إسلام آباد ونيودلهي تتبادلان فرض العقوبات

الهند ستنتهي من نشر جنودها خلال يومين وباكستان مستعدة لاستخدام سلاحها النووي

TT

ازداد التوتر بين الهند وباكستان حين قررت نيودلهي منع الطائرات الباكستانية بالتحليق فوق أجوائها وخفض التمثيل الدبلوماسي في البلدين الى النصف ثم ردت اسلام آباد بفرض عقوبات مماثلة.

واعلن وزير الخارجية الهندي جسوانت سينغ امس في مؤتمر صحافي ان الطائرات الباكستانية لن تتمكن من التحليق في الاجواء الهندية اعتبارا من الاول من يناير (كانون الثاني) المقبل. واضاف ان السفارة الهندية في اسلام آباد والباكستانية في نيودلهي ستخفضان عدد موظفيهما الى النصف، مضيفا ان تحرك العاملين في السفارة الباكستانية سيحصر في نطاق نيودلهي.

وعلى الفور ردت باكستان باجراءات مماثلة، اذ اعلن عزيز احمد خان المتحدث باسم الخارجية الباكستانية «سنخفض بعثتهم الدبلوماسية الى النصف، وستقتصر حركة العاملين (بالبعثة الدبلوماسية الهندية) على اسلام اباد»، مضيفاً أن باكستان ستمنع كذلك عبور الرحلات الجوية الهندية فوق أجوائها.

وجاءت هذه التطورات من الطرفين وسط تصاعد التوتر بين الدولتين على خلفية الهجوم الذي شنه 5 مسلحين في 13 من الشهر الجاري على البرلمان الهندي، واتهمت نيودلهي منظمتي «عسكر الطيبة» و«جيش محمد» الكشميريتين، اللتين تتخذان من باكستان مقراً لهما، بالوقوف وراءه. كما تأتي وسط تعزيز الجانبين لقواتهما على خط المراقبة الفاصل بين البلدين في اقليم كشمير. وقال وزير الخارجية الهندي ان «الاسرة الدولية باتت تدرك اكثر من قبل ان على باكستان ان تفعل شيئا. وكلما اسرعت في ذلك كان افضل للجميع». كما رأى ان إجراء محادثات مع باكستان يعتبر «غير عملي وغير ممكن في الوقت الراهن». ورفض سينغ التكهن، ردا على سؤال حول احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين، مكتفيا بالقول «لا تقلقوا، نحن مستعدون تماما».

ومن جانبه، قال كبير المتحدثين العسكريين الباكستانيين الجنرال رشيد قرشي في مؤتمر صحافي في اسلام آباد «نأمل في تغليب التعقل» وان تتصرف الهند في اتجاه تهدئة التوتر، لكن في حال العكس فان باكستان «تملك القدرة على التحرك والرد بكافة الوسائل الممكنة»، بما في ذلك استخدام السلاح النووي. وجاءت هذه التهديدات من الطرفين وسط تصاعد التوتر بين الدولتين على خلفية الهجوم الذي شنه 5 مسلحين في 13 من الشهر الجاري على البرلمان الهندي، واتهمت نيودلهي منظمتي «عسكر الطيبة» و«جيش محمد» الكشميريتين، اللتين تتخذان من باكستان مقراً لهما، بالوقوف وراءه.

ومع توجيهه التحذير الباكستاني، سعى المتحدث قرشي الى التخفيف من مخاطر التصعيد العسكري الذي من شأنه ان يؤدي الى نشوب نزاع نووي. وقال الجنرال قرشي ان «الهند وباكستان امتان مسؤولتان»، مضيفا «اعتقد ان ما من احد يمكن ان يفكر بذلك (حرب نووية) بصورة معقولة. انها (وسائل) رادعة لا يفترض ان تكون اكثر من ذلك». وشدد عزيز احمد خان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، من جهته في المؤتمر الصحافي نفسه، ان اسلام آباد ترغب في «تهدئة» الوضع مع الهند، لكنه اضاف ان بلاده اتخذت تدابير دفاعية «ملائمة» لمواجهة اي احتمال.

ومن جانبها، بدت الهند أقل دعوة الى التهدئة، اذ اكد وزير الدفاع الهندي جورج فرنانديز امس ان انتشار الجيش الهندي على الحدود مع باكستان سيكتمل بعد يومين او ثلاثة ايام. ووصف فرنانديز، بعد عودته من جولة تفقدية على خط المراقبة، الفاصل بين البلدين في كشمير، الوضع بـ«الخطير»، مؤكدا مع ذلك وجوب اتاحة الوقت امام الجهود الدبلوماسية قبل التفكير بوسائل اخرى للتحرك. ونقلت وكالة «برس تراست» الهندية عن فرنانديز قوله «في غضون اليومين او الثلاثة ايام المقبلة ستنتهي عملية الانتشار وسيكون الجيش مستعدا لمواجهة اي احتمال. لكن ثمة خطوات دبلوماسية جارية ويجب اتاحة المجال امامها لتعطي بعض النتائج».

