تفاصيل العالم السري لتنظيم «القاعدة» داخل أفغانستان: بن لادن أسس مجتمعا خاصا له مدارسه ومحلاته ومعسكراته

«القاعدة» بنت فيلا فخمة للملا عمر وطريقا نادرا حولها * تدمير تماثيل بوذا جاء بتوصية من المنظمة * طالبان فقدت السيطرة وتحولت إلى متحدث باسم بن لادن * لأول مرة منظمة إرهابية تختطف دولة بأكملها

TT

وصل اسامة بن لادن وزوجاته الثلاث واولاده الـ13 وثلة من رفاقه العرب وحراسه الشخصيين في مايو (ايار) عام 1996 الى مطار جلال آباد في شرق افغانستان اثر دعوة وجهها له احد القادة العسكريين المحليين للاقامة هناك بعد طرده من السودان.

وتحولت جلال آباد، وهي مركز تجاري تعمه الفوضى ومجاور لباكستان ولا يبعد سوى بضع ساعات بالسيارة عن سلسلة من المخابئ والكهوف الجبلية المعروفة بتورا بورا، الى قاعدة لابن لادن عكف فيها على بناء جيش تابع له من محاربين متدينين متعددي الجنسيات وارهابيين معولمين ضمن حدود دولة مستقلة. ورغم ما يكتنف السنوات الخمس التي قضاها بن لادن في افغانستان من غموض، فان ملامح منظمته بدأت بالتجلي من خلال الادلة والوثائق المختلفة التي عثر عليها في البيوت ومعسكرات التدريب التي فرت منها عناصرها، الى جانب افادات وشهادات من كان على معرفة بمقاتلي «القاعدة» من الافغان.

وتشير الادلة المختلفة الى ان بن لادن وبينما كان يشكل شبكته الاوسع من الخلايا الارهابية في الخارج، فانه انشأ مجتمعا داخل المجتمع الافغاني الاوسع. فكانت «القاعدة» تدير مدارسها ومحلات البقالة الخاصة بها ومكاتبها ومختبراتها وطائراتها. واستفادت من تعاطف الحكومة معها ومن التضاريس الجغرافية الوعرة للبلاد لايواء واطعام وتدريب آلاف من المجندين على حروب العصابات في معسكرات تدريب تابعة لها.

وخلافا للصورة الشائعة بأن عناصر «القاعدة» حلوا ضيوفا على قادة حركة طالبان، فان الادلة الاخيرة تشير الى علاقة اكثر تعقيدا بين الطرفين. اذ لجأت منظمة «القاعدة» الى استغلال ثروة بن لادن الشخصية وقدرته على جمع الاموال لتأمين استقلاليتها، بل والتمتع بالحصانة في بعض الحالات، من سلطات طالبان التي كانت بحاجة ماسة الى ملايين الدولارات التي وفرها لها بن لادن.

وظلت انشطة منظمة بن لادن بعيدة عن التدقيق والمتابعة حتى من قبل طالبان نفسها. ويعلق في هذا السياق محمد خاكزار نائب وزير الداخلية في طالبان، وهو اهم مسؤولي طالبان الذين انشقوا عنها، بتشبيه منظمة «القاعدة» ببيت من طبقات متعددة، وقال «كنا نعرف ما يدور في الدور الارضي اما الادوار العلوية فكانت هناك غرف لا ندري ما يجري فيها». ويبدو ان طالبان منحت بن لادن وعناصر منظمته الحرية الكاملة في الحركة والعمل، اذ يقول نقيب الذي يعمل طبيبا في جلال آباد وكان على معرفة بعدد كبير من عناصر «القاعدة» من خلال عيادته الطبية الخاصة «لقد ارادوا التمتع بالحماية والحصول على قدر من القوة لانفسهم والعمل داخل افغانستان دون منغصات».

