قيادة واشنطن لحملتها العسكرية ضد الإرهاب تثير مخاوف الأوروبيين من «تفردها» بالقرار الدولي

TT

اذا كانت آراء الاميركيين عن بقية انحاء العالم قد تغيرت منذ 11 سبتمبر (ايلول) ـ الآن يعتبرونه اكثر تهديدا لهم ـ فإن العالم ينظر الى اميركا من نفس المنطلق.

فصانعو القرار من حلفاء اميركا، الذين كانوا يأملون في ان يحمل الهجوم الادارة الاميركية على تخفيف نظرة «اميركا اولا» يعيدون التفكير في ذلك.

ويقول دومينك مويسي وهو محلل في معهد العلاقات الدولية في باريس «عندما يتعرض امن المواطنين الاميركيين للخطر، لا تثق اميركا إلا بالاميركيين». واضاف ان الحملة في افغانستان اثبتت «ان القوة العظمى اكثر قوة مما كنا نعتقد».

الا ان واشنطن ستحتاج الى الاعتماد على اصدقائها في المجالات الاكثر هدوءا في الحرب على الارهاب، مثل جمع المعلومات الاستخبارية. ولكن تفوقها العسكري الواضح ـ سواء بالنسبة لاعدائها او لحلفائها ـ منح الولايات المتحدة سيطرة دبلوماسية عالمية تخشى العواصم الاوروبية من ان تعزز الغريزة الانفرادية في الولايات المتحدة.

وعندما تولى الرئيس جورج بوش رئاسة الولايات المتحدة قبل 11 شهرا، اثار تصميمه على تطبيق رؤيته للمصالح الاميركية القومية مخاوف صانعي القرار في اوروبا والدول الاخرى. ومن بين السياسات الاميركية الجديدة التي اثرت على التوازن الدولي رفض واشنطن الانضمام الى معاهدة كيوتو لاحتواء ظاهرة الدفء الحراري، وترددها في التدخل في الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني حتى بعدما توسع نطاق الانتفاضة، والتزامها بشبكة دفاع صاروخي جديدة بغض النظر عن نصوص معاهدة 1972 للحد من انتشار الصواريخ البالستية.

وأوضح برنارد ماي وهو متخصص في العلاقات عبر الاطلسي في جمعية السياسة الخارجية الالمانية ان «الاوروبيين كانوا اكثر قلقا من الانفرادية الاميركية».

وفي الوقت نفسه ناشد القادة العرب واشنطن كبح جماح الرد الحاد الاسرائيلي للاضطرابات الفلسطينية، وثار الكرملين على خطط شبكة الدفاع الصاروخي، وشجب الاوروبيون ما اعتبروه انانية في رفض التضحية ببعض المكاسب الاقتصادية من اجل صالح بيئة العالم الذي نعيش فيه.

ولذا عندما كان رد فعل بوش لاحداث 11 سبتمبر هو تشكيل تحالف دولي لدعم حربه على الارهاب، استبشر زعماء الدول الاخرى خيرا.

فقد اندفعت روسيا للمساعدة وعرضت على واشنطن معلومات استخبارية، واستخدام المجال الجوي الروسي، وتقديم اسلحة للقوات المعادية لطالبان في التحالف الشمالي.

اما حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي فقد طبقوا، ولأول مرة في تاريخ المنظمة، المادة الخامسة التي تدعو الى اعتبار الهجوم على اميركا هجوما عليهم، وتعهدوا بالقتال في صف الولايات المتحدة. بل ان بعض الدول ذات العلاقات المعقدة مع واشنطن، مثل باكستان، وافقت على الانضمام الى الحرب على الارهاب ـ تحت اغراء المساعدات الاقتصادية وانهاء العقوبات المفروضة عليها.

وأوضح مويسي انه بعد ثلاثة اشهر، «يبدو التحالف كورقة تين دبلوماسية، فهو يتيح للولايات المتحدة الاستفادة مما تريده، عندما تريد، اذا ارادت ذلك، من حلفائها». ويشير مويسي الى الطريقة التي رفض بها البنتاغون كل عروض المساعدات العسكرية في حملة افغانستان، مفضلا الاحتفاظ بسيطرته على العملية بدلا من قيادة مجموعة من الدول في تحالف متعب.

وعلى صعيد اخر يلاحظ ماي انه «بسبب اعتبار الاحداث (11 سبتمبر) هجوما على الولايات المتحدة، من الطبيعي ان تقود الحكومة الاميركية ردود الفعل».

