مسؤولو طالبان زاروا مصرفي كابل وقندهار مسلحين بصك من الملا عمر وأفرغو الخزائن من 11 مليون دولار و93 مليون روبية قبل هروبهم

TT

ذات يوم وصل احد مسؤولي طالبان الى فرع المصرف المركزي الافغاني في قندهار خلال ساعات العمل العادية، وطلب مقابلة المدير، والذي كان هو الآخر من ملالي طالبان، ثم قدم له صكا موقعا من الملا محمد عمر.

كان ذلك يوم 16 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، اي بعد تسعة ايام من بداية القصف الاميركي. وقد مكث الملا الزائر، الذي كان عضوا بارزا في قيادة طالبان، ما يلزم من الوقت لكي يبرر سحب ذلك المبلغ المذكور في الصك، وما تلا ذلك من فتح الخزانة الواقعة في الطابق تحت الارضي. وقبض الملا الزائر 5 ملايين من الدولارات الاميركي والروبيات الباكستانية، ووضعها في جوال ضخم، ثم انصرف.

تلك كانت رواية اثنين من موظفي البنك اللذين اضافا في حديث للصحافيين اول من امس انه تم حمل الكيس الضخم الى عربة تويوتا كانت تنتظر في الخارج.

ومنذ ذلك الحين لم يعثر على السيارة او صاحبها. كما لم يتم العثور على ستة ملايين اخرى من الدولارات الاميركية، حملها عدد من قادة طالبان البارزين معهم من فرع المصرف المركزي في كابل يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، كما جاء في اقوال مدير الفرع. وهناك ملايين الدولارات التي اعتبرت مفقودة من فروع مصرف افغانستان المركزي، المعروف ببنك دا افغانستان. لكن مع الاطاحة بطالبان من السلطة وسيطرة الحكومة الافغانية الجديدة على ما تبقى من البنى التحتية المدمرة، يقول مسؤولو البنك انهم لا يعرفون حجم المبالغ المفقودة بالتحديد.

وكما قال علاء هاشمي مدير مصرف كابل الذي لم تأبه حركة طالبان باستكمال الاجراءات المتبعة للسحب منه: «لقد سحبوا جميع الاموال من الفروع الاخرى، لكننا لا نعرف التفاصيل. فلا يوجد صكوك ولا سندات استلام.. كانوا فقط يأتون الى المصارف ويسحبون المال».

ومع تعقب القوات الاميركية للملا عمر وغيره من كبار مسؤولي طالبان، يؤخذ في الاعتبار عامل مهم متعلق بكمية الاموال التي سحبها الملا عمر معه عندما فرت طالبان من قندهار قبل شهر مضى. ولو تمكن زعيم طالبان من مغادرة افغانستان، فان تلك الاموال التي نهبها من حسابات الدولة الرسمية قد تصرف في مجال تأمين مهرب آمن وملجأ في الخارج. وقال خالد بشتون، المسؤول الحالي في قندهار ان الملا عمر تمكن خلال الشهر الماضي من نهب ما يقرب من 100 مليون دولار اميركي عندما فر من المدينة.

وهذا الرقم، الذي كان يبدو غير محتمل قبل فترة غير بعيدة، قد يقترب من الحقيقة اليوم بالنظر الى مبلغ الـ11 مليون دولار التي يقول مديرو البنك المركزي ان مساعدي الملا عمر جمعوها من فرعي المصرف في كابل وقندهار. حيث اوضح هاشمي، مدير فرع كابل انه يوجد في بعض المدن الرئيسية مصرفان او ثلاثة وقد تكون طالبان قد احتفظت بأموال في كل منها.

لكن هذه المبالغ قد تشكل حمولة ثقيلة يصعب على الملا عمر حملها خلال تنقله في مناطق وسط افغانستان النائية الجبلية، كما افادت التقارير التي أوردها مدير مخابرات قندهار.

وكان الملا عمر اقسم مرارا بانه سيلجأ الى الجبال لشن حرب عصابات.

لكن مسؤولين اميركيين وافغانا قالوا ان عدد مقاتلي طالبان مع الملا عمر، قد يكونون في احسن الاحوال، بضعة آلاف اذا لم يكونوا عدة مئات. ولتضليل مراقبة الاقمار الصناعية الاميركية لتحركاته، يعتقد ان الملا عمر تخلى عن موكبه المكون من مجموعة من العربات ذات الدفع الرباعي.

وبدلا عنها يقال ان «امير المؤمينون» يتحرك إما بواسطة دراجة نارية، او كما يقول البعض على ظهر حمار.