وعندما وصل بن لادن الى جلال آباد استقبله معارفه خلال فترة الحرب في الثمانينات ضد الاحتلال السوفياتي لافغانستان. وكان ذهابه الى هناك تلبية لدعوة وجهها له قائد محلي بارز اسمه محمد قتل بعد عدة شهور. ولكن بن لادن تمتع بحماية قائد افغاني آخر متقدم في العمر هو يونس خالص الذي اهدى بن لادن مجموعة من البيوت الطينية في قريته بفارم هادا وتبعد 6 اميال عن جلال آباد. واقامت عائلة بن لادن فترة من الوقت في تلك البيوت التي استخدمت فيما بعد لاقامة عناصر «القاعدة» وكمركز لادارة العمليات المحلية، طبقا لافادات الجيران.

وبعد مدة قصيرة صادق بن لادن الملا محمد عمر بعد ان تمكنت قواته من بسط سيطرتها على كابل وجلال آباد في اواخر عام 1996، اي بعد بضعة اشهر من وصول بن لادن الى افغانستان. ثم انتقل بن لادن للاقامة في قندهار، معقل طالبان، في عام .1997 واصبح من الممولين المهمين لحركة طالبان، ووفقا لتقديرات اميركية منح بن لادن تلك الحركة حوالي 100 مليون دولار خلال 5 سنوات. وتقول الاستخبارات الباكستانية ان مصدر معظم تلك الاموال يعود الى قدرة بن لادن على جمع التبرعات من المنظمات الاسلامية الموجودة في انحاء العالم. وتوضح مصادر افغانية ان «القاعدة» عمدت الى انشاء فيلا الملا عمر بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في عام .1997 وهذه الفيلا في قندهار اشبه ما تكون بقصر فاخر يضم جداريات مبهرجة ومآذن جميلة واصبحت مكانا مهما لعقد اجتماعات منظمة «القاعدة» وزعيم طالبان. بل ان «القاعدة» شقت طريقا معبدا حول الفيلا وهو ما يعتبر امرا نادرا في بلد مثل افغانستان. وعلق احد العاملين الغربيين في مجال الاغاثة قائلا «لقد كان وجود ذلك الطريق امرا غريبا فعلا، ففجأة تجد نفسك تمشي فوق طريق ممهد مريح عندما تصل قرب محل اقامة الملا عمر، ثم وبلا مقدمات تعود من جديد للسير فوق الطرق الترابية المتعبة». ومنذ انهيار طالبان قبل عدة اسابيع، القت المقابلات التي اجريت مع المتعاطفين والمناهضين لطالبان الضوء على ما كان للقاعدة من تأثير داخل طالبان. وتروي وثيقة عثر عليها في احد بيوت كابل ارسال مقاتلي «القاعدة» وعدد من المسلحين الاوزبك والشيشان والباكستانيين وفدا الى طالبان من اجل «مناقشة مصير تمثالي بوذا»، المنحوتين في الصخر ويصل عمرهما إلى نحو 3 الى 5 قرون. واقدمت طالبان على تفجير التمثالين مطلع هذا العام بناء على توصية من «القاعدة». ويفهم من الوثيقة ان «التجمعات الاسلامية» او «الاجنبية» التقت عدة مرات لاجل الضغط على طالبان لاتخاذ قرارات مختلفة، وكان القادة الافغان يعارضون بعضا منها. واعرب امين مجاهد الذي حاول اقناع طالبان بالعدول عن تفجير التمثالين عن اعتقاده بأنه «منذ الايام الاولى وانا اشعر بان طالبان ليست وراء فتح هذا الموضوع، بل ان الاسلاميين المتشددين الباكستانيين والعرب هم وراءه، ولم تكن طالبان الجهة التي تقرر بل الجهة التي تنفذ». ويضيف استاذ التاريخ في جامعة كابل «كان الآخرون يملون عليهم وكانوا هم يكتفون بالترديد، ويمكن القول بسهولة انهم (طالبان) لم يكونوا سوى متحدثين باسم بن لادن». ويؤكد عبد الباقي حصري وهو استاذ تاريخ كان قد ناشد طالبان الابقاء على التمثالين على ان «طالبان فقدت سيطرتها على زمام الامور في الاشهر الاخيرة ووقعت تحت سيطرة الجماعات الاسلامية الاجنبية».

