لبنان وأوروبا وقعا اتفاق الشراكة في بروكسل وبيروت تأمل في أن يمهد التوقيع لانعقاد «باريس ـ 2»

الحريري: نتشارك في هدف إحلال السلام والتعلق بالحرية والديمقراطية

TT

وقع لبنان والاتحاد الأوروبي اتفاق الشراكة بينهما في خطوة يوليها الطرفان اهمية كبرى لتعزيز العلاقات بينهما سياسياً واقتصادياً وبعد مفاوضات دامت سنوات بينهما.

وهذا الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى، يعول عليه لبنان في اتجاهين، الأول اتساع دائرة الثقة الدولية بأوضاعه وبمستقبله كبلد جاذب للاستثمارات العربية والدولية، وتالياً تجسيد الاعتراف الأوروبي بأهمية دوره وموقعه في المنطقة على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية، مما سيفتح أمامه كثيراً من الفرص والمجالات لتحقيق نموه الاقتصادي وتعزيز مسيرة اعادة البناء والاعمار المنطلقة فيه منذ عام 1992 ولا تزال.

وفي هذا الاتجاه ايضاً، يعول لبنان على ان يؤدي توقيع هذا الاتفاق بينه وبين الاتحاد الأوروبي الى نجاح انعقاد مؤتمر «باريس ـ 2» المقرر مبدئياً في فبراير (شباط) المقبل برعاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك، إذ يطمح لبنان من هذا المؤتمر الى الحصول على ديون أقل فائدة يبدل بها ديونه الحالية ذات الفائدة المرتفعة والتي تتسبب في ازدياد عجز موازنة الدولة السنوية.

في الاتجاه الثاني يعول لبنان على اتفاق الشراكة الأوروبية هذا على ان يكون عنصراً مساعداً له لاجراء اصلاحات اساسية في بنيته الاقتصادية تنسجم مع روح العصر والتطور الحاصل في الاقتصادات العالمية، وكذلك لاجراء اصلاحات سياسية وديمقراطية لم يتمكن منذ زمن طويل في تحقيقها بسبب التركيبة السياسية والطائفية المعقدة التي تحكم الواقع السياسي اللبناني.

وقالت مصادر لبنانية شاركت في المفاوضات التي أدت الى توقيع الاتفاق لـ«الشرق الأوسط» ان العلاقة التي ستقوم بين لبنان وأوروبا والحوار الدائم الذي سيطلق بين الجانبين في مختلف المجالات سيؤديان بالسلطة اللبنانية الى الاستفادة من التجارب الأوروبية في تنفيذ كثير من المشاريع الحيوية لتعزيز اوضاع الدولة ولاحداث تغيير تدريجي وعملي في الادارة اللبنانية كما في العقلية والأداء على مختلف المستويات.

وتم توقيع الاتفاق مساء امس في بروكسل برعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ورئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي بالأحرف الأولى على الشراكة بين لبنان والاتحاد الأوروبي. وقد وقعه عن الجانب اللبناني وزير الاقتصاد والتجارة باسل فليحان وعن الجانب الأوروبي كاثرين داي نائبة المدير العام للعلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية.

وقالت مصادر الوفد اللبناني ان توقيع هذا الاتفاق يكرس موقع لبنان شريكاً اقتصادياً وسياسياً رئيسياً للاتحاد الأوروبي في المنطقة والتزامه التكامل بين اقتصاده والاقتصاد الأوروبي. كما يرسل اشارة واضحة للمستثمرين الأوروبيين والدوليين حول الفرص المتاحة للاستثمار المباشر في لبنان.

ويفتتح التوصل الى اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان حقبة جديدة من العلاقات الثنائية بين الجانبين ويدعم الشراكة الأوروبية المتوسطية التي انطلقت من مؤتمر برشلونة عام 1995. كما يلزم الطرفين بمزيد من تحرير التبادل التجاري بينهما ويضمن افادة رجال الأعمال والمستهلكين اللبنانيين على حد سواء من مزيد من التنمية والتجارة والاستثمارات العالمية.

وأكد دبلوماسي أوروبي قريب من الرئيس برودي لـ«الشرق الأوسط»: طلب عدم ذكر اسمه «أن توقيع هذه الاتفاقية التي هي اطار واسع وشامل للتعاون السياسي بين اوروبا ولبنان في الوقت الراهن هو مؤشر سياسي اوروبي واضح على عدم قبول أوروبا محاولات عزل لبنان وممارسة الضغوطات عليه تحت ذريعة محاربة الارهاب الدولي». وأضاف الدبلوماسي موضحاً ان اوروبا تريد في المقابل تعزيز موقف لبنان ودعمه على الصعيدين الداخلي والخارجي حتى تتمكن بيروت من لعب دور محوري في المرحلة المقبلة من الجولات اللاحقة للتسوية السلمية في المنطقة التي تعد لها أوروبا خاصة في مرحلة ما بعد ارييل شارون.

