ريتشارد ميرفي: الحملة ضد السعودية لا أساس لها ولا تعكس توجها داخل الإدارة الأميركية

TT

شدد ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط على اعتقاده ان حملة النقد والهجمات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية في وسائل الاعلام الأميركية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي «لا تعكس بأي شكل رأياً او تياراً او توجهاً في الادارة الأميركية ضد السعودية، ولا ا عتقد أبداً بأنه كان للادارة او لمسؤولين فيها دور في توجيه وسائل الاعلام او دفعها لشن الحملة بأي طريقة من الطرق، وان الحملة قامت من دون أساس».

وقال في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» ان الادارة منذ شرعت في حشد الدعم والتأييد وتشكيل تحالف للحرب ضد الارهاب بعد التفجيرات، أرادت الحصول على ردود سريعة من دول العالم، ولكن «كما يبدو لي، وهنا أتكهن، ظهر خلال النصف الثاني من سبتمبر شعور في وزارة الدفاع (البنتاغون) بأن هناك تردداً سعودياً في الرد، وعدم تقديم استجابة فورية». وعزا سبب ذلك الى «انهم في البنتاغون، نسوا الطرق الصحيحة لشرح الطلب وبحثه بهدوء، والقيام بحشد الدعم لا من السعودية فقط، بل من غيرها، سواء كان عسكرياً او غير عسكري بشكل تقليدي وهادئ». وأضاف «وكان هناك تسريب لهذا الشعور بأن السعودية غير متعاونة ومترددة وتؤجل الرد. والتقطت وسائل الاعلام الموضوع وأخذت تنفخ فيه وتضخمه وتؤوله دون اي أساس». بيد انه سارع الى التأكيد «لا اعتقد ان الادارة او الحكومة الأميركية وجهت الاعلام او طلبت بأي شكل او طريقة من الطرق شن هذه الحملة».

وتابع ميرفي قائلاً «انني خارج الادارة، ولكن لا بد من الاشارة الى ان الرئيس جورج بوش ووزير الخارجية كولن باول وغيرهما من كبار المسؤولين في الادارة أوضحوا ذلك اكثر من مرة، وأكدوا الارتياح التام للتعاون الذي تبديه السعودية في اطار مكافحة الارهاب لأنه خطر يؤذي جميع دول العالم».

وعن رأيه ورؤيته للعلاقات السعودية ـ الأميركية بعد هجمات سبتمبر في نيويورك وواشنطن، قال «انه على مر التاريخ لا توجد هناك علاقة مثالية و100% من الانسجام بين أي بلد وبلد آخر. وهذه حقيقة معروفة». وزاد المسؤول الأميركي السابق: لقد «شهدت العلاقة بين البلدين بعض «التوتر» ان صح هذا القول أو الوصف، قبل الهجمات، وسبب ذلك متصل بالموضوع الفلسطيني، إذ ركزت القيادة السعودية، في بيانات وتصريحات، منذ الربيع والصيف الماضيين على حث الادارة الأميركية ودعوتها الى الانخراط والمشاركة بفعالية وقوة والاهتمام وبذل الجهود بشكل اكبر للتوصل الى تسوية عادلة واحلال السلام في المنطقة».

وأشار ميرفي في سياق تسليطه الضوء على دعم السعودية لحقوق الشعب الفلسطيني الى ان «ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الغى زيارة كان سيقوم بها للولايات المتحدة، وكذلك صدرت بيانات عدة عن القيادة والحكومة السعودية تدعو الى اهتمام اميركي اكبر وأكثر فعالية بالعملية لاحلال السلام، والضغط على اسرائيل وحكومة شارون للتراجع عن سياساتها. ووقعت هجمات سبتمبر، ولم تغير من ذلك».

وأردف ميرفي «وظهر أثر الهجمات وتأثيرها في موضوعين الأول هو الحشد العسكري والسياسي الذي بدأته الولايات المتحدة لشن الحملة العسكرية ضد الارهاب. والثاني هو موضوع تمويل بن لادن وشبكة القاعدة».

وأوضح ميرفي رأيه بالنسبة للموضوع الأول قائلاً «الادارة بدأت حملة لحشد الدعم والتأييد العالمي لشن الحرب ضد الارهاب، وهذا أدى الى طلب المساعدة والجهود من كل دول العالم في هذه الحرب ضد بن لادن وشبكة القاعدة وحكومة طالبان، وبفضل العلاقة الوطيدة والوثيقة بين السعودية والولايات المتحدة على مر العقود الماضية، والتعاون بينهما في مختلف الميادين، بدت الادارة الأميركية، وخصوصاً البنتاغون، وكأنها تريد رداً عاجلاً من السعودية. ولعدم توفر الرد العاجل، وباعتبار انهم في البنتاغون نسوا الطرق المعروفة لشرح الطلب بهدوء، كان هناك شعور بأن السعودية مترددة وتؤجل. وجرى تسريب ذلك الشعور الذي تلقته وسائل الاعلام وضخمته ونفخت فيه.. كما أشرت قبل قليل».

