سلطات الأمن البريطانية تواصل تفتيشها عن «مواد إرهابية» في الباخرة الهندية المحتجزة

TT

تواصل سلطات مكافحة الارهاب البريطانية تفتيش باخرة «ام في نيشا» التي اعتُرضت اول من امس في بحر المانش ثم اقتيدت الى سواحل جزيرة «أيل أوف وايت» القريبة. وبينما رفضت أمس الاجهزة المختصة التعليق على عملية التفتيش، فقد أكدت أن التنقيب جارٍ شبراً بشبر في الباخرة التي لا يُستبعد أن تبقى راسية لأيام عدة. وجاء الحادث الذي نُفذ بطريقة فاجأت المراقبين، في وقت تبقى فيه بريطانيا «في أقصى درجات الحذر» على حد تعبير رئيس الوزراء توني بلير، تحسباً لضربات ارهابية كيميائية أو نووية. واذ اتت المعلومات التي قادت الى اعتراض السفينة للاشتباه في استغلالها من قبل أسامة بن لادن أو أنصاره لتنفيذ أعمال ارهابية، من أجهزة أمن أجنبية، فقد أشارت مصادر بحرية امس ان لدى الاستخبارات البريطانية، كماً من المعلومات يشير الى احتمال تورط 22 باخرة في شحن «مواد ارهابية»، الامر الذي دفع السلطات المعنية الى تتبع حركتها في أنحاء العالم.

وفيما تابع عناصر مكافحة الارهاب تفتيش الباخرة، نقلت هيئة الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي» أمس عن مصادر أمنية قولها ان البحث الدقيق لم يتمخض حتى الآن عن العثور على اية مواد غير مشروعة. واعتذرت المصادر نفسها عن التكهن بالمدة التي ستستغرقها عملية التفتيش في الباخرة المحملة بآلاف الاطنان من السكر الخام القادم من جزر موريشيوس. واكتفت بتوقع ان الباخرة ستبقى راسية على بعد نصف ميل من جزيرة «أيل أوف وايت» لعدة أيام. ورفضت سلطات خفر السواحل البريطانية الادلاء باي معلومات لـ«الشرق الأوسط» عن عملية الاحتجاز أو التفتيش، مؤكدة ان الامر لا يزال محاطاً بالسرية. و بقاء فرقاطة «اتش ام اس سوزرلاند» الى جانبها منذ اعتراضها أول من أمس، يؤكد أن الامن البريطاني لم يطمئن بعد تماماً الى عدم صحة المعلومات التي وصلته بخصوص استغلال الارهابيين للباخرة. ونُسب الى متحدث باسم دوائر شرطة اسكوتلانديارد البريطانية قوله ان طاقم بحارة السفينة ومعظمهم من الهنود، الذين تم اخلاؤهم عنها في بداية عملية الاعتراض، قد ابدوا قدراً جيداً من التعاون مع السلطات وأنهم لا يزالون قيد الاستجواب. وقد نسبت الـ«بي.بي.سي» الى رجال الامن البريطانيين قولهم انهم يبحثون في الباخرة عن «مواد لها صلة بابن لادن»، غير أنها اشارت الى حرصهم على عدم الكشف عن أية تفاصيل اخرى.

وبينما لا تتوفر معلومات دقيقة عن «المواد غير المشروعة» التي اشتبه في وجودها على الباخرة، فقد لفت مراقبون الى ان طريقة تنفيذ «الاعتراض وسرعته تدل على أنها كانت بالغة الخطورة. ونُسب الى ضابط سابق في جهاز مكافحة الارهاب قوله «من النادر جداً ان تقوم عناصر مكافحة الارهاب باعتراض بواخر في المياه الدولية. وأضاف ان الاعتراض أسهل بكثير، خصوصاً من الناحية القانونية، اذا تم ضمن المياه الاقليمية. بيد ان السلطات فضلت ان تقتحم الباخرة في عمق المياه الدولية وهي لا تزال على بعد 30 ميلاً من الساحل الجنوبي. واعتبر الخبير ان هذا يوحي بان المشتبه في وجوده على متنها كان مواداً «قد تمثل خطراً كبيراً من شأنه أن يهدد البريطانيين».