وأبلغت مصادر اوروبية «الشرق الأوسط» في بروكسل «ان القيادة الجماعية الأوروبية أبلغت الرئيس الحريري امس ما مفاده ان اوروبا لن تقبل بنقل الولايات المتحدة حربها الراهنة ضد معاقل الارهاب من أفغانستان الى منطقة الشرق الأوسط وان بروكسل سوف تقف بقوة ضد أي احتمال مماثل لما له من انعكاسات سلبية وخطيرة على المنطقة على أمن الاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس الحريري في كلمة ألقاها بعد توقيع الاتفاق خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المفوضية الأوروبية برودي «انه لسرور عظيم أن اكون معكم في بروكسل للاحتفال بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الشراكة الذي طال انتظاره بين لبنان والاتحاد الأوروبي. انه يوم عظيم للبنان ويوم عظيم لأوروبا. ان علاقاتنا التاريخية باتت الآن مكرسة في اتفاق شراكة يزيد من التقارب بيننا. ان هذا الاتفاق هو اقتراع ثقة بلبنان واقتراع ثقة في مستقبل علاقاتنا. ان هذا الاتفاق يلبي احد الأهداف الرئيسية لسياسة حكومتنا: جعل لبنان شريكاً كاملاً لأوروبا».

وأضاف الحريري: «ان اليوم يمثل بداية حقبة جديدة في علاقاتنا. صحيح انه يشكل نهاية لمفاوضات طويلة اجريناها لكنه لا ينهي حوارنا مع أوروبا، بل يرفعه الى مستويات جديدة. تعلمون جميعاً كم هو صعب التحدث عن السلام اليوم فيما يحطم استمرار العنف والاحتلال آمال شعوب المنطقة، لكن هذا يجب ألا يقودنا الى اليأس فالسلام يمثل الخيار الأوحد في نظرنا، لأن الاحتلال والقوة ليسا الحل. ما زلنا نؤمن ان السلام ممكن إلا انه يجب ان يكون شاملاً ومبنياً على قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و338 و425. كما يجب أن يكون راسخاً في الشرعية والقانون الدوليين واحترام حقوق الانسان والكرامة البشرية. هذا هو السلام الذي نبحث عنه، وهذا هو السلام القادر على الاستمرار وعلى توفير الاستقرار لنا جميعاً، لأولادنا ولأولادهم من بعدهم.

ثم كانت لبرودي كلمة تحدث فيها عن أهمية توقيع اتفاق الشراكة بين لبنان والاتحاد الأوروبي متوقفاً عند العلاقة المتينة التي تربط بينهما، مشيراً الى ما سيحققه هذا الاتفاق من فوائد لهما مستقبلاً في مختلف المجالات.

وكان الرئيس الحريري وصل الى بروكسل بعد ظهر امس يرافقه وزير الاقتصاد اللبناني باسل فليحان والتقى فور وصوله رئيسة البرلمان الأوروبي نيكول فونتين التي قالت بعد اللقاء: «كما تعلمون ان احدى اولى رحلاتي الى خارج الاتحاد الأوروبي كانت الى الشرق الأوسط وتحديداً الى لبنان بسبب الاهتمام الكبير الذي أوليه للتعاون مع هذا البلد وتعميق علاقاتنا. ولطالما اعتقدت ان تدعيم علاقاتنا يمثل في شكل من الاشكال استكمال التوازن الذي لا غنى عنه بالتزامن مع توسيع الاتحاد الأوروبي الذي كما تعلمون سنقوم به في الأعوام المقبلة في اتجاه القسم الشرقي من اوروبا. لقد بحثنا طويلاً الوضع السائد في الشرق الأوسط وتبادلنا التحليلات والتمنيات، كما هنأت رئيس مجلس الوزراء اللبناني على اننا سنوقع اليوم اخيراً اتفاق الشراكة بين لبنان والاتحاد الأوروبي، وهو اتفاق قال لي الرئيس الحريري انه يبني عليه توقعات كبيرة وانه سيلعب دوراً كبيراً في تقدم لبنان، وهو بالطبع أمل اشاطره إياه بكل قواي».

وسألت رئيسة البرلمان الأوروبي عن رأيها في الحرب ضد الارهاب وهل تعتقد ان لبنان معني بهذه الحرب؟ فأجابت: «أعتقد ان على جميع الديمقراطيين ان يتحالفوا لمكافحة الارهاب. وقد بحثت هذا الموضوع أيضاً مع الرئيس الحريري».