حرب أفغانستان تثير جدلا عسكريا في أميركا حول مكان تمركز القيادة

TT

لعل واحداً من الجوانب غير التقليدية للحرب الاميركية في افغانستان هو ان قائدها كان يعمل في الجانب الاخر للكرة الارضية. وثارت ضجة شديدة في القوات المسلحة الاميركية لا سيما في القوات الجوية والجيش، بخصوص قرار الجنرال تومي فرانكس الاحتفاظ بقيادته في مقر القيادة المركزية في بلدة تامبا بولاية فلوريدا، المطلة على مياه خليج هيلزبره الهادئة. وقال النقاد انه كان على فرانكس اتباع نموذج سلفه في القيادة المركزية الجنرال نورمان شوارزكوف الذين انتقل الى السعودية لقيادة المعارك في حرب تحرير الكويت عام 91. الا ان البعض في المؤسسة العسكرية يقول ان الجنرال فرانكس تصرف بطريقة مناسبة ولاسيما مع التقدم في وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وانه تعامل مع الحرب بطريقة جيدة، جزئيا بالاحتفاظ بمسافة بينه وبين المعارك. ففي مقابلة صحافية عبر البريد الاليكتروني شرح الجنرال فرانكس منطلقه لما وصفه بـ«حرب مختلفة تماما». فقد كتب فرانكس ان الاحتفاظ بمقر القيادة في فلوريدا «فعال للغاية من وجهة نظرنا لان التكنولوجيا ساعدتنا، على تقديم وعي بالموقف طوال الاربع والعشرين ساعة وعلى مدى ايام الاسبوع السبعة». واضاف «ان هذه القفزة الهائلة في وسائل الاتصال سمحت لنا بتقديم التوجيه بدون القيام بالاعمال التكتيكية للقيادات التابعة».

كذلك قال فرانكس انه ومنذ بداية الحرب، قضى اكثر من 25% من وقته في افغانستان وحولها، وهي نسبة اكبر مما قد يتصوره النقاد. واوضح «سأترك الامر الى الاخرين للحكم على فاعلية ذلك».

ورغم نجاحه في الاشهر الثلاثة الماضية، فإن بعض الضباط الذين شاركوا في المعارك يقولون ان فرانكس كان بعيدا بطريقة غير ضرورية. وتجدر الاشارة الى ان ضباط القوات الجوية ادانوا بصفة خاصة ما اعتبروه التدخل التفصيلي لفرانكس وطاقمه في اختيار الاهداف الجوية. الا ان التوتر يمتد الى اكثر من ذلك، فقد ذكر ضابط شارك في الحرب «ان الافكار او المبادرات الجيدة القادمة عبر مئات او الاف الاميال لا تعتبر بالضرورة افكارا جيدة بالنسبة لهؤلاء الذين يجب عليهم تطبيقها على الارض وفي الجو».

ويكتسب هذا الجدل اهمية لانه، كما اشار فرانكس في تعليقاته عبر البريد الاليكتروني، عن طريقه تتبلور طريقة اميركية جديدة للحروب، معتمدة على وسائل الاتصال السريعة التي تسيطر على غارات بعيدة المدى تستخدم ذخيرة تتميز بالدقة، التي تعتمد هي الاخرى، بصفة اساسية على تكنولوجيا المعلومات.

واشار جنرال متقاعد الى ان قيادة الجنرال فرانكس البعيدة يمكن ان تصبح نموذجا للحروب المستقبلية. واضاف ان «اختيارات فرانكس في هذه الحرب ربما تؤثر على الطريقة التي يؤدي بها رئيس الاركان عمله». وقال الكولونيل المتقاعد جيمس ماكدونوه المدير السابق لمدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة التابعة للجيش ان النظرة التقليدية هي ان فرانكس يجب ان يكون اكثر قربا من ميدان المعركة. واوضح «هناك وجهة نظر يجب ذكرها وهي ان وجود القائد في ميدان المعركة في غاية الاهمية، لانه يمكنك اتخاذ القرارات بسرعة، وترفع الروح المعنوية لقواتك».

وفي الوقت نفسه اوضح كولونيل في الخدمة «لا اعتقد ان فرانكس يمكنه الوجود في افغانستان، ولكن كان من الممكن ان يكون قريبا. ان على القادة العسكريين ان يكونوا مصدر الهام اضافة الى ادارة المعركة ولا بد من رؤيتهم».

واضاف الكولونيل ان ذلك يصبح ضروريا عندما تقع مشاكل، «فعندما تنهار الامور ـ وهو لا بد ان يحدث ـ تحتاج الى ان تكون موجودا» وفي الوقت ذاته ذكر كولونيل اخر في الجيش ان «غريزتي تؤكد لي ضرورة ان يكون القائد في موقع متقدم»، مشيرا الى ان نفس التقدم في التكنولوجيا الذي يتيح لفرانكس العمل في تامبا يمكن ان يسمح له بالبقاء على اتصال مع البنتاغون والقيادة المركزية من ميدان المعركة. حتى في مواقع نائية او على متن سفينة، لدينا تكنولوجيا الاتصال للارتباط به».

وفي الوقت ذاته ذكر الجنرال المتقاعد تشارلز هورنر الذي قادة الحملة الجوية في حرب الخليج «سأكون في وضع متقدم».

بينما اشار اخرون الى ان النقد فشل في ان يضع في الاعتبار التغيرات في التكنولوجيا، وطبيعة القيادة. ويتفق العديد من الجنرالات حول على تدفق المعلومات القتالية التي يمكن بثها فورا حول العالم. وذكر مساعد لعضو في مجلس الشيوخ له خبرة بالشؤون العسكرية ان «معلوماتنا وقدرتنا على مشاهدة المعركة نتيجة لطائرات الاستطلاع التي تطير بلا طيار والاتصالات بعيدا عن ميدان المعركة قد غيرت كل شيء نعرفه». والنتيجة هي ان فرانكس يمكنه الجلوس في مقره في تامبا ويشاهد على الشاشات «اشياء لم يكن في امكانك مشاهدتها قبل عشر سنوات حتى ولو كنت في ميدان المعركة».

وذكر مايكل فيكرز وهو ضابط سابق في القوات الخاصة وخبير في الاصلاحات العسكرية «فرانكس ينتمي لتامبا».

واضاف فيكرز ان «التغييرات في الطريقة التي تقاتل بها القوات الاميركية تتطلب تغييرات في الطريقة التي تتم بها قيادتها. فاليوم اصبحت القوة العسكرية الاميركية اكثر «تنوعا ولامركزية، وذات مدى طويل وسرية». واشار الى انه بدلا من القتال بجيوش ضخمة في ميدان المعركة فإن الولايات المتحدة تستخدم الآن مجموعة محدودة من القوات الخاصة لتوجيه قوة جوية مدمرة، ولذا فلابد من تغيير طبيعة القيادة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»