حادثة «طائرة الصبي» كشفت عن ثغرات في الدفاعات الأميركية رغم إجراءات ما بعد 11 سبتمبر

TT

قال مسؤولون اميركيون ان القيادة العسكرية المسؤولة عن ارسال الطائرات المقاتلة لاعتراض الأعمال الإرهابية المحتملة، لم تكن على علم بـ«طائرة الصبي» الاميركي تشارلز بيشوب (15 سنة) التي اصطدمت بمبنى «بانك اوف اميركا» في تامبا بولاية فلوريدا الاميركية، الا عند وقوع الحادث.

ويؤكد مراقبون ان الحادث المذكور، الذي وقع مساء السبت الماضي، طرح مجددا العديد من التساؤلات حول الثغرات المستمرة في الدفاعات الاميركية ضد الاعمال الارهابية، خصوصا ان «طائرة الصبي» دخلت مجالا جويا شبه محظور فوق قاعدة «ماكديل» الجوية حيث تباشر القيادة العسكرية المركزية الاميركية عمليات التنسيق الخاصة بالحرب في افغانستان.

وقال المسؤولون اول من امس انه حتى في حال ابلاغ سلاح الجو على الفور، فإن الطائرات المقاتلة التي من المفترض ان ترسل لاعتراض «طائرة الصبي» ربما لم تتمكن من الوصول الى مسرح الحادث في الوقت المناسب، ذلك ان هذه الطائرات توجد في الطرف الآخر من الولاية. كما ان مقاتلات «اف. 15» اذا نجحت في اعتراض طائرة «سيسنا» المسروقة التي كان يقودها الصبي الاميركي بيشوب، فإنها ربما كانت قد تفشل في منعه من الاصطدام بها بمبنى «بانك اوف اميركا» وسط مدينة تامبا.

وقال العقيد كين ماكليلان، المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، ان ثمة تساؤلا اخلاقيا في هذا الامر يتلخص في مدى اقدام أي مسؤول على اتخاذ قرار من جانب واحد باسقاط الطائرة الصغيرة التي كان يقودها بيشوب، مشيرا الى ان هذا الامر غير وارد في الغالب.

وثمة اشياء لا تزال خارج دائرة توقعات الجهات الامنية المعنية بحماية المواطنين غداة وقوع هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، من ضمنها الهجوم الذي وقع نهاية الاسبوع الماضي بالطائرة التي كان يقودها الصبي تشارلز بيشوب. ولادراكها بأنه كان من المحتمل ان تكون الطائرة مسلحة بقنبلة او عناصر بيولوجية مثل الانثراكس، فإن السلطات في البنتاغون وفي «الهيئة الفيدرالية للطيران» اكدت انها بصدد اعادة فحص اجراءاتها. وتعرض البنتاغون والهيئة الفيدرالية للطيران اول من امس الى ضغوط للافصاح عن التغييرات التي قد تجرى في ما يتعلق بالاجراءات الامنية. فقد صرح الادميرال جون ستافلبيم، المتحدث باسم البنتاغون، أنه لم يكن هناك خطر متوقع، وان كل ما حدث يتلخص في «اقدام صبي عمره 15 سنة على فعل مشاكس وغريب». واضاف ان السلطات في حاجة الى بعض الوقت للنظر في هذه القضية للتوصل الى معرفة ما حدث على وجه التحديد لكي يتسنى، على حد قوله، «ما يجب تغييره اذا استدعى الامر».

الجدير بالذكر ان وزير الأمن (الداخلية) الأميركي توم ريدج، المسؤول عن التنسيق في مجال مكافحة الارهاب داخل الاراضي الاميركية، لم يدل بتعليق حول حادثة «طائرة الصبي». وكانت الجهات المسؤولة قد ابلغت ريدج بالحادث فور وقوعه. واكد غوردون جوندرو، المتحدث باسم وزارة الداخلية، ان ريدج ظل يتابع تطورات الحادث. وكانت وزارة ريدج قد شرعت خلال الأشهر الاخيرة في التباحث مع «الهيئة الفيدرالية للطيران» ومع وزارة المواصلات وهيئات اخرى حول سلامة الطيران، كما ان الوزارة ستدرس احداث السبت الماضي لتحديد ما اذا كانت هناك حاجة لتغيير بعض الاجراءات.

من جهته، قال ويليام شومان، المتحدث باسم «الهيئة الفيدرالية للطيران» ان مسؤولي الهيئة اجتمعوا اول من امس مع ممثلين عن قطاع الطيران بغرض اعادة النظر في الاجراءات الامنية الخاصة بالطائرات ومدارس الطيران. واضاف شومان ان الامر المهم في الوقت الراهن يتركز في كيفية تنظيم الطيران ودراسته، خصوصا ان هناك ما يزيد على340 ألف دارس للطيران وطيار في الولايات المتحدة. واضاف ان السؤال الآن يتركز حول امكانية تنظيم الطيران بدون ان تكون هناك آثار على قطاع الطيران بصورة عامة.

