة «القاعدة» في عمليات البحث الاخيرة للانقاض، والتحقيقات وسجلات المحاكم وعريضة اتهام موساوي. وقالت عريضة الاتهام انه «منذ عام 1989 حتى تقديم هذه الاتهامات، كان اسامة بن لادن هو الذي يمول معسكرات التدريب في أفغانستان، التي استخدمت لتدريب الاعضاء والمساعدين في القاعدة والجماعات المرتبطة بها على استخدام الاسلحة والمتفجرات والاسلحة الكيماوية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل».

وتجدر الاشارة الى ان هذه المعسكرات، بما فيها خلدن واربعة معسكرات اخرى، تم إخلاؤها او دمرت من جراء القصف الاميركي. وتشير المعلومات الى ان ما بين 3 الاف الى 5 الاف كانوا يقضون ما بين اسبوعين الى 6 أشهر في هذه المعسكرات ويتدربون على استخدام الاسلحة والمتفجرات والتكتيكات الارهابية. وبالرغم من ان بعضهم قتل في الحملة الاميركية الحالية، فإن الاخرين ينتشرون في اكثر من 60 دولة حيث اسست «القاعدة» خلايا او دعمت شبكات اخرى محلية.

وقال الخبراء ان بعض المعسكرات الاخرى مثل صديق وفاروق، كانت تجذب الاثرياء من منطقة الشرق الاوسط الذين كانوا يدفعون نفقات التدريب. وكانت هذه المعسكرات فاخرة نسبيا، وتكاد تكون سياحية.

وكان رمزي يوسف الفلسطيني الكويتي المولد انهى دراسته قبل أشهر من تفجيره شاحنة ملغومة في الطابق تحت الارضي من مركز التجارة العالمي عام .1993 وقد قتل في الانفجار 6 اشخاص، واصيب اكثر من الف شخص، كما تسببت العملية في خسائر قيمتها 550 مليون دولار. وانضم احمد محمد عجاج الشريك في العملية الى معسكر خلدن. وظهرت تفاصيل تدريباتهما في محاكمة يوسف في نيويورك في اغسطس (آب) .1997 وكان عجاج قد سافر الى نيويورك عبر باكستان مع يوسف، لكنه قبض عليه بعد تفتيش حقيبته في المطار. وعثر في الحقيبة على كتيبات حول صنع انواع عديدة من القنابل حصلا عليها من معسكرات التدريب في افغانستان. وقد حكم على عجاج بالسجن لمدة مائة سنة. اما يوسف الذي فر من نيويورك بعد عملية التفجير فقد ظهر في الفلبين. وتبين لمحكمة اميركية فيما بعد انه تآمر مع اثنين من الذين تلقوا تدريبهم في المعسكرات الافغانية على زرع القنابل في اكثر من عشر طائرات اميركية فوق المحيط الهادئ في يناير (كانون الثاني) .1995 وبعد القبض عليه في باكستان في اواخر عام 1995، ذكر يوسف لاجهزة الاستخبارات الاميركية انه تلقى تدريبات مكثفة على المتفجرات في معسكر بافغانستان. ورفض تحديد موقعه او ذكر اسمه. اما احمد رسام الذي ادين بالتآمر على تهريب متفجرات الى الولايات المتحدة لتدمير او الحاق اضرار بمطار لوس انجليس الدولي، فقد كان يسرق السيارات الصغيرة في مونتريال، ويعمل ضمن خلية لـ«القاعدة» هناك. وقد وصل الى خلدن في ابريل (نيسان) 1998 لفترة تدريب استغرقت 6 اشهر. وعندما عاد الى مونتريال اصبح زعيم الخلية هناك، واصبحت له سلطة توجيه عمليات التفجيرات الكبيرة.

ويتعاون رسام الآن مع السلطات الفيدرالية الاميركية، وذكر في شهادة له في نيويورك مطلع العام الجاري الحالي ان ما يتراوح بين 50 ومائة شخص كانوا يتدربون في المعسكر في ذات الوقت، مشيراً الى «اناس من جميع الجنسيات، اردنيين وجزائريين ويمنيين وسعوديين وسويديين والمان وفرنسيين واتراك وشيشان».

وقد تخرج رسام من معسكر ديرونتا بعدما تلقى دورة تدريبية على صنع القنابل والمتفجرات الالكترونية. وقال انه شاهد تجارب اسلحة كيماوية في ديرونتا، مثل تسميم كلاب موضوعة في صناديق عن طريق الزرنيخ، بهدف قياس تأثير هذه المادة. وجرى تدريب المجندين على وضع اسلحة كيماوية بالقرب من انابيب تهوية للمباني بهدف تسميم جميع العاملين في المبنى. وذكر رسام ان ابو زبيدة الفلسطيني كان قائد معسكر خلدن. وقد طلب منه ان يرسل له جوازات سفر كندية مسروقة لاعطائها الى اشخاص آخرين لتنفيذ عمليات في الولايات المتحدة. وقال رسام ان ابو زبيدة اعطاه قوارير تحتوي على مادة الهيكسامين والغليكول، وهي تستخدم لتسريع حركة التفجير، بالاضافة الى 12 الف دولار نقدا لاستكمال مهمته في اميركا.

كما تبين ان الانتحاريين المصريين والسعوديين الذين نسفوا السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 تدربوا في خلدن. وواحد من هؤلاء هو محمد راشد داوود العوهلي، الذي قفز من الشاحنة قبل انفجارها وبقي على قيد الحياة. وقد قدمت محاكمته في نيويورك مع غيره من الذين شاركوا في العملية المزيد من المعلومات عن خلدن. وقال العوهلي للمحققين في مكتب المباحث الفيدرالي ان اول الأوامر التي تلقاها من قائد معسكر خلدن ابو سيد الكردي كانت تدعوه «لعدم استخدام اسمه الحقيقي مرة اخرى».

وذكر ستفن غودين الضابط بمكتب المباحث الفيدرالي ان العوهلي «وصف الدورات بأنها دورات اساسية للتدريب العسكري لاستخدام الاسلحة الخفيفة وبعض عمليات التفجير واستخدام المدفعية والاتصال، واشياء اخرى مثل ذلك». وقد التقى العوهلي وغيره من المجندين بأسامة بن لادن في معسكر خلدن، حيث «اقنعهم بن لادن بالحاجة الى قتال الاميركيين وطردهم من الخليج» وفق ما افاد غودين. واضاف هذا الضابط الاميركي ان العوهلي حصل على تدريبات ارهابية متقدمة في معسكرين آخرين. وشملت تلك التدريبات «اعمال الامن والاستخبارات، وكيفية جمع وحماية المعلومات، وكيفية خطف الطائرات والباصات، وطرق خطف الافراد والاستيلاء على المباني».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»