الأسرى من طالبان و«القاعدة» يثيرون مشكلة قانونية بشأن وضعهم ومحاكماتهم

خبراء يقسمونهم إلى 3 مجموعات ويقترحون محاكمة «الأسماك الصغيرة» في أفغانستان وإحالة «الكبيرة» إلى أميركا

TT

لا تشير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مطلقاً الى المقاتلين الذين يلقى عليهم القبض في أفغانستان، كـ«سجناء»، وانما تسميهم «معتقلين». وهذا تعبير لا ينطوي على دلالة محددة، ولا يشير من بعيد او قريب للمصير الذي ينتظر هؤلاء الرجال، ولكنه اختيار مقصود وله اسبابه. فالقضية لا تتوقف على مصير هؤلاء الرجال، بل تتعدى ذلك الى الطريقة التي يحدد بها هذا المصير.

ولا بد للحكومة الأميركية ان تحدد خلال الاشهر المقبلة كيف واين ستقدم للعدالة كل او بعض هؤلاء الذين قاتلوا ضد الولايات المتحدة في أفغانستان، بل عليها ان تحسم في الواقع ما اذا كانت ستقدمهم اصلا للمحاكمة. وهو قرار محفوف باحتمالات الكوارث القانونية والسياسية والشعبية. وعلى الإدارة الأميركية ان تحدد بالضبط ماذا تريد ان تحقق من تقديم هؤلاء الناس للمحاكمة. وقد يكون الانتقام دافعا قويا وراء هذه المحاكمات، خاصة في ظل الغضب الذي فجرته هجمات 11سبتمبر (أيلول) الماضي. ولكن يجب عدم نسيان السبب الاساسي الذي تخوض من اجله الولايات المتحدة الحرب، وهو منع تكرار هجمات كتلك التي حدثت يوم 11 سبتمبر الماضي. والحرب الدائرة في افغانستان لم تنته بعد، الامر الذي يمنح الأميركيين فرصة التعامل بهدوء مع هؤلاء المعتقلين.

وتقول التقديرات انه ربما يصل عدد المعتقلين الى 10 آلاف، مع ان «البنتاغون» يقول ان الذين تحتجزهم الولايات المتحدة في أفغانستان يتراوح عددهم بين 100 و300 فقط. وهؤلاء يسمون «معتقلين» بدلا من «سجناء» لأن تسميتهم بالسجناء يمكن ان تفرض معاملتهم كأسرى حرب، وهو تعبير له من الدلالات ما تبذل الدوائر العسكرية الأميركية كل الجهد لتفاديه.

أسرى الحرب يجب اطلاق سراحهم بمجرد انتهاء النشاطات الحربية، ما لم توجه اليهم تهم بجرائم حرب محددة. وما دام أسرى الحرب لا يطالبون بان يكشفوا اكثر من اسمائهم ورتبهم وتاريخ ميلادهم واثبات شخصياتهم، فان تحقيقات مكتب المباحث الفيدرالي «إف.بي.آي» يمكن الا تتمخض عن أي شيء. والاسوأ من ذلك ان اعطاء هؤلاء المحتجزين توصيف أسرى الحرب، يمكن ان يجعل من المستحيل معاقبتهم على ضرب هدف عسكري مثل «البنتاغون». فأسير الحرب لا يحاكم على شنه الحرب، ولذلك اذا اعتبرت بداية الحرب هي الهجوم على «البنتاغون»، فان فريق الدفاع عن أي شخص يحاكم بتهمة التخطيط او المشاركة في هذا الهجوم، يمكنه ان يقول ان تلك المشاركة كانت قانونية كليا.

وبهدف اعتبار الشخص «أسير حرب»، فانه يجب ان يكون قد حمل السلاح بصورة مكشوفة وارتدى شعارا ظاهرا للعيان او زيا عسكريا. وواضح ان هذه مشكلة بالنسبة لتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، اذ ان اغلب اعضاء المنظمتين لم يكونوا يرتدون زيا عسكريا. لكن لا ينبغي للقانون ان يكون حرفيا الى هذه الدرجة، فما يرتديه المقاتلون يمكن ان يعتبر زيا، ويؤهلهم بالتالي الى مركز «أسرى الحرب».

وينقسم المعتقلون الى 3 فئات اساسية: الجنود العاديون من المشاة، أو ما يسمون بـ«الاسماك الصغيرة» الذين لم يشاركوا في هجمات 11 سبتمبر، ثم «الاسماك الكبيرة» من قادة «القاعدة» وطالبان، واخيرا «الاسماك المتوسطة»، أي القيادات المتوسطة في القاعدة الذين يمكنهم ان يكونوا قد شاركوا بصورة مباشرة في الهجمات على «البنتاغون» ومركز التجارة العالمي، كما يمكنهم ألا يكونوا قد شاركوا مطلقا، وهؤلاء هم الاكثر اثارة للمشاكل. ومعروف ان غالبية المعتقلين هم من «الاسماك الصغيرة»، لكنهم على الرغم من ذلك، فانهم ليسوا جميعاً ابرياء من كل جريمة. فواشنطن ترى ان حركة طالبان ارتكبت جرائم مرعبة في أفغانستان، ولا بد ان يكون هؤلاء المحتجزون قد شاركوا في ارتكاب هذه الجرائم، وبالتالي فانه يجب توجيه الاتهامات الى هؤلاء ومحاكمتهم، لكن هذه المهمة يجب ان تضطلع بها المحاكم الأفغانية.

