ضابط أميركي يروي تفاصيل المعارك: حلفاؤنا الأفغان كانوا يهربون فنركض وراءهم لإعادتهم إلى القتال

TT

بعدما انتهى الكابتن جاسون امرين ورجاله من تأمين موقعهم خارج مدينة تارين كوت في وسط افغانستان، بدأوا في المطالبة بقصف جوي. ولكن مع مشاهدة قوات العدو ركب حلفاء القوة الاميركية من القوات المعادية لطالبان سياراتهم وفروا هاربين.

واسرع امرين الغاضب باللحاق بهم امام مجمع الزعيم القبلي حميد كرازي وطالب المساعدة. وناشدهم يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) «هؤلاء الرجال لا يفهمون اننا يمكننا هزيمتهم (قوات العدو)، سآخذ هذه السيارات معي.. ابعث برجالك للحاق بنا».

وذكر امرين انه بعد انتهاء المعركة التي استغرقت عدة ساعات، تمكنت قواته بمساعدة من المقاتلين الافغان الممانعين ومجموعات من الطائرات الاميركية، من الحاق اضرار كبيرة بقافلة سيارات تابعة لطالبان تضم 80 سيارة، وانقذوا مدينة تارين كوت من الدمار وساهموا في تحويل كرزاي وهو زعيم حرب افغاني غير مشهور، الى زعيم مؤقت لافغانستان في مرحلة ما بعد طالبان.

وبعد 18 يوما من معركة تارين كوت، تعرض امرين ورجاله الى قنبلة اميركية شاردة في اسوأ حادثة نيران ودية في الحرب الافغانية. فقد قتل ثلاثة من رجال امرين بالاضافة الى المقاتلين الخمسة الموالين للولايات المتحدة، واصيب هو مع 40 جنديا اميركيا وافغانيا بجراح خطيرة.

وتكشف رواية امرين الشخصية للاحداث التي ادت الى هذه المأساة نظرة نادرة للدور الذي لعبته قوات الكوماندوز الاميركية فيما يعتبر حربا سرية اساسا لاسقاط طالبان.

وقد لعبت القوات الخاصة الاميركية دورا هاما، ليس فقط لانهم كانوا يوجهون الغارات الجوية، ولكن لانهم قدموا الدعم الاساسي والقوة النارية والتنظيم لقوة غير فاعلة من الحلفاء الافغان الذين كانوا يقاتلون طالبان.

وتجدر الاشارة الى ان مجموعة من 12 من افراد القوات الخاصة يمكنهم تدمير قوة للعدو تضم مئات بالاستفادة من وسائل الاتصالات المتقدمة، والاسلحة ذات التهديف الدقيق وقوة جوية هائلة.

وقال امرين الذي يتعافى في كلاركفيل بولاية تنيسي في الاسبوع الماضي «لقد قدمنا له (كرزاي) النصيحة والمساعدة التي يحتاجها لبناء قوة وبناء مصداقيته، دبلوماسيا وعسكريا». وكان كرازي في الوقت الذي جرى فيه هذا الحديث بالهاتف يتولى مسؤولية السلطة كزعيم جديد لافغانستان.

وقد اصيب امرين وهو في الثلاثين من عمره بجراح في فخذه وخرقت طبلة اذنه. وهو من رجال المجموعة الخامسة للقوات الخاصة التابعة للجيش ومقرها فورت كامبل بولاية كنتاكي. وبالرغم من انه رفض الكشف عن بعض نشاطاته في افغانستان، فإن ذكرياته تقدم وصفا تفصيليا للحرب التي يرفض المسؤولون في البنتاغون مناقشتها بالتفصيل.

ولم يقل امرين كيف او متى وصلت قواته الى واد عميق صخري تنتشر فيه اثارة نيران المخيمات في اقليم اوروزغان في وسط البلاد.

وبعد وصوله تحدث امرين بالعربية مع السكان، الا ان ذلك لم يساعده في كسب ثقة الافغان الذين يتحدثون الباشتو والداري وهي لهجة فارسية.

وكانت مهمة امرين استكشاف قوة افغانية بدرجة كافية للاستيلاء على تارين كوت، عاصمة اقليم اوروزغان. وقد اسقطت الطائرات الاميركية اسلحة وذخائر ومعاطف واكياساً للنوم. بينما قدم امرين ورجاله التدريب والنصيحة.

وقال امرين انه يعرف اهمية مهمته. فقد اسرت قوات طالبان عبد الحق وهو زعيم معروف من البشتون وهي اكبر جماعة عرقية واعدمته. واذا كان على القوات الاميركية النجاح في اسقاط نظام طالبان التي اوت اسامة بن لادن، فسيحتاجون الى قيادات من البشتون مثل كرزاي لقيادة التمرد.

وقال امرين «كانت لدي معلومات شخصية جيدة عن كرزاي. وكشف لي تحليلي الخاص انه اهم زعيم في الجنوب، وهو المدخل الى الانتصار او الهزيمة في الحرب.

وقبل ان تسنح الفرصة لكرزاي وامرين للتحرك نحو تارين كوت، قام سكان المدينة بالمهمة نيابة عنهم. ففي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) ثار السكان وقتلوا عمدة المدينة الطالباني، واعلنوا تحريرها. وفي تلك الليلة دخل كرزاي وامرين ورجالهما المدينة واسسوا مقر كرزاي على بعد 56 ميلا من هدفهم النهائي: قندهار مقر طالبان الروحي. وبعد ساعات، وخلال عشاء من اللحم والارز والخبز الافغاني، ذكرت قيادات المدينة لامرين ان قافلة تابعة لطالبان غادرت قندهار لاسترداد تارين كوت.

