الوزير الإسرائيلي اليميني ليبرمان: أتفق مع عرفات على أن شارون لا يعرف ما يريد ولا جدول أعمال له

TT

يقول الوزير المتشدد إيفيت ليبرمان ان هناك مسألة واحدة فقط يتفق مع عرفات بشأنها، وهي «انه لا توجد لدى شارون خطة محددة ولا جدول أعمال».

هذا الوزير الذي ظل يهدد بالانسحاب من حكومة أرييل شارون (ثم سحب تهديده عقب اغتيال حليفه رحبعام زئيفي) يقول: ان عددا من الفلسطينيين الذين قابلهم خلال زيارته للمناطق المضطربة يشاطرونه الرأي. أجل انها النقطة الوحيدة التي ينتهي عندها اتفاق الخصمين. وفي ما عدا ذلك يتحدث عرفات عن دولة فلسطينية، بينمايرى ليبرمان حلا مختلفا تماما: كانتون فلسطيني.

لم يتضح لي بعد من أين استوحى ليبرمان فكرة الكانتونات السويسرية، أو ما هي أوجه الشبه بين الكانتونات المسالمة، التي يتكون منها الاتحاد السويسري، وبين التوتر الدموي في منطقة الشرق الأوسط؟ قابلت الرجل في مكتبه المحاط برجال الأمن في القدس. سألت ليبرمان في بداية اللقاء: اذاً فأنت تفكر في الاستقالة من الحكومة؟

فأجاب: «حسنا، ان فعل الاستقالة ليس مهما. وتعلمين ان الصحافة تحاول التركيز على التفاصيل المثيرة. لقد سألت رئيس الوزراء ومنذ عدة أشهر: ما هي خطتك؟ وما هي وجهتك النهائية؟ تعلمين انني روسي، وأنا لا أحب الحديث عن اتفاقيات مرحلية أو مؤقتة، لكن يا للعنة.. عندما يجد المرء نفسه تائها في الغابة فانه يختار اتجاها ويتبعه. وهكذا مازلت أتساءل: ماذا عن المشكلة الفلسطينية؟».

* ماذا عنها؟

ـ لا أعتقد ان لدي مايكفي من المعلومات أو الحلول. ففي اسرائيل هناك أربع ادارات مختصة: وزارة الخارجية، والموساد، والشين ـ بيت، وأمان (المخابرات العسكرية). وفي العادة يشعر الناس حيال هذه الأجهزة بالاحباط، لأنهم يطرحون آراءهم الخاصة بتفصيل. وفيما بعد، لا أحد في واقع الأمر يطلع عليها وينتهي بها المطاف الى سلة المهملات، الأمر الذي دفعني لتقديم الاقتراح التالي:دعونا نطلب منهم وضع تصورات مختلفة.

* وماذا بعد؟

ـ لم يحدث شيء. فقد تساءل ايهود باراك: «ماذا يفهم هؤلاء؟»، وكما تعلمين، فاننا لم نستقر ونضع أولويات دولة اسرائيل. فعلى سبيل المثال: قبل الفلسطينيين، علينا التعامل مع عرب اسرائيل. لم نجر مناقشات جادة، ولم نضع استراتيجية، ومجمل عملية صناعة القرار داخل الحكومة تعتمد على الثقة. فنحن نثق في «عبقريتنا اليهودية» الى حد كبير، وهكذا فاننا نفكر بارتجالية.

* يبدو الأمر خطيرا.

ـ اذا تأملت الوضع ستجدين انه بعد كل حادث يتعرض له الجيش، يتم اجراء تحقيق وتتم الاستفادة من الدروس. لكن بعد «أوسلو» لم يفكر أحد في الأمر أو يستفيد.

* أرجو التوضيح. هل تقارن «اتفاق أوسلو» بحادث عسكري؟

ـ ربما أجل وربما كلا. لكن علينا أن نوجه لأنفسنا الأسئلة الصحيحة. فأنا عضو في الحكومة، لكن بعد الخدمة فيها لعدة أشهر لا تبدو الوجهة التي نتجه اليها واضحة بالنسبة لي ولعدد كبير من زملائي.

* لكن عندما قررت الانضمام لحكومة شارون الموسعة، ألم تطلب حينها اجابات على أسئلتك؟

ـ أجل طلبت ذلك، لقد فعلت، ولم أتلق أية إجابات واضحة: تلقيت فقط رؤوس نقاط.

* ومنذ ذلك الحين: ألم تطالب باجابات مفصلة من شارون؟

ـ حاولت مرات عديدة لكن دون أن أنجح.

* قال رئيس وزراء تركيا ان شارون أخبره بأنه يجب ازاحة عرفات عن السلطة.