وكانت «الهيئة الفيدرالية للطيران» قد ابلغت الكونغرس الاميركي الشهر الماضي عن السبل الممكنة لتحسين امن وسلامة الطيران بما في ذلك انزال الطائرات الخاصة. واوضح روبرت كوبر، صاحب اكاديمية الطيران التي درس بها بيشوب في مارس (اذار) الماضي وسرق منها الطائرة التي قادها السبت الماضي، انه على العكس من التقارير التي تناولت الحادث، فإن بيشوب لم يترك لوحده في عملية التحضير التي تسبق الطيران، واضاف ان بيشوب وصل قبل 15 دقيقة من حصة التدريب المقررة واخذ الكتيبات الارشادية الخاصة بالطوارئ ومفاتيح الطائرة. واوضح كذلك انه سمح له بركوب الطائرة لأنه معروف في الاكاديمية ومحبوب من الكثيرين، لكنه فاجأ الجميع وادار محرك الطائرة واقلع بها.

وكانت اسرة بيشوب قد اصدرت بيانا اول من امس اعربت فيه عن الحزن والفزع لما حدث، واكدت والدته وجدته في البيان ان الاسرة لم يكن لديها ادنى ما يشير الى احتمال وقوع هذا الحادث، كما اعربتا عن ارتياحهما ازاء عدم وقوع اصابات في المكان الذي وقع فيه الحادث.

وقالت مصادر الشرطة انها عثرت على مذكرة مكتوبة بخط يد بيشوب داخل حقيبة للكتب في الطائرة اكد فيها انه اقدم على هذا العمل لوحدة معبرا فيها عن تعاطفه مع اسامة بن لادن واحداث 11 سبتمبر الماضي. الجدير بالذكر ان البحث الذي اجراه المحققون الاميركيون في جهاز الكومبيوتر الخاص لبيشوب لم يظهر أي اشارة تتعلق بالحادث. واخذ المحققون سجل الكومبيوتر الخاص ببريد بيشوب الالكتروني. واوضح كوبر ان عدة اشخاص شاهدوا بيشوب وهو يقلع بالطائرة وابلغوا فورا برج المراقبة بمطار «بيتربيج ـ كليرووتر» المجاور. وطبقا لرواية «الهيئة الفيدرالية للطيران» فإن بيشوب اقلع بالطائرة حوالي الساعة 4:55 مساء السبت، كما اوردت الهيئة كذلك ان مروحية غير مسلحة تابعة لحرس الحدود توجهت نحو الطائرة وتحدث طيار المروحية مع بيشوب بالاشارة طالبا منه الهبوط.

واوضح شومان ان مسؤولي الطيران المحليين قرروا في ما يبدو عدم الاتصال بالقيادة العسكرية المسؤولة عن الدفاع عن اجواء اميركا الشمالية بسبب وجود طائرة حكومية في الجو خلال ذلك الوقت.

وعلى الرغم من ان بعض المسؤولين في «ماكديل» كانوا على علم بالطائرة، فإن القاعدة الجوية هناك لا توجد بها طائرات مقاتلة. وطبقا لما اكده مسؤولون، فإن القيادة العسكرية لحماية الاجواء الاميركية لم تعلم بأمر الطائرة الا حوالي الساعة 5:13 مساء، أي بعد عدة دقائق من اقلاعها، كما ان المقاتلات التي أرسلتها القيادة العسكرية لم تصل الا الساعة 5:40 مساء.

الجدير بالذكر انه من المفترض ان تبلغ «الهيئة الفيدرالية للطيران» القيادة العسكرية المسؤولية عن حماية اجواء اميركا الشمالية في اسرع وقت ممكن في حال وقوع مثل هذه الاحداث، علما بأن سلاح الجو الاميركي وضع منذ هجمات 11 سبتمبر الماضي ما يزيد على 100 طائرة مقاتلة في حالة استعداد للاستجابة لاي طوارئ في أي موقع بالولايات المتحدة، مقارنة بـ 14 طائرة مقاتلة فقط كانت في حالة استعداد قبل وقوع تلك الاحداث. يضاف الى ما سبق، ان الجيش الاميركي بدأ في تسيير دوريات بالطائرات المقاتلة لمراقبة اجواء واشنطن ونيويورك على نحو روتيني بالاضافة الى مراقبة اجواء بقية انحاء الولايات المتحدة على نحو غير منتظم.

تجدر الاشارة الى انه لا توجد دوريات فوق «ماكديل»، بيد ان مسؤولين في البنتاغون اكدوا ان القاعدة قادرة على الدفاع عن نفسها بسبل اخرى. واشار مسؤول عسكري آخر الى ان سلاح الجو الاميركي يملك موارد محدودة في ما يتعلق بدوريات الطائرات المقاتلة، وانه يختار المناطق وحتى الاحداث لتوفير الحماية اللازمة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حادثة «طائرة الصبي»، طبقا لتعليق مسؤول أميركي، طرحت الكثير من التساؤلات، ولفتت الانتباه الى ثغرات خطيرة يجب ان تعالج سواء كان ذلك باقفال ابواب الطائرات في المطارات الصغيرة في مختلف انحاء الولايات المتحدة او بتوجيه مدربي الطيران بعدم السماح للدارسين بقيادة الطائرات بأنفسهم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»