وبات زمام ادارة امور البلاد في يد عناصر «القاعدة»، فعندما القي القبض على عربيين من «القاعدة» لتحرشهما بصاحب احد المحلات في كابل ووضعا في السجن، صدرت الاوامر سريعا باطلاق سراحهما وتسريح المسؤول البارز في طالبان الذي امر بالقبض عليهما. ويوضح حميد الله المساعد الشخصي لرئيس قوات طالبان الامنية انه «حتى القوات الامنية لم تكن قادرة على السيطرة على هؤلاء. فـ«القاعدة» كانت تمد تلك القوات بالمال، وهذا يعني انها كانت عاجزة عن التدخل في شؤون «القاعدة»... وحتى لو ان عربيا ارتكب جريمة فلم يكن احد يجرؤ على سؤاله لم فعل ذلك ناهيك من القاء القبض عليه».

كما كان هناك حافز آخر يدفع قوات الامن على تجنب الصدام مع عناصر «القاعدة»، فرواتب افراد تلك القوات كانت تسدد من ممتلكات «القاعدة». اذ كانت مؤسسة الراشد، وهي جمعية خيرية باكستانية لها صلات وثيقة بـ«القاعدة» واعتبرتها الولايات المتحدة من بين المنظمات الممولة للارهاب، هي من كان يسدد رواتب العاملين في مكتب طالبان للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، طبقا لشهادات العديد من العاملين السابقين في هذا المكتب. وعلق احد الدبلوماسيين الغربيين الذي يتمتع بسنوات من الخبرة في هذه المنطقة قائلا «ربما تكون هذه هي المرة الاولى التي نشهد فيها اختطاف منظمة ارهابية لدولة باكملها».

وبحلول هذا العام اصبحت صلات بن لادن بافغانستان عميقة الى حد امتناع اي مسؤول بارز في طالبان عن محاولة تسليمه الى الولايات المتحدة خلال الايام والاسابيع الاولى التي تلت هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الارهابية على نيويورك وواشنطن، حسبما اشار خاكزار نائب وزير داخلية طالبان. واضاف «لم يكن هناك من يفكر في ذلك»، اما من حاول طرح مثل هذا الامر فوجد نفسه معزولا.

* معسكرات تدريب وبيوت آمنة

* لم يكن بامكان بن لادن وعناصر قاعدته ان يجدوا بيئة مناسبة لنشاطاتهم السرية أكثر من تلك القرى الفقيرة والكهوف المنيعة والمدن التي تعمها الفوضى في افغانستان. واقامت «القاعدة» مخيمات تدريبها قرب قرويين كان تحصيل قوتهم اليومي بالنسبة لهم اهم من متابعة ما تقوم به «القاعدة» من انشطة عسكرية قرب بيوتهم البسيطة.

ووصل المقاتلون العرب قبل 5 سنوات الى بلدة دار ونتا الصحراوية على بعد 6 اميال الى الشمال الشرقي من جلال آباد. وتعيش هناك 70 الى 80 عائلة في بيوت اشبه ما تكون بصناديق طينية لا يستطيع المرء ان يرفع فيها قامته لشدة انخفاض سقوفها وهي محاطة بالجبال الشاهقة، اما وسيلة التنقل الوحيدة في هذا المكان فهي الجمال والحمير. وفوق تلة تطل على هذه البلدة اقام مقاتلو «القاعدة» معسكر تدريب بدائي نصبوا فيها اكواخا بسيطة من الطين. وبدأ المجندون الجدد من سعوديين وباكستانيين وشيشان وسواهم من اجانب بالتوافد على هذا المعسكر لقضاء مدد تدريب تتفاوت بين 4 الى 6 اسابيع، طبقا لشهادات سكان البلدة. وكان يصل عدد المتدربين احيانا الى 200 متدرب يعيشون داخل المعسكر المطل على نهر دار وونتا، وفي احيان اخرى لم يكن هناك سوى 3 الى 4 حراس فقط.

