روايات متضاربة حول هروب الملا عمر ومقاتلو طالبان المستسلمين في هلمند لم يتجاوزوا 200

مصادر أفغانية تنفي أن يكون زعيم طالبان استقر في المنطقة في الفترة الأخيرة وتعتقد أنه يتحرك حولها

TT

ربما كان الملا محمد عمر يختفي في كوخ مدرع تخفيه الشجيرات، تحت ضفة مجرى نهر على بعد 90 ميلا من شمال عسكر غاه.

وذكر حفيظ الله رئيس الشرطة المحلية «يمكنني رؤيته، عند انحناء الطريق، ووراء الجبل. وكان يشير بيديه نحو اليسار الى مكان ربما لا يوجد الا في مخيلته.

ولكن بعد خمسة ايام من بحث الميليشيات الافغانية والقوات الخاصة الاميركية عبر المناطق الوعرة التي كان يشير اليه حفيظ الله، لم يمكن العثور على عمر، الذي يعتبر القبض عليه الهدف الاساسي للحملة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة في افغانستان، في الجبال الشمالية لاقليم هلمند طبقا لما ذكره نائب حاكم الاقليم.

وقال بير محمد الذي كان يتحدث باسم حاكم هلمند «لقد بحثنا. وذكر الناس وشيوخ القبائل الذين كانوا هناك، لن نسمح للملا عمر بالتواجد هنا».

وكانت مصادر عديدة قد قالت اول من امس ان الملا عمر هرب من باغران على موتوسيكل من القوات الاميركية والافغانية الحليفة لها، لكن مسؤولا قال ان عمر «لم يكن هناك ابدا». وقال المتحدث باسم الحكومة الافغانية ان الملا عمر ربما تحرك حول المنطقة في الاونة الاخيرة ولكن لم يستقر فيها ابدا. وليس مهما ما اذا كان هرب على موتوسيكل او حمار او على الاقدام المهم ان يتم اعتقاله.

وتجدر الاشارة الى ان البيان الرسمي بخصوص البحث عن عمر لن يصدر الا بعد عودة 15 جنديا اميركيا من افراد القوات الخاصة الذين صاحبوا المسؤولين في التحالف المعادي لطالبان الى الجبال الشمالية. وكانوا قد غادروا قندهار المعقل السابق لطالبان حيث يوجد الان اكثر من الفي جندي اميركي في قافلة من 10 سيارات يوم الثلاثاء للاشراف على عملية تسليم اسلحة وشاحنات طالبان في المناطق المحيطة في باغران.

الا ان محمد قال انه كان على اتصال بالوفد عدة مرات يوميا عن طريق الهاتف الذي يعمل عبر الاقمار الصناعية. واكد ان القافلة ستعود بالاسلحة والسيارات فقط.

وحتى حفيظ الله الذي قال قبل يومين ان مخبأ عمر في ضفاف النهر يقع بين قريتي تزني وبغاني، فقد الامل «ليست لدي اي فكرة عن مكانه الان».

وفي تامبا بولاية فلوريدا اعلن الجنرال تومي فرانكس «لا نعرف اين عمر».

الا ان الفريق الافغاني الاميركي المشترك في باغران تمكن من ضمان استسلام العديد من انصار طالبان في المنطقة ـ وإن كان ليس بالعدد الكبير الذي كان متوقعا في اوائل هذا الاسبوع. واشار عدد من القادة الافغان في قندهار الى وجود حوالي 1500 حول باغران، ولكن محمد ذكر ان عدد الذين تم نزع سلاحهم يتراوح بين مائة ومائتين.

وفي الوقت الذي تساهم فيه حملة نزع السلاح في فرض سلطة الحكومة الافغانية في مناطق نائية، فإن الغموض الذي يحيط بمصير عمر لم يحل بعد. وقال محمد ان عمر ربما اتجه شرقا الى باكستان، التي كانت تؤيد حكومة طالبان حتى الهجمات الارهابية في 11 سبتمبر (ايلول)، التي دفعت الرئيس الاميركي الى اعلان انذاره «اما انت معنا، او مع الارهابيين». واختارت حكومة باكستان الجانب الاميركي، الا ان المسؤولين يعترفون ان العديد من المتطرفين في باكستان يحتفظون بولاءاتهم القديمة. واوضح محمد «يقول الناس انه ربما عاد مع المقاتلين الباكستانيين الذين حضروا الى هنا للقتال ضد اميركا».