ومن جهته، أكد رئيس الوزراء أن العملية أتت دليلاً على تعاطي بريطانيا الصارم مع القضايا التي تتصل بالارهاب و«بأي خطر يتهدد الامن الوطني». وجاء ذلك في رد على سؤال طُرح في مؤتمر صحافي مشترك عقده بلير مع ضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اول من امس في قاعدة جوية قرب مقر اقامته الريفي. واعتبر بلير ان الاعتراض يؤكد أن أجهزة الامن البريطانية «في أقصى درجات الحذر»، خصوصاً في هذه الفترة. وزاد «حتى عندما تكون المجازفة مجرد احتمال، فاننا لن نتردد في اتخاذ الاجراءات التي نراها ضرورية للتحقيق في اي تهديد محتمل». وأعرب عن قناعته بوجوب البقاء في استعداد دائم لاحباط أي محاولة للمس بـ«الامن الوطني». وقال حتى لوبدت الخطوات المتخذة في هذا الاطار «مفرطة في الحيطة»، فهذا لن يدفع الحكومة الى التراجع عن سياستها الصارمة لمكافحة الارهاب. وعقب الرئيس بوتين على اجابة مضيفه بالقول انه يشاركه «هذا الحرص على حماية الامن الوطني»، مؤكداً أن ذلك ينبغي أن يتم «بصرامة ومهنية عاليتين وبشكل ينسجم مع القانون». وكان الرئيس الروسي اوضح انه سمع باعتراض الباخرة اثر وصوله في زيارة رسمية الى بريطانيا أول من امس، من أحد الرسميين البريطانيين فقال له بشكل هازئ من دون أن يعرف التفاصيل الاساسية «عليكم أن تبحثوا عنهم (الارهابيين) بصورة افضل». الا انه سرعان ما اعترف أن «الموضوع في منتهى الخطورة ولا يحتمل السخرية، فهو يتعلق بأمن البلاد ومواطنيها».

وارتفاع درجة تأهب الاجهزة الامنية البريطانية الى مستوى غير مسبوق، يوحي بالخطر الذي تشعر البلاد بتهديده. وقد سلطت وزارة الداخلية البريطانية الضوء على جدية خطر تعرض البلاد لهجمات ارهابية من خلال وثيقة تقع في عشرين صفحة، قدمتها أول من امس في جلسة محاكمة للنظر في مسألة اعتقال المغربي جمال عجوي بشبهة التورط في الارهاب. وجاء في الوثيقة أن مقتل بن لادن سيجعل من «بريطانيا، الى جانب الولايات المتحدة، هدفاً للانتقام». واضافت «وجود المتشددين في المملكة المتحدة في هذا الوقت، وفي المستقبل المنظور، يخلق وضعاً طارئاً يهدد حياة الامة». وعن نوعية الخطر التي تهدد البلاد، قالت الوثيقة انها قد تكون هجمة نووية «سيكون لها أثر مدمر على بريطانيا». ولم تستبعد أن يتعرض نظام قطارات الانفاق في العاصمة لندن الى هجوم بالمتفجرات. كما لم تنفِ احتمال توجيه ضربة لهذا النظام بواسطة أسلحة «كيميائية او بيولوجية ستلحق أضراراً (مادية) اقل» بيد انها ستنشر الذعر بين الناس في أرجاء البلاد.

ومن ناحية أخرى، اكدت مصادر بريطانية ان اجهزة الامن تراقب عن كثب حركة 20 باخرة شحن في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، للاشتباه في احتمال استعمالها لنقل مواد ارهابية او لتنفيذ هجوم من نوع ما. وقال مسؤول بريطاني في الجهة المعنية بأمن النقل البحري لـ«بي.بي.سي» من الواضح للغاية أن «القاعدة» قد شحنت (عن طريق البحر) الذخائر الى كينيا لتفجير السفارة الاميركية هناك». واضاف «ان من السهل بصورة مخيفة» استغلال بواخر الشحن في عمليات ارهابية. واشار الى أن صناعة النقل البحري تقوم أساساً على السرية والتكتم، الامر الذي يتيح المجال لكثير من الفساد والنشاطات المخالفة للقانون في هذا المجال. وفي معرض مناقشته ضآلة الاهتمام الدولي بخطر استغلال البواخر ارهابياً، لفت الخبير البريطاني الى أن «2 في المائة من الحاويات» البحرية التي تغادر أو تدخل المياه الاقليمية الاميركية تتعرض للتفتيش.

وتجدر الاشارة الى ان الباخرة من صنع ياباني، وتملكها شركة «غريت ايسترن شيبينغ كومباني» (شركة الشحن الشرقي الكبيرة) التي تتخذ من مدينة بومباي الهندية مقراً لها. وقد نفت الشركة وجود أي علاقة لها بالارهاب الدولي مؤكدة ان التوقف في جيبوتي تم بهدف افراغ حمولات عادية، كانت بينها شحنة من الدقيق التي أرسلتها الولايات المتحدة على شكل مساعدات للبلاد.