إسرائيل تتهم عرفات بإصدار أمر شراء السلاح المصادر في السفينة المحتجزة وعدد من السفراء الأوروبيين يقاطعون مؤتمرا صحافيا عقد على متن «كارين إيه»

TT

تواصلت امس اتهامات المسؤولين الاسرائيليين للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالوقوف وراء سفينة السلاح التي زعمت الحكومة الاسرائيلية ان قواتها البحرية ضبطتها وهي في عرض البحر الاحمر في طريقها الى قناة السويس.

وفي المقابل جدد المسؤولون الفلسطينيون نفيهم لأي علاقة تربطهم بهذه السفينة المزعومة التي يقولون انها ظهرت اخبارها فجأة ومن دون مقدمات عشية بدء وسيط السلام الاميركي الجنرال انتوني زيني لجولته في المنطقة من اجل تطبيق توصيات ميتشل وتفاهمات تينيت بعد فترة الهدوء التي شهدتها الاراضي الفلسطينية منذ خطاب الرئيس عرفات بمناسبة عيد الفطر المبارك.

وشكك مسؤول فلسطيني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» في تاريخ ضبط السفينة. ففي حين اعلنت الحكومة الاسرائيلية عن ضبطها للسفينة في 3 يناير (كانون الثاني) الجاري، قال المسؤول ان السفينة ضبطت قبل حوالي عشرة ايام وجرى التكتم عليها حتى عشية زيارة الجنرال زيني للرد على تصريحات المسؤولين الفلسطينيين بأنهم ملتزمون بوقف اطلاق النار.

وشاطرت جهات اميركية عليا السلطة الفلسطينية بنفي علاقاتها بالسفينة. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن هذه الجهات قبل ايام قولها، إنه ليست هناك أية دلائل تشير الى أن السفينة كانت متوجهة للسلطة الفلسطينية وخمنت بانها كانت متوجهة الى «حزب الله» في لبنان. وتقول هذه المصادر «لم يتضح بعد ما إذا كان مصدر هذا السلاح إيران أم لا»، وطالبت بعدم الإسراع في الاستنتاجات. لكن ناطقا باسم «حزب الله» في لبنان نفى وجود أية علاقة لحزبه بالسفينة «كارين ايه». كذلك نفى ما كانت اسرائيل قد زعمته بداية بشأن وجود عضو في «حزب الله» على متن السفينة.

واطلقت حملة الاتهامات الاسرائيلية من على متن «كارين ايه» التي علمت «الشرق الاوسط» من مصادر بريطانية انها مملوكة لمواطن عراقي باسم «م.ع. ع» يقيم في العراق. وشارك في الحملة اكثر من مسؤول في الحكومة يتقدمهم رئيس الوزراء ارييل شارون الذين تسارعوا لالتقاط الصور مع قطع الاسلحة التي زعموا انها ضبطت في السفينة. وتستغل الحكومة الاسرائيلية هذه السفينة الى ابعد حد لتشويه صورة الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية. فعقدت امس مؤتمراً صحافياً على متن السفينة، دعت دبلوماسيين وملحقين عسكريين وممثلين عن الصحافة العالمية ليقوموا ايضا بمعاينة حمولة السفينة التي ضبطت حسب الادعاءات الاسرائيلية يوم 3 يناير ( كانون الثاني) الجاري وهي على بعد 500 ميل بحري من ميناء ايلات الاسرائيلي، في عملية اطلقت اسرائيل عليها اسم «عملية سفينة نوح». وقال المسؤول الاعلامي في وزارة الخارجية الاسرائيلية جدعون مئير «نريد بهذه المناسبة اقناع اوروبا بالانضمام الى الولايات المتحدة للضغط على الفلسطينيين لوقف نشاطاتهم الارهابية».

لكن سفراء بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وايطاليا تغيبوا عن المؤتمر الصحافي لإدراكهم انه حسب قول مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الاوسط»، جزء من الحرب الإعلامية التي تديرها إسرائيل ضد السلطة.