وربما ذهب الملا عمر غربا. فحتى العام الماضي انتج اقليم هلمند اكبر كميات الافيون الافغاني، بفضل شبكة الري الضخمة التي بنتها الولايات المتحدة في الصحراء.

واوضح حفيظ الله «هؤلاء الناس الذين يهربون المخدرات ـ الافيون والحشيش ـ الى ايران واسطنبول، ربما فر معهم».

ومن السهل فهم الاسباب التي دفعت العديد من الناس الى الاعتقاد ان عمر عثر على ملجأ في هلمند، وإن كان السبب يرجع الى العديد من الادلة اكثر من رجوعه الى الحقائق المتنافسة، والوعي الثقافي ودور الشائعات في بلد يفتقر الى ابسط وسائل الاتصالات.

ففي قندهار حذر الاجانب بمن فيهم الصحافيون الدوليون من محاولة زيارة هلمند. واوضح واحد من سكان قندهار الذي لديه اتصالات جيدة «كلهم طالبان. لقد غيروا العلم فقط».

والرواية الشعبية لهروب طالبان من قندهار تؤكد هذا المفهوم. ففي اوائل ايام شهر ديسمبر (كانون الاول)، اقتربت ميليشيا افغانية مدعومة من الولايات المتحدة من المدينة، وتردد ان الملا عمر تم تهريبه من المدينة عن طريق قائد متعاطف معه هو عبد الواحد، المعروف في هلمند باسم «ريس باغران».

والمدينة الجبلية تقع في اقصى شمال هلمند، بالقرب من اقليم اورغان، المنطقة الوعرة والفقيرة، التي جندت منها طالبان العديد من مقاتليها.

ولذا فعندما اشار رئيس الاستخبارات في قندهار الى ان عمر فر الى باغران، فإن الفكرة حظيت بالقبول.

الا ان المشكلة اتضحت خلال زيارة الى مقر حاكم هلمند في عاصمة الاقليم عسكر غاه وهي مدينة مزدحمة بلا طرق مرصوفة. وفي الداخل اوضح نائب الحاكم، ان الناس الذي يعتقد انهم يؤوون عمر قد ثاروا عليه ذات مرة. وقاد ذلك التمرد عبد الغفار الحاكم انذاك، الذي يعتقد ان اغتياله في باكستان قبل اربع سنوات تم بأوامر من الملا عمر.

وفي خارج المقر وافق عدد من ميليشيات هلمند على ذلك. كان الرجال يدينون بالولاء للحاكم الجديد شير محمد وهو ابن شقيق عبد الغفار. ولكنهم لديهم مظالم شخصية ايضا.

وقال الرجال ان عمر حرم المنطقة من شيء ثمين قدمه عبد الغفار لمسقط رأسه وهو الكهرباء. فبعد هزيمة الميليشيات المنافسة وتعيين حاكم تابع له، امر عمر بازالة خطوط الكهرباء من المنطقة.

وذكر عبد الباري وهو مقاتل «لقد دمرت قوات طالبان كل خطوط الكهرباء واذا اراد احد ادخال الكهرباء عليه دفع 500 الف روبية» اي ما يساوي ثلاثة الاف دولار.

وقال مقاتل اخر اسمه اسد الله «لا يحبه احد. فلم يزر المنطقة».

واوضح المقاتلون ان ريس باغران الذي يوصف بأنه من الموالين لعمر عمل مع طالبان فقط لافادة شعبه.

وذكر محمد ان «عمر لم يحبه». واضاف ان طالبان سمحت لوحيد بالاحتفاظ بسيارة لاند كروزر وحيدة واربعة او خمسة مدافع رشاشة من طراز كلاشينكوف.

اما الان فيتم تسليم سيارات طالبان الى الحكومة. وقال محمد ان العدد غير واضح. فهناك شائعات تشير الى ما يتراوح بين 300 الى 500 سيارة ذات الدفع الرباعي، الا ان محمد نبي وهو واحد من المقاتلين قال ان العدد الحقيقي 35 سيارة.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»