بلير: الحوار بين الإسلام والمسيحية يعزز السلام العالمي

ندوة في لندن تبحث «بناء الجسور» والتغلب على العقبات بين الديانتين

TT

أكد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن الحوار والفهم المتبادل بين الاديان من شأنه أن يرسخ الامن والسلام في العالم. وشدد بلير الذي كان يتحدث أمس في جلسة لافتتاح ندوة الحوار الاسلامي ـ المسيحي في لندن، على أن الدين نبع لا ينضب من الثراء اذا أحسن تطبيقه. بيد انه لفت الى أن الدين الذي يتعرض الى التشويه يغدو قوة خطيرة تؤجج النزاعات المدمرة. ومن جهته، أشار كبير أساقفة كانتربري الدكتور جورج كيري الذي دعا الى الندوة بتشجيع ودعم بلير، الى اهمية التواصل بين المسلمين والمسيحيين، معتبراً أن الفهم المتبادل مصدر قوة وغنى للطرفين. أما الامير الحسن بن طلال فشدد في الكلمة التي ألقاها بهذه المناسبة، على ضرورة التأسيس لتضامن انساني يكون عماده الفهم المتبادل لثقافة الآخر وتقاليده الدينية. وكان الدكتور كيري قد أعلن أمس انطلاق الندوة التي تختتم جلساتها اليوم في «قصر لامبث»، مقر كبير أساقفة كانتربري تحت عنوان «بناء الجسور: التغلب على العقبات التي تعترض العلاقات المسيحية ـ الاسلامية». ودعا حوالي 40 عالم دين مسلم ومسيحي وأكاديمي من مصر والاردن وباكستان وايران وغانا ونيجيريا وغيرها، ويحضر المناقشات رؤساء الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية البريطانية وموظفون في الخارجية ومكتب رئيس الوزراء بصفة مراقبين.

وفي كلمته الافتتاحية للقاء اعتبر الدكتور كيري ان ما يجمع الحاضرين هو «التزام قوي بتعميق الحوار وتوسيع الفهم والتعاون بين دينينا ـ المسيحية والاسلام». وأضاف ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) «سلطت الضوء على أهمية تعميق حوارنا وفهمنا (المتبادل) ليس فقط لأن ذلك يخدم مصلحة مجموعاتنا الدينية، بل لأنه ايضاً يخدم مصلحة العالم وأمنه». ولفت الى وجود ضرورة عاجلة لـ«النهل من المصادر الغنية للاسلام والمسيحية بهدف التصدي لهؤلاء الذين يزعمون أن الله (عز وجل) يبارك الشر الذي يمارسون والكراهية التي ينشرون».

وقال رئيس الكنيسة الرسمية البريطانية ان محاور الندوة ستشتمل على حديث المشاركين عن «الغايات للعائلة الانسانية» و«تاريخ مجتمعاتنا وكيفية تشابكها». وأضاف ان المتحاورين سيتطرقون الى «المجتمع الجيد وكيف يقوم الدين بتحديد معالمه». واعتبر أن الغاية الرئيسية للحوارات التي تتواصل على امتداد يومين هي عبارة «خادعة ببساطتها: (تحقيق) فهم (متبادل) اكبر». وشدد على أن السبيل لبلوغ هذه الغاية ليس «اخفاء هوياتنا» بل عن طريق «انفتاح كل منا على الثراء الذي يحوزه الآخر».