واذا ما استخدم ايا من الوسيلتين فان الكيس الذي خرج به من مصرف قندهار قد يشكل عبئا عليه. وكما قال عبد القادر، نائب مدير المصرف «فقد كانت الحمولة كبيرة».

هذا الكيس الذي احتوى ذات يوم على 200 رطل من الدقيق الباكستاني، تمت تعبئته باوراق نقدية فئات 10 و20 و100 دولار اميركي ـ بلغت قيمتها حسبما قال عبد القادر وهو يتذكر آخر مسحوبات الحساب المصرفي رقم 17، قرابة 3 ملايين و488 الف دولار اميركي.

لكن الحمولة الاكبر كانت مبلغ 93 مليون روبية باكستانية، تساوي حوالي مليون و55 الف دولار. وهذا المبلغ سحب كاوراق نقدية اكبرها من فئة 1000 روبية. وعملية السحب الهائلة تلك ادت الى اخلاء الخزانة الارضية للبنك، التي يمكن الوصول اليها عبر مدخل اصفر اللون يمكن مشاهدته من القاعة الرئيسية للمصرف.

واضاف عبد القادر ان فرع مصرف افغانستان المركزي في قندهار اغلق ابوابه بعد ذلك «لانه لم تعد هناك اية اموال».

وفي كابل كانت المحنة اكثر ايلاما. حيث قال هاشمي ان مسؤولي طالبان سحبوا 5.3 مليون دولار اميركي اضافة الى 22 مليون روبية و18 مليار افغاني، وهي العملة الرسمية لافغانستان حينها، كما يتذكر السكان، كان الدولار الاميركي الواحد يساوي 60 الف افغاني، وبعد انهيار طالبان تحسن وضع العملة الافغانية لتصل الى 25 الفا مقابل الدولار.

اما في قندهار، فقد لاحظ المدير الحالي لفرع البنك فضلي احمد ان المال المسحوب يوم 16 اكتوبر، كان يمثل اموالا رسمية حكومية. وهو لم يشمل اموالا اخرى حصلت عليها طالبان من تهريب الأفيون، ومن حكومات اجنبية، او من اسامة بن لادن الذي وصفه مسؤول سابق من طالبان بانه كان اكبر ممول خاص للحكومة. حيث قال احمد: «كانت تلك اموالهم الخاصة. ولم تكن قد أتت الى هنا». كانت الملايين الخمسة من الدولارات الاميركية، تمثل الرصيد الاعتيادي الشهري للبنك، والتي يتم الحصول عليها من الرسوم والضرائب التي يتم جمعها من انحاء اقليم قندهار. هذا الرصيد الذي جرت العادة ان يشهد نموا خلال موسم الحج حيث تحصل الحكومة على ثمن جوازات السفر وتذاكر الطيران، وقد احتفظت بنصيبها في قندهار ضمن حساب مصرفي بلغ رصيده قرابة 14 مليون دولار اميركي، كما جاء في رواية فضلي احمد.

وعندما حضر مندوب الملا عمر، غول اغا، وبصحبته صكا من زعيم طالبان، اخبر مدير البنك حينها، واسمه عبد الصمد، ان المبنى الذي يمتلكه في الميدان الرئيسي بقندهار قد تصيبه القنابل الاميركية، حسبما تذكر موظفو البنك، ومن بينهم عبد القادر الذي اضاف «لقد قال الملا عمر اننا سنأخذ كل هذا المال معنا وسنكون قادرين على دفع مرتبات الموظفين من منزلي».

وتلك واقعة سبق تكرارها من قبل، فخلال اوائل عهد طالبان، كانت الخزانة عبارة عن حاوية وضعت الى جانب الملا عمر، الذي كان يقوم بتوزيع كميات من العملة الافغانية للقادة العسكريين، كما قال الصحافي الباكستاني احمد رشيد في كتابه بعنوان «طالبان».

واضاف رشيد: «مع نجاح طالبان اضيفت خزانة اخرى كانت تحتوي على دولارات اميركية».

لكن لا احد هذه المرة في المصرف يصدق تبريرات مسؤولي طالبان لسحب الاموال من البنك، اذ ان الملا عمر الذي اعتمد دائما على السرية، لم يكن مقيما في منزله، لكنه يحتمي بالمستشفيات، والمساجد والقرى النائية هربا من الغارات الجوية الاميركية.

وبالاضافة الى ذلك، كما اضاف احمد «لم يكن مسموحا لأحد بالاقتراب من منزله».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»