وكان السفراء الاوروبيون الذين قاطعوا المؤتمر الصحافي على حق في اعتقادهم، اذ استغل المسؤولون الاسرائيليون الذين زاروا السفينة، هذه المناسبة لتوجيه اتهامات ما انزل الله بها من سلطان ضد الرئيس عرفات ومساعديه. فاتهم شارون الرئيس الفلسطيني باصدار الامر بشراء الاسلحة التي ضبطت على متن السفينة. وقال شارون الذي كان يتحدث على رصيف الميناء والاسلحة معروضة امامه «حينما اعطى عرفات تعليماته بشراء الاسلحة فانه لجأ بذلك الى خيار استراتيجي هو احداث تدهور اقليمي يقود الى حرب». ووصف شارون عرفات بأنه «عنصر اساسي في شبكة من الارهاب الدولي تقودها ايران وهدفها نشر الموت والدمار في ربوع العالم بأسره».

وقال وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن إليعزر ان «من ينقل كميات كهذه من الأسلحة فإنه ينقلنا الى مرحلة من الحروب لا لمرحلة سلام». وزار رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال شاؤول موفاز، وقائد سلاح البحرية، الجنرال يديديا يعاري، السفينة. وقال موفاز المعروف بيمينيته ومعارضته لعملية السلام، في اجتماع الحكومة الاسبوعي الذي عقد صباح امس وقبل زيارته للسفينة، انه يجب اتخاذ قرار فوري يحدد كيفية التعامل مع السلطة الفلسطينية بعد ضبط سفينة الأسلحة «لو ان هذه الأسلحة وصلت إلى السلطة الفلسطينية لأوجدت وضعا خطيرا لإسرائيل، وأدت الى تصعيد الصراع». وكان موفاز هو الذي اعلن في مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة الماضي في وزارة الدفاع الاسرائيلية في تل ابيب، عن ضبط السفينة.

وقال موفاز ان قوة مشتركة من سلاحي الجو والبحرية الاسرائيليين ضبطت الليلة قبل الماضية، خلال عملية اطلقت عليها اسم «سفينة نوح» باخرة تحمل على متنها 50 طنا مما اسماه بالسلاح الهجومي ومعظمه من ايران، في عرض البحر الاحمر، في طريقها الى السلطة الفلسطينية.وحسب موفاز فان القوة الاسرائيلية المشتركة اعترضت السفينة «كارين ايه» وهي ذات حمولة 4 آلاف طن وسيطرت عليها من دون اطلاق رصاصة واحدة.

واعتبر موفاز السفينة دليلا دامغا على عدم قيام السلطة بتنفيذ ما تمليه عليها الاتفاقيات، وعلى نيتها مواصلة سياسة الإرهاب والعنف وعدم التزام رئيس السلطة بمكافحة ما اسماه بالارهاب.

واعلن ايضا ان موفاز وقائد سلاح البحرية ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية كانوا يشرفون على العملية من على متن طائرة بوينغ تابعة لسلاح الجو الاسرائيلي. وكان موفاز طيلة الفترة التي استغرقتها العملية على اتصال مباشر بشارون وبن اليعزر لاطلاعهما على تطور الموقف دقيقة بدقيقة.

ونقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن مسؤولين اسرائيليين القول ان عملية «سفينة نوح» بدأت قبل بضعة أشهر ،عندما انتبه سلاح البحرية «الى نشاط مشبوه لكبار العاملين في سلاح البحرية الفلسطيني، وانتهت العملية في الثالثة من فجر 3 يناير،عندما فاجأ جنود الوحدة البحرية رقم 13 في الجيش الاسرائيلي، طاقم السفينة في عرض البحر وسيطروا عليها من دون اي مقاومة».

وتسرد الصحيفة نقلا عن مصادر اسرائيلية (مخابراتية) تفاصيل العملية المزعومة كيف بلغت ما اسمته باحدى عمليات الجيش الناجحة في السنوات الاخيرة، ذروتها في الساعة الثالثة فجر يوم الخميس الماضي. وقالت ان افراد الكوماندوز البحري هبطوا من المروحيات الى مياه البحر، ثم صعدوا على متن السفينة «كارين ايه» بينما كان اثنان او ثلاثة فقط من افرادها يقظين. وخلال عدة ثوان اقتحم افراد الكوماندوز قمرة القبطان، وباقي قمرات العاملين على السفينة، وتمكنوا من دون اي مقاومة من السيطرة عليها وسط دهشة العاملين الذين فوجئوا بالجنود المسلحين. بعد ذلك بقليل قاد افراد طاقم السفينة، رجال الكوماندوز، الى مواقع التخزين، حيث عثر فيها على 83 صندوقا كبيرا لم تظهر عليهم الدهشة عندما وجدوا بداخلها50 طنا من مختلف أنواع الاسلحة. وبعد ان سيطر افراد الكوماندوز على السفينة بعدة دقائق، ارسلوا حسب الصحيفة، تقريرهم الاول لمقر القيادة الرئيسي، الذي كان على متن طائرة بوينغ 707 تابعة سلاح الجو الإسرائيلي.