وفي منطقة شاكوثي التابع للجزء الخاضع للسيطرة الباكستانية من اقليم كشمير، اعرب الجنرال محمد يعقوب خان لدى استقباله صحافيين امس عن قلقه من مخاطر التصعيد مع الهند الذي من شأنه ان يقود الى حرب نووية. وقال يعقوب خان «عندما يكون لديكم جيوش منتشرة على الحدود تنظر مباشرة امامها ومستعدة للتحرك فان ذلك يكون اشبه بمستودع ضخم للذخيرة. حتى ان شعلة صغيرة يمكن ان تفجر كل شيء». واضاف هذا الضابط الذي قام بجولة تفقدية على خط المراقبة الفاصل بين البلدين في كشمير «في حال نشوب حرب لا احد سيكون بمقدوره ضبط الوضع. واذا كان ذلك يتعلق بمصير البلدين فانه ليس ممكنا التأكيد بان السلاح النووي لن يستخدم».

وعلى الرغم من التوتر في المنطقة، فان اسلام آباد اعلنت امس ان الرئيس برويز مشرف سيشارك في القمة الـ11 لمجموعة دول جنوب آسيا للتعاون الاقليمي (سارك) التي ستعقد في كاتماندو بين 4 و6 من يناير (كانون الثاني) المقبل. ولم يبد وزير الاعلام الباكستاني انور محمود، الذي اعلن النبأ، تفاؤلاً بشأن عقد لقاء بين مشرف ورئيس الوزراء الهندي اتال بيهاري فاجبايي خلال القمة، الا انه قال «يمكن عقد اجتماع حين تكون هناك رغبة من الجانبين»، مشيرا الى ان باكستان مستعدة للمحادثات لكن الطرف الاخر «افكاره مختلفة». واضاف محمود «ان الهند هي التي تزيد حدة التوتر ونحن لا نقوم الا بالرد»، مضيفا ان «الوضع يمكن ان يتحسن وان يتراجع التوتر اذا رغبت الهند بذلك».

في غضون ذلك، تبذل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش جهوداً دبلوماسية للحيلولة دون تطور الوضع في المنطقة الى نشوب حرب، الا ان هذه الجهود وصفت من قبل مراقبين غربيين بأنها «قليلة التأثير». وأدت هذه الأزمة بوزير الخارجية الأميركي الى قطع عطلته لمناسبة عيد الميلاد، وإجراء اتصالات بالمسؤولين في الهند وباكستان من اجل دعوتهم الى العمل لنزع فتيل التوتر. وباول، الذي أعلن اول من امس عن إدراج منظمتي «عسكر الطيبة» و«جيش محمد» ضمن قائمة المنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، تحادث في اليوم ذاته مرتين مع الرئيس الباكستاني برويز مشرف ومع وزير الخارجية الهندي جاسوانت سينغ.

واوضح المتحدث باسم الخارجية الاميركية فيليب ريكر ان الوزير باول أجرى كذلك اتصالا مع نظيره البريطاني جاك سترو. وسبق واجرى باول اتصالات هاتفية في اليوم السابق مع مشرف وسترو ومع وزيري الخارجية الباكستاني عبد الستار عزيز والروسي ايغور ايفانوف. وقال ريكر «من المهم جدا ان يحصل خفض للتوتر بين الهند وباكستان»، لان «النزاع بين البلدين لا يمكن ان تنتج عنه نتائج محمودة بالنسبة لهذا الطرف او ذاك». ولمح مسؤول كبير في الخارجية الاميركية الى ان اتصالات باول ستتكرر، وقال في هذا الصدد «نحن نتابع الوضع عن كثب».

وتسعى الامم المتحدة من جانبها الى تخفيف التوتر، اذ بعث الامين العام للمنظمة كوفي انان برسالة الى البلدين، تدعوهما الى خلق جو هادئ، يمكن معه حل المشاكل، مهما كانت كبيرة، عبر الحوار.

من جانبها، اعلنت جماعة عسكر الطيبة «امس عن معارضتها لقرار إدراجها ضمن القائمة الاميركية للمنظمات الارهابية، متعهدة بمواصلة القتال ضد القوات الهندية في الجزء الخاضع تحت السيطرة الهندية من اقليم كشمير». وقال آفتاب حسين المتحدث باسم الجماعة في تصريح من مظفر آباد عاصمة الجزء الباكستاني من كشمير «القرار الاميركي لن يؤثر علينا. نحن لسنا في حاجة الى اذن اميركي للقيام بالجهاد»، مضيفاً «لقد بدأنا الجهاد بأمر الله، وسيستمر». وجدد المتحدث نفيه للاتهامات التي توجهها الحكومة الهندية الى جماعته بتورطها في الهجوم على البرلمان.

إلى ذلك، ناشدت منظمة المؤتمر الاسلامي، في بيان أرسل أمس إلى «الشرق الأوسط»، باكستان والهند «ضبط النفس والتحلي بالحكمة واللجوء الى الحوار الدبلوماسي الهادئ» لحل مشاكلهما. وأشاد عبد الواحد بلقزيز الأمين العام للمنظمة، بباكستان لادانتها الهجوم على البرلمان الهندي واقتراحها عقد لجنة تحقيق محايدة في القضية.