ولم يبادر العرب في البداية الى الاختلاط باهل البلدة، ولكنهم مع الوقت صاروا يرسلون الطهاة الذين يعملون لديهم الى البلدة لاستئجار اطفال منها لاصطياد الكلاب الضالة. وكان الصغار يلاحقون تلك الكلاب التي كانت تتحلق حول محل جزار البلدة. وكان اهل البلدة يراقبون والدهشة تعتريهم إقدام بعض المتدربين الى ربط متفجرات حول بطون بعض الكلاب واطلاق سراحها لتنفجر على مسافة منها وهم يهتفون «الله اكبر». واكد اهل البلدة على ان العرب لجأوا الى استخدام الارانب البيضاء في اختبار متفجراتهم ايضا. كما وصف السكان المحليون ممن طالعوا اجزاء من التدريبات التي كانت تجري داخل المعسكر بتدحرج المتدربين على الرمل ثم قفزهم داخل حلقات مشتعلة من النيران واطلاق نيران بنادقهم الاوتوماتيكية المنتصبة في وجه الجبال امامهم.

* 20 ألفا عبروا الحدود

* ووفقا لتقديرات مسؤولين بارزين في الاستخبارات الباكستانية فان 20 الف شخص، معظمهم من العرب، عبروا خلال العقد الماضي الحدود الباكستانية الى افغانستان سعيا وراء الانضمام الى الجماعات العديدة التي اعلنت الجهاد هناك.

ونجح نحو 5 آلاف من هؤلاء في الاختبارات الشاقة والمقابلات العديدة التي تؤهلهم لأداء قسم الولاء لابن لادن، حسب مسؤولي الاستخبارات الباكستانيين الذين اشاروا الى اعتماد تقديراتهم على سجلات الهجرة والعبور. ونوه احدهم الى ان «القاعدة كانت لا تختار الا الافضل». وكان المنضمون الجدد الى المنظمة يفدون من السعودية ومصر واليمن والاردن والشيشان وباكستان وبنغلاديش واوزبكستان وتاجيكستان والصومال وسنغافورة والجزائر وتونس والكويت والامارات العربية. وكانت السفارات الباكستانية تمنح تأشيرات العبور الى باكستان بشكل منتظم لكل من يحدد «اسداء الوعظ والارشاد» غرضا لزيارته. ولهذا كان من السهل الوصول الى افغانستان من مدن مثل بيشاور او كويتا بعد الحصول على مجرد ورقة لا اكثر من القنصليات الافغانية، ومن دون الحاجة الى دمغ جواز السفر، مما قد يثير متاعب عند التحرك في الخارج.

وكان المقاتلون يستقرون داخل وحول مدن مثل كابل وقندهار وجلال آباد حيث تكون في انتظارهم بنية تحتية مناسبة لتلقي التدريبات العسكرية. وكان من يقيم في قندهار منهم يعيش حياة مختلفة عمن يحيط بهم من اهل المدينة، وكانوا يتلقون التدريب في معسكرات خاصة يحظر على معظم الافغانيين دخولها. ومن بين تلك المعسكرات معسكر يدعوه الجيش الاميركي «تورناك فارمز»، اما الافغان فيسمونه «وولف فرونتير» او (تخوم الذئب)، وتم العثور هنا على منشورات حول الطيران ومواد كيماوية. ويقع هذا المعسكر جنوب مطار قندهار ويضم 70 بيتا من الحجارة، وعثر على اراجيح ودراجات للاطفال في ساحته الامامية. وهناك ملجأ في كل بيت بعضها مملوء بالذخيرة والمتفجرات والقنابل.

