إدارة بوش تقدر تعاون السودان في حرب الإرهاب وبعض الدوائر تنتقدها وتعتبر خطوات الخرطوم مناورة

TT

يفترض البعض ان اعلان الحكومة السودانية الاسبوع الماضي، بأنها توافق على التفاوض حول وقف لاطلاق النار يخضع للرقابة الدولية، يمثل خطوة هامة في انهاء حرب اهلية بشعة. وهو اول دليل على استجابة الحكومة السودانية للشروط التي وضعها السناتور الأميركي جون دانفورث، المبعوث الخاص للرئيس جورج بوش الذي يحاول وضع حد لهذه الحرب التي استمرت 18 عاما.

ولكن هذا الاعلان لم يحظ بحماس شديد من الكثيرين من مراقبي الشؤون السودانية في واشنطن الذين قالوا انه ليس سوى جزء من حملة الخرطوم الحالية لتجميل وجهها.

وقالت سوزان رايس مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون: «انها حالة مثالية للخداع. ان محاولة تجميل وجوههم انطلت على البعض، ولكنها لم تنطل على الجميع».

وكان السودان يحاول تحسين وضعه العالمي في نفس الوقت الذي تشتعل فيه الحرب. فبالاضافة الى مساعدته للولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب، سعى الرئيس السوداني الفريق عمر حسن أحمد البشير لأن يلعب دور كبير الحكماء في أفريقيا، عندما صرح بأنه يريد ان يساعد في تحقيق السلام والديمقراطية لجيرانه في الصومال وأفريقيا الوسطى، الذين يعانون من اضطراب الاوضاع الداخلية.

ولكن آثار الحرب اعمق من ان تزال بهذه الطريقة. وكان الرئيس بوش عين دانفورث للمساعدة في انهاء حرب راح ضحيتها حتى الآن ما يقدر بمليونين من البشر. وقد فعل ذلك استجابة لضغوط تحالف متباين الاطراف من السياسيين واصحاب المصالح، من السناتور الأميركي جيسي هيلمز، الجمهوري من ولاية كارولاينا الشمالية، وهو من الجناح اليميني، الى جيسي جاكسون وحتى الجمعية الوطنية لتقدم الملونين.

ويقول المعارضون لسياسة ادارة بوش الجديد ان الحكومة السودانية استغلت اموال النفط المكتشف في الجنوب لتمويل الحرب هناك. ويقول نفس المعارضين في واشنطن ان ادارة بوش صارت اكثر مهادنة للسودان منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الارهابية على نيويورك وواشنطن.

وقالت رايس: «يقوم السودان بجهود حثيثة ومفاجئة، محاولا الادعاء بأنه صديق عظيم للسلام وللديمقراطية وللولايات المتحدة الاميركية. هذا يتجاوز حدود التصديق».

وكان خليفة رايس، والتر كانستاينر، قد صرح للصحافيين في جوهانسبيرغ، اثناء رحلة قام بها الى أفريقيا، ان العلاقات مع الخرطوم، ومنذ هجمات 11 سبتمبر الماضي «قد تعمقت واتسعت وتحسنت تحسنا ملحوظا». فالسودان الذي استضاف في يوم من الايام أسامة بن لادن، وسمح له باقامة معسكرات للتدريب في الاراضي السودانية، كان متحمسا لتزويد المحققين الأميركيين بكل ملفاته الاستخبارية حول عمليات زعيم منظمة «القاعدة».

وقال كانستاينر: «نحن نقدر تعاون الخرطوم (حول بن لادن) ونعرف قيمته». ولكنه اضاف ان علاقة الولايات المتحدة بالسودان «يدفعها الى الامام الوضع الداخلي السوداني، أي تقدم عملية السلام على وجه التحديد، او عدم تطورها».

في زيارته الاولى للسودان في اطار مهمته، الشهر الماضي، طلب دانفورث من الحكومة ومن «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، الاستجابة لاربعة اجراءات الغرض منها بناء جسور الثقة بين طرفي الحرب كخطوة على طريق استئناف ونجاح المفاوضات.كانت تلك الاجراءات هي وقف قصف المدنيين، ووقف اختطاف واسترقاق السودانيين الجنوبيين، وتحديد مناطق آمنة وفترات زمنية حتى يتمكن موظفو الاغاثة من توزيع الاغذية ومعالجة الامراض، وضمان وصول الاغاثة الى جبال النوبة حيث تسبب القتال الشرس الدائر هناك في جعل آلاف الناس ضحايا للجوع والمرض.

وظهر اول دليل على تعاون السودان في عملية السلام الاسبوع الماضي عندما اعلن دانفورث ان الخرطوم والجيش الشعبي وافقا على ثلاثة من الاجراءات التي قدمها. وكان السودان قد رفض وجود مراقبين اجانب يحققون في قصف الاهداف المدنية. ومع انها نفت وجود الرق في السودان، الا ان الحكومة وافقت على السماح للجنة دولية بقيادة الولايات المتحدة للبحث عن الوسائل الكفيلة بمنع الرق في كل انحاء السودان.

وبصرف النظر عن النوايا السودانية، فان ثمرات وقف اطلاق النار ستجني اختبارا من اليوم عندما يتمكن عمال الاغاثة من الوصول الى جبال النوبة وتطعيم آلاف الاطفال ضد الشلل.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»