الإدارة الأميركية فوجئت بتقارير العفو عن وزراء طالبان وأكدت أنها لن تتساهل مع الأمر

مسؤول فيها عزا القرار إلى ضعف الاتصال بين كابل والولايات الأفغانية وأعلن أن واشنطن ستبحث المسألة مع حكومة كرزاي

TT

بات القادة العسكريون الاميركيون اكثر وضوحا في الآونة الاخيرة في التعبير عن رغبة الولايات المتحدة في تسلم كل من يقع في ايدي الميليشيات الافغانية المحلية وذلك خلال حملة القوات الاميركية المتواصلة في تعقب قادة حركة طالبان وتنظيم «القاعدة» الفارين.

اعدت السلطات الاميركية من جانبها قائمة بأسماء ابرز المطلوبين وصور الاشخاص الذين تبحث عنهم. كما ان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد حذر علنا من تقليص المساعدات اذا فشل القادة الافغان الجدد في التجاوب مع الجهود الاميركية في تعقب المطلوبين. وكان مسؤولون في الادارة الاميركية قد نقلوا شخصيا هذه الرسالة بصورة صارمة للمسؤولين الافغان.

وكانت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش قد تفاجأت اول من امس بتقارير تحدثت عن اطلاق سراح عدد من الوزراء في نظام طالبان السابق بقندهار عقب استسلامهم وبعد ان ادوا قسم الولاء للسلطات الجديدة. ووصفت القيادة المركزية الاميركية هذه التقارير في بادئ الامر بأنها غير صحيحة، بيد ان مسؤولين افغانا مقربين من حاكم قندهار المحلي اكد اطلاق سراح رموز حركة طالبان، وقالوا ان «الملا محمد عمر وحده لا يستحق العفو». واوضح مسؤول بارز في ادارة بوش ان تقارير استخباراتية اشارت الى ان بعض السلطات الافغانية الاقليمية تتفاوض مع قادة سابقين في حركة طالبان لتأمين استسلام مشروط لهم.

وفيما يعكف مسؤولون اميركيون على حل الاشكال القائم، يعتبر اطلاق سراح قادة طالبان في قندهار تطورا مثيرا للقلق بالنسبة للولايات المتحدة. ويمثل هذا التطور آخر الامثلة على التباين بين الاهداف العسكرية الاميركية واهداف الافغان القبلية في ما يتعلق بتعقب كبار قادة حركة طالبان وتنظيم القاعدة. كما يشير هذا التطور الى احتمال اطالة امد العمليات العسكرية الاميركية داخل افغانستان، والى محدودية سلطة حكومة حميد كرزاي المؤقتة في فرض سياسات موحدة ولجم القرارات التي يصدرها الزعماء المحليون من جانب واحد. تقول فيونا هيل، المحللة بمعهد بروكينغز الاميركي، ان تقديرات القادة الافغان المحليين والسلطات الجديدة قائمة في الاساس على اعتبار الاوضاع الخاصة بهم وليس على اساس اولويات الولايات المتحدة كما اشارت كذلك الى ان امد العمليات الاميركية داخل الاراضي الافغانية سيطول اذا ارادت الولايات المتحدة التوصل الى الاهداف والنتائج المرجوة.

ورغم ان الحكومة الجديدة والسلطات المحلية تكونت بمساعدة القوات الاميركية، فإن مسؤولين في الادارة الاميركية ومحللين يرون انه ليس من المستغرب ان يظهر السياسيون الافغان درجة من الاستقلال. اما غلبة الاستقلال المحلي في بعض المحافظات، فيعود الى الضعف النسبي للحكومة الجديدة في كابل. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية ان ما يحدث الآن يعكس الافتقار للاتصال بين الحكومة المركزية والولايات، كما ان الهوة كبيرة بين كرزاي ومنافسه جول اغا شيرازي، حاكم قندهار الذي اكد مساعدوه سياسة العفو. واضاف المسؤول الاميركي ان الولايات المتحدة لا تعتزم اسقاط هذه المسألة، مؤكدا ان الجانب الاميركي سيتباحث مع الحكومة الافغانية المؤقتة حول هذا الامر. من جانبه، قال الادميرال كريغ كيغلي، كبير المتحدثين باسم القيادة المركزية الاميركية، انه لا يوجد دليل على اطلاق سراح قادة من حركة طالبان في مدينة قندهار، مؤكدا ان كل الاشخاص الذين القي عليهم القبض هم رهن الاعتقال الآن. غير ان خالد بشتون، المتحدث باسم جول اغا، اكد اطلاق سراح قادة طالبان وان الملا عمر لا يستحق العفو. كما قال جلال خان، الذي يعد من مساعدي جول اغا المقربين، ان قادة طالبان التقوا مسؤولي الحكومة الجديدة وتلقوا عفوا رسميا بعد اعترافهم بحكومة كرزاي المؤقتة. وقال خان انهم اشترطوا على قادة طالبان منذ البداية «الاستسلام وتسليم السلاح والسيارات لقاء العفو»، كما اكد كذلك ان قادة طالبان الذين اطلق سراحهم «سمح لهم بالذهاب الى منازلهم وهم يعيشون الآن مع اسرهم»، على حد تأكيده. وعلق خان: «قادة طالبان الذين استسلموا واطلق سراحهم اخوان لنا سمحنا لهم بالعيش بطريقة سلمية، لن نسلمهم للولايات المتحدة ولن يشاركوا في السياسة».

وتضم القائمة الاميركية لابرز المطلوبين اثنين من قادة طالبان المذكورين هما الملا حاجي عبيد الله اوخود، الذي كان وزيرا للدفاع في ظل نظام طالبان، والملا نور الدين ترابي، وزير العدل السابق الذي اصدر عددا من المراسيم القمعية المتشددة واشرف على تشكيل الشرطة الدينية المسؤولة عن تنفيذ هذه المراسيم. ومن ضمن القادة الآخرين الذين اطلق سراحهم الملا سعد الدين، وزير التعدين السابق، وعبد الحق، مسؤول الامن السابق في هرات، الى جانب عدد من المسؤولين من ضمنهم رئيس عبد الواحد وعبد السلام ركتي ومحمد صادق. الجدير بالذكر ان اتفاقا مماثلا تم بين سلطات قندهار وقادة طالبان اثناء سقوط مدينة مزار الشريف والمعركة حول مدينة قندز. فقد اطلق القائد الاوزبكي ونائب وزير الدفاع الحالي عبد الرشيد دوستم سراح رئيس هيئة اركان قوات طالبان ونائب وزير دفاع الحركة الى جانب قائدين عسكريين. ويرى توماس جوتيير مدير مركز الدراسات الافغانية بجامعة نبراسكا الاميركية، ان هذه الحالات تعكس رغبة كرزاي والقادة الافغان المحليين في الاحتفاظ بمكانتهم وسط الافغان. ويعتقد جوتيير ان الاحتفاظ بالمصداقية في افغانستان يتطلب من الشخص تحاشي الدخول في ما يمكن تصنيفه «سياسة تأديبية» وهذا، طبقا لوجهة نظر جوتيير، يتعارض مع سياسة اميركا ومصالحها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»