وهناك عشرات البيوت والمباني التي كانت مخصصة لتدريب عناصر «القاعدة» في كابل ايضا، وبعد فرار مقاتليها الى العاصمة عثر في بيوتهم على كتب مكتوبة بخط اليد بلغات متعددة شديدة الشبه ببعضها البعض، مما يشير الى ان مضمون الدورات التدريسية كان متناسقا الى حد كبير. وكانت هناك تعليمات حول استخدام الاسلحة النارية والكلاشنيكوف والبنادق وكيفية تنظيف وتركيب الاسلحة المختلفة ومعلومات اساسية حول التحركات العسكرية وفصل ختامي عن المتفجرات وبينها «تي.إن.تي» و«سي ـ 4» والديناميت.

اما في جنوب كابل فقد لجأ عناصر «القاعدة» الى استخدام معسكر تدريب «تشاراسياب» الذي كان قلب الدين حكمتيار هو اول من اقامه في اوائل التسعينات. ويشتمل هذا المعسكر على مكاتب ومسجد ومدرسة دينية وتوجد فيه معدات تدريبات رياضية، وحفر المتدربون اسماءهم على جدران المعسكر بالعربية ولغات اخرى. وحسب الجيران، كان يعيش 130 اجنبيا في بيت حكمتيار السابق الذي توجد فيه بركة سباحة وعلى بابه عبارة تقول «لا تدخل وسلاحك معك».

وكان الحرس المسلحون يتولون مهمة ابعاد الجيران عن المعسكر، وقال فيروز (22 عاما)، الذي يسكن على مقربة منه «كان الناس يكرهونهم ولكننا كنا اضعف من مواجهتهم وقتالهم»، وفي احد الايام عمد احد المقاتلين الى صف سيارته قرب بيت فيروز مما حمله على الشكوى، خوفا من تحول بيته الى هدف للقنابل الاميركية، ولكن ذلك المقاتل قال له إنه ليس هناك ما يدعو للقلق لانه «عندما نموت فاننا سنموت جميعا».

واوضح من كان لهم تعاملات تجارية او صلات بـ«القاعدة» من الافغانيين ان المنظمة اجتذبت صنفين مختلفين من الناس الى افغانستان. اما الصنف الاول فهم الفقراء من المسلمون الذين لم يكونوا اكثر من وقود لحروب العصابات التي شنتها المنظمة، والصنف الآخر من المتعلمين الاغنياء الذين كانوا يرتدون افخر الثياب ويقودون السيارات الجديدة ويتحدثون الانجليزية والفرنسية الى جانب العربية ويحملون جوازات سفر اميركية او اوروبية ولهم مصالح بعيدة. واوضح احد اصحاب محلات الكومبيوتر في جلال آباد ان افرادا من النوع الاخير كثيرا ما كانوا يأتون اليه ويطلبون منه اخراج كل طلابه من صفوفهم، ويدفعون له 3 اضعاف ما يحققه من ربح في اليوم ليستخدموا اجهزة الكومبيوتر، بعيدا عن اعين الرقباء، وقال «كانوا يريدون استخدام كل شيء بسرية مطلقة حتى انهم كانوا يمسحون اي اثر لهم على تلك الاجهزة». اما الطبيب نقيب الذي يدير عيادة خاصة متواضعة كان يتردد عليها العديد من عناصر «القاعدة» وابناء اسرهم فأوضح «كانوا يولون عائلاتهم عناية كبيرة، وكانوا يجلبونهم الى العيادة حتى لو كان ما يعانون منه مشكلة صحية تافهة، وكانوا يحضرون اطفالهم الى هذه العيادة الخاصة حتى لو كان ما يعانون منه لا يتجاوز نزلة برد».