ويتذكر امرين «اردت الخروج من العشاء وابلاغ رجالي. 80 سيارة، وحسبت الامر في ذهني الكثير من الرجال. وادعيت انني اكثر هدوءا مما كنت عليه».

وقال امرين انه اراد نقل القوات جنوب المدينة لمهاجمة قوة طالبان، ولكن كان عليه الانتظار نصف الليل قبل ان يتمكن الافغان من اعداد قوة.

وفي حوالي الساعة الثانية او الثالثة صباحا، اكتشف اميركي قافلة تتقدم نحوهم من 12 سيارة. وسأل الجندي امرين «هل لدينا تعليمات بالضرب» فرد عليه امرين «اضربهم». وطالب الجندي بتوجيه اول غارة جوية في المعركة. وقال امرين «تم القضاء عليهم تماما».

ثم نقل القوات بسرعة الى منطقة تبعد خمسة اميال من المدينة يمكنهم منها رؤية مداخل مدينة تارين كوت. ومع ارتفاع الشمس في كبد السماء ظهرت قافلة طالبان. وهرب الافغان، مما اضطر القوة الاميركية الى مطاردتهم. ويتذكر امرين «شعرت اننا نسحب الهزيمة من فك الانتصار». ومع انسحاب وحدة امرين من المدينة، تمكنت قوات طالبان من الاستيلاء على موقع القوات الاميركية الاصلي. وبقيت مجموعة من 11 فرداً من افراد القوات الخاصة في ضواحي المدينة وبدأوا في توجيه الغارات الجوية ضد قوة، ذكر امرين ان عددها يصل الى 400.

وامكن اعادة حوالي مائة من المقاتلين الافغان، في الوقت الذي كان الاطفال الافغان يشاهدون طائرات الاسطول والقوات الجوية وهي تدمر القافلة.

وفرت باقي القوة المهاجمة، وذكر عدد من مقاتلي طالبان الذين استسلموا لرجال كرزاي ان الاوامر الصادرة اليهم هي تحويل تارين كوت الى مثال بذبح سكان المدينة المتمردين وترك جثثهم في الشوارع.

وقدمت تلك المعركة رسالة هامة الى كرزاي، طبقا لرأي امرين. فحتى تلك اللحظة كان كرزاي يعتقد انه يمكنه اقناع مجموعات كافية من البشتون ومن قوات طالبان الهاربة بأنه يمكنه الاستيلاء على قندهار بدون معارك كثيرة. الا ان هذه الخطة تغيرت.

واوضح امرين ان «هذه المعركة اظهرت لحميد ان عليه تشكيل قوة محدودة في الوقت الذي يحاول فيه دفع الشعب للتمرد على طالبان».

وبقيت القوة الاميركية في تارين كوت للمساعدة في تدريب القوة المعادية لطالبان.

وبعد اسبوع، توجهت القوة بقيادة القوات الاميركية لمسافة 37 ميلا جنوب جسر رئيسي بالقرب من بلدة سيد الما كالاي. «كان علينا قيادتهم لفترة.

وفي 3 ديسمبر وعندما بدأ الافغان في الصعود الى قمة تل يطل على سيد الما كالاي، تعرضوا الى اطلاق نار من المدافع الرشاشة وراجمات القنابل اليدوية من المدينة الواقعة تحت سيطرة طالبان». ويتذكر امرين ان الافغان بدأوا في التراجع. ولذا هاجمت القوة الاميركية التل واطلقت النار على قوات طالبان لتشجيع رفقائهم على العودة الى المعركة. واستولى رجال كرزاي على التل. واقامت قوة امرين معسكرا هناك، واصروا على الاستيلاء على الجسر الواقع تحت التل، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك.

وفي 5 ديسمبر، ولدهشة امرين، وصلت فصيلة اميركية لدعم رجاله. واحضروا معهم شحنة ثمينة: هدايا من الوطن. واوضح «لقد بدأ هذا اليوم وكأنه يوم عيد الميلاد، ولكنه انتهى مثل كابوس.

وبعد الانتهاء من تناول الطعام القادم من اميركا، استعدوا للمطالبة بالمزيد من الغارات الجوية. ويتذكر امرين انه القى نظرة على خريطة مع واحد من ضباطه ومناقشة خطة المعركة، عندما اطاحت قنبلة ضلت هدفها به في الهواء.

وعلم بسرعة من مشاهدة اثار الدمار انهم اصيبوا اصابة شديدة. فقد اصابته شظية في فخذه. وادى الانفجار الى خرق طبلة الاذن. وقتل ثلاثة من رجاله.

واكتشف فيما بعد انه في تلك اللحظة، بعثت قوات طالبان وفداً الى كرزاي لتسليم قندهار. وقال بحزن «من المحتمل ان القنبلة التي اصابتنا هي اخر قنبلة القيت في تلك المنطقة».

ونقل المصابون الاميركيون الى المانيا جوا للعلاج ثم عادوا الى الولايات المتحدة. ويرغب امرين، الذي ستجري له عملية في الاذن، في العودة الى المعركة: «هناك جراح تحتاج لوقت طويل لتشفى. ونحن نريد اجراء الجراحات، والشفاء والعودة الى هناك لاستكمال هذه الحرب ضد الارهاب».

* خدمة «يو اس ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»