وحسب «يديعوت احرونوت» فان عملية «سفينة نوح» بدأت بعيد عملية ضبط السلاح السابقة على متن السفينة «سانتوريني» في عرض البحر المتوسط، التي اعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة مسؤوليتها عن ارسالها، وباشرت اسرائيل بمراقبة وتعقب المسؤولين عن تلك العملية، ومن بينهم على حد زعمها عادل مغربي الضابط في الشرطة البحرية الفلسطينية، وفتحي البحرية (فتحي راسم) الملقب ابو جهاد، نائب قائد سلاح البحرية الفلسطيني الموجود منذ بضعة اشهر خارج فلسطين ربما في القاهرة او عمان حسب قول مصادر فلسطينية لـ «الشرق الاوسط». وزعمت الصحيفة أن المغربي الذي وصفته بأنه مسؤول شراء الاسلحة في السلطة الفلسطينية، باشر منذ اكتوبر (تشرين الاول) سنة 2000، بمساعدة فتحي البحرية بالاتصال مع ايران وحزب الله، وقائد الشرطة الفلسطينية غازي جبالي، حتى يتمكن من تهريب كميات كبيرة من الاسلحة للسلطة. وتضمنت العملية فحص وسائل نقل مناسبة وشراءها، وتشكيل طاقم لقيادة السفينة والابحار بها، وتنسيق عمليات تغليف الاسلحة وتحميلها بغية جلبها الى السلطة الفلسطينية. وتم تعيين العقيد عمر عكاوي الذي يخدم في القوة البحرية الفلسطينة قبطانا للسفينة. وشكل شراء السلطة للسفينة المزعومة مؤشرا اضافيا للاستخبارات الاسرائيلية. وقال افراد الطاقم في التحقيق الأولي معهم ان مغربي اشترى السفينة في لبنان، وأبحرت الى السودان حيث تم تحميلها ببضائع عادية، كما جرى تغيير افراد الطاقم الأصلي. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ابحرت السفينة باتجاه ميناء حضة في اليمن. وفي يناير (كانون الثاني) الجاري ابحرت السفينة بناء على تعليمات مغربي لميناء قيش في ايران، حيث حملت على ما يبدو بـ 83 حاوية طفو تحوي أسلحة. ومن هناك واصلت السفينة طريقها وكان هدفها المعلن الوصول الى احد موانئ بلغاريا. ودخلت السفينة البحر الاحمر قبل أيام معدودة من استيلاء الجيش عليها، في طريقها الى ميناء السويس حيث كان من المفروض ان تشق طريقها من هناك الى البحر المتوسط. ووفق التقديرات فقد كان من المتوقع أن يصل قسم من الاسلحة الى «حزب الله» في لبنان. وان تقوم السفينة بعملية توزيع الاسلحة، بحيث تقوم بانزال قسم من الحمولة في سيناء وقسم آخر امام شواطئ غزة، وباقي حمولتها امام شواطئ لبنان، أو في احد موانئه.

وانتظر سلاح البحرية الاسرائيلية يسانده سلاح الجو تحسن الاحوال الجوية للانقضاض على السفينة التي كانت ترفع علم دولة تانجو الصديقة لاسرائيل وحانت اول فرصة يوم الخميس الماضي.

وكان على متن السفينة حسب «يديعوت احرونوت» 13 ملاحا بينهم ربان السفينة، المغربي وضابطان آخران من البحرية الفلسطينية. وشخص آخر كان معروفا لرجال الاستخبارات الإسرائيلية، اضافة الى 9 ملاحين آخرين من الاردن ومصر اتضح من التحقيق معهم حتى الان انهم لم يكونوا شركاء في عملية التهريب، وانهم عرفوا حقيقة حمولة السفينة عندما اقتربت من ميناء قيش حين التقوا بالسفينة الايرانية. وطلب قسم منهم النزول من السفينة عندما علموا بحقيقة الحمولة التي على متنها، لكن ربان السفينة وقادتها ابلغوهم بأنهم ملزمون بالبقاء على السفينة بعد ان عرفوا بحمولتها وأنه لا يمكنهم مغادرتها احياء.