ومن جانبه، أعرب رئيس الوزراء البريطاني عن قناعته بأن «الندوة دليل على الاهمية المتنامية للحوار بين الاديان». ودعا الى «نقل حوارات الخبراء والنتائج التي تتمخض عنها الى المجتمع الواسع كي يكون لها صدى» بين الناس ويهتدون بها في حياتهم العامة. وأشار الى ان عصرنا الحالي يتميز بأن «التغيير يحصل فيه بسرعة هائلة» وبالعولمة التي «يمكن أن تتسبب في الانقسامات والنزاعات ويمكن أن تكون ايضاً قوة خيرة اذا أُحسن استخدامها بحيث تفسح الفرصة لاستفادة الجميع من ثروات وايجابيات بعضهم البعض». وحث بلير على العمل من أجل «ارساء اسس فهم متبادل بين الاديان»، مؤكداً أن «المعرفة هي التي تساعد كلا على فهم الآخر وهي التي تقرب الناس بعضهم الى بعض». وقال «ان من الطبيعي ان يغرق المرء في تعاليم دينه وثقافته فينشغل عن الأديان الأخرى». وأوضح ان ذلك يدل بوضوح على «أهمية الحوار لأنه يرينا أين هي مصادر الوحدة بين المجموعات الدينية المختلفة ويسلط الضوء على حسنات كل منها». واعتبر أن «التركيز على النقاط المشتركة بين تقاليدنا وثقافاتنا» يصلح سلاحاً ناجعاً لمواجهة التشدد، الذي ساق مثالاً عليه بجريمة قتل شخص في ايرلندا الشمالية اخيراً لمجرد أنه كان كاثوليكياً. وأضاف بلير ان الحوار بين الاديان عامل حاسم في احلال السلام في العالم وتخليصه من العنف والنزاع.

واذ توقف الامير الحسن بن طلال في كلمته عند الدور الذي يلعبه الحوار الديني في حل النزاعات ووضع حد للعنف، فقد سلط الضوء على المعرفة مؤكداً أن «الثقافة هي المفتاح». وفي سياق تشديده على ضرورة التواصل والحرص على «مصالح الآخرين وليس فقط على المصلحة الذاتية»، أشار الى النزاعات المؤذية التي تبث الفرقة بين أتباع الاديان المختلفة. وانتقد العداء الذي يكنه البعض في الغرب للاسلام، كما أوضح أن التشدد يدفع المسلمين أحياناً الى التحامل على الآخرين. وساق أمثلة من نزاعات ذات طابع ديني شهدتها أندونيسيا والبوسنة وغيرهما. وذكر الامير الحسن انه عارض قبل سنوات اقامة مسجد شهاب الدين قبالة كنيسة البشارة في الناصرة، كبرى المدن الفلسطينية داخل الحزام الاخضر، انطلاقاً من حرصه على عدم تسميم العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. وقال الامير الحسن ينبغي أن يتم «الحوار ضمن المجتمع وضمن الثقافة» بعيداً عن الابراج العاجية. وأكد أن بناء الجسور يجب أن لا يقتصر على المسيحيين والمسلمين، بل يجب أن «يتواصل المسلمون والعرب أيضاً بعضهم مع بعض». وأعرب عن أمله في أن «يكون المؤتمر الذي ينظمه الاتحاد الاوروبي بالتعاون مع منظمة المؤتمر الاسلامي في فبراير (شباط) المقبل بمثابة اللبنة الاولى في برلمان ثقافي» يعزز التواصل بين المسلمين والمسيحيين بهدف ترسيخ «التضامن الانساني».

وعلى الصعيد نفسه، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر الندوة أن الحوارات ستتناول مفاهيم العنف والعدالة دينياً، وصراع الحضارات اضافة الى وسائل التعاطي مع النزاعات وكيفية حلها على اساس التعاليم الدينية.

وقد لوحظ أن أغلب المشاركين هم من الاكاديميين القادمين من حوالي 12 دولة فقط. ولفت البعض الى اقتصار التمثيل العربي على مصر والاردن، فيما غابت الاغلبية الساحقة للدول العربية بمؤسساتها الاكاديمية والدينية عن ندوة الحوار الاسلامي ـ المسيحي. ويُشار الى أن كبير الاساقفة أقر في مقال نشره أمس في صحيفة «التايمز» اللندنية بالاشتراك مع الدكتور زكي بدوي رئيس الكلية الاسلامية بلندن، أن «الطابع الغالب على الندوة»، هو المشاركة الاكاديمية. بيد انه رد ذلك الى ضرورة الاعتماد على خبراء من الجانبين ممن يعرفون جيداً قدر الثراء الذي يتمتع به الاسلام والمسيحية، بهدف ارساء دعائم الفهم المتبادل والحوار البناء.