وتابع ميرفي موضحاً فقال «ولكنه وفي مطلع اكتوبر (تشرين الأول) تم حل الموضوع، الذي لم يمثل مشكلة بين الطرفين، ولكن الانطباع الخاطئ ظل يتردد في وسائل الاعلام، إذ جرى التركيز على التصريحات والبيانات السعودية التي قالت ان السعودية لا تسمح لأن تنطلق من أراضيها طائرات لمهاجمة بلد اسلامي». واعتبر ان هذا الموقف السعودي «شيء يجب ان نفهمه ونتعايش معه، ونقدره ايضاً وكل ذلك يتم بحثه في اطار الحوار بين بلدين تقوم بينهما علاقات تعاون واحترام متبادل منذ عشرات السنين».

أما بالنسبة الى الموضوع الآخر الذي برز بعد الهجمات فقال ميرفي «أخذت وسائل الاعلام تردد ان السعودية تتحمل مسؤولية تمويل الارهاب، وهذه ادعاءات غير صحيحة ولا أساس لها حسبما نعرف بل ان السعودية صدمت بتحميلها هذه المسؤولية، ورفضت هذه الاتهامات والهجمات. ولكن السعودية في الوقت نفسه قالت انها ستنظر في الموضوع وستبحث وتتقصى أين تذهب الأموال التي تقدم للأغراض الانسانية، وواشنطن تريد ان تعرف أين وكيف تذهب هذه الأموال».

وكيف يمكن حل هذ الموضوع؟ رد ميرفي «ان الأمر ليس سهلاً، الذين يتبرعون لا يهمهم أين تذهب الأموال التي تبرعوا بها. لكن المؤسسات التي تتلقى الأموال ربما تعرف. ومع ذلك فالأمر صعب، وأعطي مثالاً على ذلك بالصعوبة التي نواجهها هنا، أي تواجهها الحكومة الأميركية في عملية بحثها وتحرياتها لمعرفة اين تذهب الأموال التي يتم جمعها هنا لجمعيات ومؤسسات خيرية، وكيف تنفق وأين تحوّل وأين تذهب».

وقال «ان الحكومة الأميركية استغرقت ثماني سنوات من البحث والتحريات والتحقيقات حتى أصدرت قراراً بتجميد اموال وأرصدة بعض المؤسسات الخيرية مؤخراً، وهذا مثال على صعوبة الموضوع. واعتقد جازماً ان السعودية تأخذ الموضوع بجدية، لأنه ليس من مصلحتها ولا مصلحة الجهات التي يجب ان تستفيد من التبرعات، ان تذهب الأموال لأهداف وأغراض غير أهدافها، فكيف لتمويل الارهاب».

وتابع ميرفي «ولذلك فان البلدين يتعاونان في هذا الأمر وقد بدأ مسؤولون من البلدين من وزارات المال والخزانة وغيرهما مشاورات في اكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حول سبل حل هذه المسائل وكيفية قيام الولايات المتحدة نفسها في هذا المجال».

وعما اذا كانت الحملة والانتقادات ضد السعودية ردة فعل طبيعية بعد هجمات سبتمبر (أيلول) أم انعكاس لعداء مستحكم تجاه السعودية من قبل أطراف داخل الادارة قال ميرفي «ان سبب الحملة هو التسرع وعدم الصبر وتسريب ذلك الشعور الذي اشرت اليه الى وسائل الاعلام. وان تلك الانتقادات لا تعكس في اعتقادي الجازم رأي الادارة أو توجه طرف فيها»، وعلى رغم قسوة الانتقادات الخاطئة، فان ميرفي يرى ان هناك ما يدعو الى التفاؤل، فقد تساءل «ألا ترى معي ان هذه الحملة أخذت تتراجع خلال الأسبوع أو الأسبوعين الماضيين».

وعما اذا كان هناك رأي آخر موازن رداً على حملة الانتقادات ضد السعودية، قال ميرفي «رأيت الكثيرين من الذين تصدوا بالرد، وحاولوا الشرح والتوضيح، وركزوا على ان العلاقة مع السعودية مهمة للولايات المتحدة».

ورداً على سؤال عما يجب عمله في المرحلة المقبلة قال ميرفي «عندما تبدأ حملة انتقادات لا أساس لها، فان من الأفضل عدم اعطائها اهتماماً كبيراً. بل ان عدم الاهتمام بالانتقادات التي لا أساس لها هو الصواب. ثم ان العلاقات الدولية مثل نهر يجري، يجب على أي طرف ألا يأخذها بأنها مضمونة دائماً وأبداً».

وختم بقوله «ان القيادة في الرياض والقيادة في واشنطن تريان وتعرفان ان البلدين مستهدفان من الارهاب الدولي، وان الحملة ضد الارهاب لن تكون قصيرة، وتريدان معرفة ما حدث وكيف حدث وكيف يجب التعامل مع الارهاب ومحاربته. والقيادتان تعترفان ان هذا سيستنزف وقتاً طويلاً. ويتفقان على ضررة انهاء الارهاب وخطره. وهما متعاونان في ذلك، انطلاقاً من علاقة وطيدة وراسخة وذات تاريخ طويل».