وهناك مجموعة صغيرة تمثل خطرا جديا ومستمرا للولايات المتحدة. وهؤلاء هم العقول المدبرة، أي القادة الكبار في تنظيم «القاعدة» وطالبان الذين كانوا يعملون معا. ولم تعتقل الولايات المتحدة حتى الآن سوى عدد قليل، يتزايد بشكل مطرد، من هذه العناصر المهمة. ومن المعقول الافتراض ان شخصا خطط لجرائم القتل الجماعي في الماضي لن يتخلى عن هذا الهدف في المستقبل ولن يفوت فرصة تلوح امامه لارتكاب نفس الجرائم. وحسب القوانين المتبعة في الولايات المتحدة، فان هذا يعني ان زعماء القاعدة وطالبان يجب محاكمتهم، واذا ثبت انهم مذنبون، فيجب ان تصدر بحقهم احكام طويلة بالسجن، او احكام بالاعدام.

وبين المجموعتين الاولى والثالثة، هناك مجموعة من الكوادر المتوسطة في القاعدة وطالبان. ويمكن ان يصل عدد هؤلاء الى عدة مئات. وهؤلاء هم الذين ينفذون الهجمات ويحولون كل خطط القاعدة الى واقع في الميدان. بعض هؤلاء موجود في أفغانستان والبعض الآخر في اماكن اخرى، ثم ان بعضهم ربما شارك في احداث 11 سبتمبر والبعض لم يشارك. وربما تنشأ معضلات حقيقية حول المشاركة الجنائية بالنسبة لاولئك الذين يقولون انهم مجرد اعضاء في تنظيم «القاعدة». الا ان غالبية هؤلاء الناس ان لم يكن كلهم، خطرون بشكل حقيقي، حسبما يرى مسؤولون أميركيون. واذا اتيحت لهم الفرصة فانهم سيرتكبون من جرائم القتل ما لا يحصيه العد. وهم ربما يكونون قد شاركوا في مساعدة وتهيئة الظروف والتآمر لارتكاب الكثير من الجرائم. ومثلهم مثل «الاسماك الكبيرة»، فانه يجب محاكمتهم، واذا اتضح انهم مذنبون، فيتعين تطبيق القانون بحقهم، وفق ما يرى مسؤولون في الولايات المتحدة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين وكيف نحاكم هؤلاء الناس؟ يقدم البعض بدائل عالمية متعددة، ولكن هذا الاقتراح تعترضه عقبات عديدة. فالمحكمتان العالميتان الموجودتان حاليا، وهما محكمة جرائم الحرب في رواندا ومحكمة جرائم الحرب في مناطق يوغوسلافيا السابقة، ليست لديهما الصلاحيات التي تؤهلهما لمحاكمة عناصر «القاعدة» وطالبان. ثم إن محكمة الجزاء الدولية لم تنشأ بعد. وعندما يتم تكوينها فانها لن تكون حائزة على صلاحية محاكمة جرائم ارتكبت قبل تكوينها. ولذلك سيكون من الضروري خلق محكمة دولية جديدة. ومن الممكن لمجلس الأمن الدولي ان يشكل مثل هذه المحكمة. كما يمكن للولايات المتحدة وبعض الدول تكوين محكمة على غرار نورمبيرغ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولكن كلا هذين الخيارين سيستغرق الكثير من الوقت ويحتاج الى الكثير من المشاورات.

وهذا هو السبب الذي يجعل خيار احضار زعماء «القاعدة» وطالبان الى الولايات المتحدة ومحاكمتهم هناك، هو الخيار الاقرب الى التطبيق. وربما يكون قرار وزارة العدل الأميركية بمحاكمة «الخاطف العشرين» زكريا موساوي، الفرنسي من أصل مغربي، بالمحكمة الفيدرالية في الاسكندرية بالولايات المتحدة قد وضع سابقة يمكن الاستناد اليها في هذه المحاكمات. وتتمثل النقطة المهمة هنا في ان آثار اعمال موساوي حدثت داخل الولايات المتحدة، كما ان اثار اعمال قيادة طالبان والقاعدة حدثت ايضا داخل الولايات المتحدة، وبالتالي فان الذين تسببوا في قتل ضحايا 11 سبتمبر يجب ان يحاكموا في الولايات المتحدة.

وهناك سؤال آخر مفاده: هل المكان الملائم في أميركا نفسها هو المحكمة العسكرية ام المحكمة الفيدرالية؟ وتتمثل الحجة التي تذكر دفاعا عن المحكمة العسكرية في ان هذه المحكمة ستحافظ على سرية المعلومات وعلى سلامة القضاة والمحلفين، وانها ستمنع احتمال المحاكمة المدنية، التي سيكون من الاسهل صدور الادانات ضدها، لأن المتهمين لديهم حقوق اقل.

ولكن وزارة الدفاع اختارت ان تتجاهل هذه المزايا في محاكمة موساوي. فنفس الاسباب التي جعلت موساوي يحاكم امام محكمة فيدرالية ستجعل بعض «الاسماك الكبيرة» على الاقل ومن ضمنها أسامة بن لادن، تحاكم امام المحكمة الفيدرالية في حال تم القبض عليه.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»