ويصف بصير خان احد قادة التحالف الشمالي الذي انتقل للعيش في احد البيوت التي كانت تقطنها 4 عائلات لعناصر من «القاعدة» في كابل ما وجده في البيت على انه لا يتجاوز موجودات اي بيت عادي، فهناك الكتب المدرسية للاطفال، وكتاب رياضيات للصف السادس وكتاب جغرافيا للصف الرابع وكتب طبخ ودواوين شعر ودليل استخدام طابعة كومبيوتر. ولكن الى جانب تلك الكتب هناك كتاب بالعربية (150 صفحة) يشتمل على معلومات توضح كيفية إرسال رسائل مشفرة والعمل بشكل خفي وتمرير المواد من طرف الى آخر من خلال نقاط التقاء تدعى «القبور». ويوفر دليل آخر نصائح يبدو انها شكلت اسلوب عمل «القاعدة» فيما اوصل الى هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وتتلخص في «اضرب وأوقع الرعب في صفوف اعدائك».

* وصلوا من بريطانيا

* اما في جلال آباد فان جيران «القاعدة» هناك قالوا ان المقاتلين العرب تجنبوا التعامل مع الافغانيين المحليين لانهم كانوا لا يشربون الا المياه المعدنية المستوردة من الخارج. ويتذكر احد الافغان الذي حل ضيفا على عناصر «القاعدة» في أمسية من الأمسيات ان اثنين منهم كانا قد وصلا من بريطانيا وان ثالثهما كان يتحدث الفرنسية بطلاقة، وقال «لقد وصفوا الغربيين بالطواغيت، واشار حليق من بينهم الى ان الطواغيت لا يسمحون لهم باطلاق اللحى هناك».

ورغم ان بيوت «القاعدة» في فارم حدا في محيط جلال آباد بدائية ومبنية من مخلوط من الطين والقش، فانها مزودة بالكهرباء، وهناك ما يشير الى وجود تقنيات متقدمة مستوردة من الغرب. ويشاهد من يزورها كتيبات لأحدث التقنيات اللاسلكية، الى جانب ادوية وحقن واطعمة مرمية على الارض وصناديق من الذخيرة الى جانب قاموس عربي ـ انجليزي ممزق. وكان سكان هذه البيوت قد فروا من فارم حدا في قافلة من 40 شاحنة صغيرة تكتظ بالعائلات والمقاتلين وممتلكاتهم بعد مدة قصيرة من بدء الغارات الاميركية في 7 اكتوبر (تشرين الاول) الى كهوف جبلية، حسبما أفاد الافغان المجاورون.

وسارت تلك القافلة لمدة ساعتين لبلوغ تورا بورا وجبال ميلاوا فوق طرق وعرة لا يسلكها الا تجار الأفيون. وعند وصولهم الى اسفل الجبال تسلقوا سلسلة من الطرق التي شقتها قوات «القاعدة» خلال الاعوام الماضية للوصول الى ميلاوا خلف تورا بورا، طبقا لإفادات القرويين. وقال مير محمد احد القروين «لقد شقوا تلك الطرق لأنفسهم،» وبعد 11 سبتمبر ظلت الشاحنات التي تنقل افراد «القاعدة» تتوافد على هذا الطريق «صبحا ومساء»، واحيانا يصل 10 منها و20 في وقت واحد.

اما اين اختفى هؤلاء فلا يزال ذلك في عداد الاسرار، ولا يعرف اين اختفى العديد منهم، فاما انهم قتلوا جراء القصف المتواصل او انهم هربوا الى باكستان او اماكن اخرى. ولكنهم في جميع الاحوال خسروا طالبان واقامتهم في افغانستان. وعلق ميهان الذي لا يتجاوز 19 عاما واعتاد على مراقبة مجندي «القاعدة» وهم يفجرون الكلاب في محيط قريته دار وونتا «اني سعيد لتركهم هذا البلد فنحن لا نريد مزيدا من القتال بل نريد السلام».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»