ويوضح ديفيد مالوني وهو سفير كندي سابق لدى الولايات المتحدة ويرأس الآن اكاديمية السلام الدولي في نيويورك ان واشنطن «لا تعمل بشكل متعدد الاساليب. ولكن يمكننا القول انها تمارس انفرادية ذكية، كما فعلت باستخدام الاسلحة الذكية لضمان سيطرتها العسكرية». وتنعكس تبعات الضغوط الناجمة عن هذا المنطق على علاقات اميركا بحلفائها، فعندما ضغطت بريطانيا لتشكيل قوة حفظ سلام دولية في افغانستان بتفويض من الامم المتحدة عرقلت واشنطن، لأسابيع، هذه الفكرة، وقبلتها فقط عندما تعهدت لندن بأن تكون القيادة المركزية الاميركية صاحبة السلطة المطلقة على القوة، بالرغم من عدم وجود اي جندي اميركي فيها.

ويبدو ان معظم اصدقاء واشنطن يقبلون هذا النوع من السيطرة الاميركية; فضعفهم العسكري لا يمنحهم مبررات للشكوى. فمن المؤكد ان الولايات المتحدة لم تدخل في جدل عميق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على سبيل المثال. وعندما اعلن بوش في اوائل هذا الشهر ان الولايات المتحدة ستنسحب من معاهدة حظر انتشار الصواريخ البالستية، لم يقل بوتين اكثر من انه يشعر ان ذلك «خطأ».

وبالرغم من ذلك فإن مشاعر عدم الثقة في الولايات المتحدة عميقة للغاية في بعض الاماكن، طبقا لاستطلاع أجري مؤخرا لصانعي القرار في 24 دولة نفذه مركز «بيو للشعوب والصحافة» وصحيفة «هيرالد تريبيون» الاميركية التي تصدر في باريس.

ففي الوقت الذي ذكر فيه 70% من الاميركيين انهم شعروا ان واشنطن تضع مصالح شركائها في الحساب في الحرب ضد الارهاب، قال 62% من غير الاميركيين ان الولايات المتحدة «تعمل من اجل مصلحتها فقط».

وذكر 70% من الاجانب الذين شاركوا في الاستفتاء ان معظم او العديد من الناس في بلادهم يعتقدون انه «امر جيد ان يختبر الاميركيون المشاعر الناجمة عن كون اي بلد كان معرضا للخطر».

الا ان التأييد العام لموقف اميركا لا يزال قويا، فقد ذكر 70% من الاجانب ان العديد من الناس او معظمهم في بلادهم يؤيدون واشنطن في حملتها على منظمة القاعدة، وارتفع الرقم الى 89% في غرب اوروبا، بينما انخفض الى 45% في الدول الاسلامية.

غير انه لا توجد اغلبية ما تؤيد الهجوم الاميركي على دول مثل العراق او الصومال، اذا تبين انهم يؤون الارهابيين، فقد ايد 29% من الاجانب مثل هذا التطور.

وفي بوتقة الشرق الاوسط واسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الجانبين يأملان ان تتمكن الولايات المتحدة من التوسط لانهاء العنف الحالي ثم العودة الى عملية السلام.

غير ان احداث عام 2001 قضت على احد مبادئ صنع السلام في الشرق الاوسط: فكرة ان الامر يعود الى الولايات المتحدة ـ ممول وداعم اسرائيل ـ لاغراء الدولة اليهودية والضغط عليها ودفعها نحو تسوية نهائية مع الفلسطينيين. فمع اقتراب العام من نهايته، تمارس واشنطن ضغوطا اقوى وبصفة منفردة على الفلسطينيين اكثر من ذي قبل.

والعديد من الاسرائيليين يشعرون ان الولايات المتحدة قبلت منطق «اقتلهم قبل ان يقتلوك» في صراعهم مع الفلسطينيين، والذي جسدته اسرائيل بعمليات اغتيال الفلسطينيين الذين تعتقد انهم يخططون لأعمال ارهابية.

ويقدر دبلوماسي اسرائيلي كبير انه قبل 12 شهرا كانت نسبة الدعم الاميركي لـ«الطريقة الاسرائيلية» لمكافحة الارهاب تراوح بين 50 و60%. اما اليوم، فقد ذكر ان الرقم يصل الى 95%. وكان الدبلوماسي يتحدث شريطة عدم الافصاح عن اسمه.

وفي الوقت ذاته حصل الفلسطينيون على شيء ما من اميركا المتغيرة، ولكن على شكل كلامي. فإشارات بوش الى دولة فلسطينية ودعوة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية يعتبران تطورين مهمين بالنسبة للفلسطينيين ـ مما يدل على ان الحكومة الاميركية تتخيل مستقبلا يقترب بدرجة او اخرى من آمالهم.

الا ان الفلسطينيين علموا، كما ذكر عبد الجواد صالح عضو المجلس التنفيذي، انه على الرغم من هذه الكلمات المشجعة فإن السياسة الاميركية مالت بشكل واضح لصالح اسرائيل».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»