ـ ما الجديد في الأمر؟ لقد أخبرني بذلك. انه فقط يتحدث عن ذلك. ان الجميع يشعرون بالملل من عرفات. هل تابعت مواقفه الأخيرة؟ اننا جميعا ندرك بأن أيامه معدودة. أنظري، لقد وصفه ايهود باراك مرات عديدة بأنه «كاذب» أما شارون فهو فقط حتى الآن يصدر تصريحات تلو الأخرى؟

* اذا ما هو برنامجك؟ وهل لديك برنامج على عكس شارون؟

ـ لقد اقترحت مشروع الكانتون. واذا ما تأملت في الواقع فلن تجدي ارتباطا بين غزة والسامرة، على الاطلاق، وفكرة اقامة ممر، سيؤدي الى تقسيم إسرائيل، سخيفة. اذ لا توجد علاقة عائلية بين غزة والسامرة. وكل منها لديها مشاكلها المختلفة تماما. فغزة تعاني من المناطق المزدحمة بالسكان. بينما لا تشكو السامرة من هذه المسألة. وقد أكد لنا التاريخ ان الممرات تعرضت دائما للانهيار. وأنا اقترح اقامة أربعة كانتونات: غزة، أريحا، يهودا والسامرة. وهذه يجب أن لا تكون جزءا من دولة اسرائيل. كما يجب أن تتوفر فيها زعامات مختلفة.

* وهل سيتم التنسيق فيما بينها؟

ـ كلا، لا حاجة لربطها ببعضها البعض.

* كنت مع الوزير زئيفي قبل اغتياله.

ـ أجل، كنت معه مساء الليلة السابقة حيث كان يفترض أن نظهر معا عبر شاشة التلفزيون. وقد الغيت مشاركتي في البرنامج، عندما انتشرت شائعات بشأن اغتيال وزير، حيث اعتقد العديد ان المقصود هو أنا.

* هل كان ذلك بسبب سياستك المتشددة؟

ـ كانت مجرد شائعات.

* كنت وزئيفي قد قررتما ترك حكومة شارون في تلك الليلة؟

ـ أجل، حينها قابلت شارون في مستشفى هداسا، عندما هرول لتفقد زئيفي. وقد طلب مني الحضور ورؤية ماحدث له «بأربعة أعين». عندما مات زئيفي كنت مع شارون في مكتب رئيس الوزراء. يومها شاهدت شارون وهي في حالة عاطفية فظيعة.

* وهكذا كان قرارك بعدم الاستقالة عاطفيا؟

ـ أجريت أنا وشارون محادثة معقدة للغاية. لم يكن الأمر هينا ولذلك قررت منح المسألة فرصة أخرى. انني أبحث عن أسباب تدفعني للبقاء في الحكومة وليس الى مغادرتها.

* لكن هذه الحكومة، التي تضمك وتضم اليساري شيمعون بيريس، تبدو مشلولة.

ـ أتفق مع بيريز في عدد كبير من القضايا (وهو رجل يثير الاعجاب) في أي شيء باستثناء المشكلة الفلسطينية.

* حسنا.. لكن ماذا عن المسؤول السابق عنك، بنيامين نتنياهو، أما زلت على اتصال مستمر به؟

ـ ليس بشكل متواصل، ولكن من وقت لآخر.

* هل سيكون رئيس الوزراء المقبل؟

ـ يعتمد الأمر على شارون. اذا ما تغير شارون ونجح ـ فلا شيء سيمكن بيبي من ازاحته. أما اذا فشل فستكون أيام شارون معدودة. أنظري الى الاسرائيليين انهم اليوم يقفون في الوسط. هم يريدون السلام، ويودون العيش بهدوء. ويمكنهم تأييد من يستطيع أن يقدم لهم ذلك.

* بعد تسعة أشهر ـ فترة حمل ـ هل مازلت تعتقد بأن شارون يمكن أن يفعل ذلك؟

ـ اذا ما غير سياسته، وبدأ في اتخاذ اجراءات فورية. لأن بيبي لم يعد مناسبا. لقد قلت له اخيرا ان الكرة في ملعب شارون.

* مع من التقيت من الفلسطينيين؟

ـ لا أريد أن أذكر لك أسماء. لقد التقيت بالبعض منهم. ومعظم الذين قابلتهم يعتقدون ان عرفات عبء لا يمكن الاعتماد عليه.يعتقدون ان الوقت قد حان لرحيله.

* اذا من تعتقد بأن عليه أن يخلفه؟

ـ تلك ليست مشكلتي. وأنا لن أتخذ قرارات نيابة عنهم.

* لكنك تدعو للتخلص من عرفات.

ـ العديد منهم يتفقون معي في الرأي.حتى انني مستعد لقبول احتمال أن لا يأتي بعده خليفة مستقر، واننا سنجد أنفسنا امام شعب لن نتمكن من التعامل معه.

* ماذا ستفعلون حينها؟

ـ مرة أخرى أقول: لا بد أن تتوفر لدينا بدائل مفصلة، وأن نستعد وفقا لما قد يحدث.

* أزور اسرائيل وأشعر بالانزعاج لمستوى البطالة في بلدكم، وكأنكم تعانون من كساد.

ـ حسنا، لايمكن أن يتوفر لديك اقتصاد مزدهر بوجود من ينتحرون بتفجير أنفسهم في كل مكان. كما ان وزارة الخارجية الأميركية ـ حذرت الناس من المنطقة. وهكذا فلا توجد سياحة ولا مستثمرون أجانب.

* لقد أثر هذا على الطرفين. الفلسطينيون يعانون أيضا.

* أجل، لكننا لم نعتد خوض حرب طويلة الأمد. وبسبب مستوى معيشتنا المرتفع وما اعتدنا عليه، لا بد أن تكون عملياتنا قصيرة وفعالة. أما الفلسطينيون ـ وهنا يجب أن أعترف ـ فقد اعتادوا على المعاناة الطويلة. ان ما يحدث يلحق ضررا أكبر بنا.